مقالات مختارة

بعد "كوباني".. أنقذوا حلب

لوران فابيوس
1300x600
1300x600
لقد تم توقيفهم في اللحظة الأخيرة في "كوباني"، هؤلاء الإرهابيون الذين اصطلح العرب على تسميتهم "داعش".. (ونحن لن نستخدم تعبير الدولة الإسلامية؛ لأن هذا الفصيل لا يعتنق الإسلام الحقيقي ولا يعرف ما هي الدولة).. بدأوا بسحب عناصرهم من القتلة المجرمين إلى مناطق أخرى وانتشروا على طول الحدود السورية - التركية. وفي نهاية طريقهم تقع حلب، أحد معاقل المعارضة المعتدلة.

وتعد هذه المدينة السورية، الثانية من حيث الضخامة، وتستأثر بتراث إنساني عريق ضارب في القِدم، وتشتهر بمكانتها كمركز لمقاومة الدكتاتور بشار الأسد. وكانت ولا تزال واقعة تحت قصف قواته وطيرانه منذ عام 2012. والآن أصبحت تحت رحمة البراميل المتفجرة للنظام وتنظيم "داعش" معاً.

والمدينة تعاني بطبيعة الحال الحصار الخانق، ولا تتصل بالعالم الخارجي إلا بطريق وحيد إلى تركيا. ويعمل النظام على إبادة المقاومة المنتشرة في المدينة، خاصة في أحيائها القديمة عن طريق تعريض الناس للبرد القارس والجوع. وفيما تدفق أكثر من مليون حلبي ليلتحقوا ببقية اللاجئين السوريين إلى دول الجوار، بقي 300 ألف منهم صامدين في المدينة وهم يتعرضون لأشكال الموت والإبادة التي يسلطها النظام على حمص وريف دمشق منذ اندلاع الثورة الشعبية ضده.

ويفضل الدكتاتور السوري أن يسلّم حلب للقتلة الإرهابيين حتى لو عنى ذلك اجتياح "داعش" للطرف الشرقي منها. وسيدفع مواطنو حلب عندئذ ثمن انسحاب "داعش" من كوباني بعد أن دفعوا ثمن معارضتهم لبشار الأسد.

وفي حقيقة الأمر، يمكن اعتبار الأسد و"داعش" وجهان لعملة بربرية واحدة. والأسد يتحمل القسم الأكبر من مسؤولية خلق هذا "البعبع" الذي يسمى "داعش"؛ لأنه هو الذي أطلق سراح الجهاديين من السجون ليطلقوا العنان للحركة الجهادية المزعومة. ويندرج هذا الفعل الشنيع في إطار سعيه للظهور في أعين العالم على أنه المتراس الحصين ضد الإرهاب في سوريا. إلا أن الحقائق تتناقض مع هذه الكذبة الكبرى. ونتساءل: كم من مرة عمد فيها النظام (الذي لا يتوقف عن ضرب شعبه الآمن)، إلى قصف "داعش"؟. وهل بذل أدنى مجهود لتجنيب "كوباني" الكارثة حتى عندما كان الحزب الديموقراطي الكردي يحارب إلى جانبه في مكان آخر؟. كلا.. أبداً، لقد فضل ألا يفعل شيئاً.

ويشترك هذا الوجهان القبيحان للبربرية في هدف واحد: تدمير المعارضة المعتدلة. ولهذا السبب، فلقد قررا معاً استهداف معاقلها في حلب؛ لأنها تمثل جذوة النضال السياسي لإقامة التعددية والديموقراطية في سوريا.. سوريا التي يرفضها كل من النظام و"داعش".

والتخلي عن حلب يعني تعريض سوريا لسنوات أخرى وطويلة من العنف والمآسي. وسوف يعني أيضاً نهاية أي مشروع سياسي يمكنه أن ينقذ سوريا في المستقبل. كما يعني تصدير الفوضى إلى مناطق تعانيها أصلاً مثل العراق ولبنان والأردن. وسيعني ذلك تقسيم الوطن السوري وتسليمه إلى "لوردات الحروب" الذين يفرطون أكثر وأكثر في تطرفهم وراديكاليتهم. وعلينا ألا نقع في الخطأ؛ لأن الأسد الذي لا يعدو أن يكون واحداً من "لوردات الحرب"، بل إنه يتفوق في هذه الصفة على الآخرين، لن يتمكن من دحر معارضيه ولا دحر "داعش". وهو يعرف هذه الحقيقة حق المعرفة. 

كما أن التخلي عن حلب سوف يعني التخلي عن 300 ألف رجل وامرأة وطفل وتركهم لمصيرهم المخيف. فإما أن يموتوا تحت الحصار أو بقنابل النظام أو بالسلوكيات الهمجية والبربرية لـ"داعش".

ولا يمكن لفرنسا أن تقف مكتوفة الأيدي أمام مشروع تقسيم سوريا أو الرضوخ لفكرة التخلي عن حلب وتركها لتواجه هذا المصير المشؤوم. وهذا هو السبب الذي يدفعنا، نحن وشركاءنا في التحالف، لتركيز جهودنا على حلب عن طريق السعي لدعم المعارضة السورية المعتدلة وحماية السكان المدنيين من الجريمة المزدوجة للنظام و"داعش". وبعد كوباني.. يتوجب علينا إنقاذ حلب.
التعليقات (0)