قضايا وآراء

حقيقة علاقة حماس بعملية سيناء الأخيرة

1300x600
1300x600
لا أستطيع أن أفصل دور حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بقطاع غزة عما يجرى على أرض سيناء من أحداث أو أُغفل علاقتها المباشرة وغير المباشرة بسلوك النظام المصري الحالي وطريقة تعاطيه مع الوضع السياسي الداخلي من جانب والقضية الفلسطينية من جانبٍ آخر، فحركة حماس بنظري لها موقع كبير من الإعراب لاسيما فى إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب إذا ما أخذنا فى الاعتبار العلاقة الفكرية التاريخية التى تربط حماس بالإخوان المسلمين، لذا نجد أن من الطبيعي ربط أي اتهام لإخوان مصر (المعزولون قسرا عن السلطة) بالخيانة والإرهاب بحركة المقاومة "حماس" ( فرع الجماعة الفلسطيني في غزة) أو بما يسمى جماعة أنصار بيت المقدس (المثيرة للجدل) والتي يتهمها النظام بالتنسيق مع حماس فضلا عن دولتي قطر وتركيا المتهمتان دائما من قبل سلطة 3 يوليو بالعبث بالأمن القومي المصري والعمل في خدمة التنظيم العالمي الدولي للإخوان المسلمين.

ولأن الشيطان يكمن فى التفاصيل إذا نظرنا إلى الوجه الآخر للصورة المُعتّم عليها تماماً عكس ما يتم تسويقه وتصديره إعلامياً نخلص إلى حقيقة مفادها أن سلطة الانقلاب فى مصر اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين إرهابية بالتوازي تماماً مع وصمها حركة حماس الإسلامية بنفس التهمة لأسباب عميقة تتعلق بالقضاء تماماً على مشروع المقاومة كمنهج شرعي لنيل الحقوق الفلسطينية وأساس وطني لتحرير كامل التراب الفلسطيني المحتل، والعداء قديم منذ حكم المخلوع حسني مبارك لمنع وصول الإسلاميين للحكم حتى ولو عبر الديمقراطية كراهيةً في الإسلام ذاته هكذا بكل وضوح  وتماهياً مع مصلحة الشريك الصهيو أمريكي، وسار النظام الانقلابي على ذات الدرب ولكن بوجهٍ مكشوف وعداء معلن يفتقد لأدنى درجات الكياسة حيث اتخذ من حربه على الإرهاب سبيلاً لاستئصال جماعة الإخوان والإسلام السياسي على وجه العموم من مصر والإجهاز على المقاومة الفلسطينية كمشروع وطني جامع وفي القلب منها حركة حماس (الإسلامية الإخوانية) على وجه الخصوص، ذلك أنه ما من اندلاع تفجير هنا أو هناك أو عملية إرهابية يتم إلصاق التهمة مباشرة بالإخوان المسلمين فى مصر وحركة حماس الإسلامية خاصةً إذا كان موقع الهدف على أرض سيناء المتاخمة للحدود مع قطاع غزة.

 إذا اتفقنا على أن الانقلاب العسكري الذي جرى في مصر فى الثالث من يوليو من العام الماضي كان بعلم ومباركة وتنسيق مع الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، فليس من المستبعد أبداً أن تكون عملية (كرم القواديس) الأخيرة (24 أكتوبر) بشمال سيناء ذريعة خبيثة للنظام الانقلابي لكسب نقطتين فى صراع (الاستئصال الاسلامي) التى يخوضها منذ 3 يوليو وضرب عصفورين بحجرٍ واحد: الأولى شرعنة إحكام قبضته الأمنية المتعسفة على البلاد خاصة سيناء وبالتالي عسكرة الدولة شعباً ومؤسسات في استنساخ قبيح للحقبة الناصرية. فكيف نبتلع رواية استتباب الأمن المزعوم فى الوقت الذي تتكرر عملية اصطياد جنودنا كالعصافير في عمليات مريبة بهذا الشكل المؤسف بلا تأمين حقيقي لأكمنة من المفترض أن تتمتع بأعلى درجات الاستعداد والجاهزية والأنكى استهداف مواقع حيوية أمنية ومدنية في قلب العاصمة دون وجود شبهة تواطؤ عليا تشي بالخيانة العظمى أو رخاوة أمنية تصل لحد الإهمال والتقصير ومن ثم العجز والفشل الذريع في أهم ملف يتميز به هذا النظام العسكري الأمني بالأساس!، فكلاهما مصيبة تستوجب المحاكمة قبل التنحي، أما النقطة الثانية التي يكسبها النظام فى حرب الاستئصال الإسلامي (أو هكذا يتصور) هي خوض حرب نفسية إعلامية وربما عسكرية ضد حركات المقاومة (حماس تحديداً) وإظهارها داخلياً وخارجياً على أنها الشيطان الأكبر والعدو الأوحد وبالتالي تستحق ما يحدث لها من حصار وتجويع ومن ثم تجفيف منابعها وبطبيعة الحال يصب ذلك بلا شك فى المصلحة العليا الإسرائيلية والأمريكية ذلك أن حماس باتت هى العدو المشترك للدولتين المصرية والإسرائيلية.

لا أستطيع أن أعزل عملية (كرم القواديس) الأخيرة بسيناء عن ملف المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها الدولة المصرية بين العدو الصهيوني والمقاومة الفلسطينية متمثلة فى حركة حماس خاصة بعد الأداء الإبداعي المبهر للمقاومة ونجاحها فى إفشال مخططات إسرائيل في شل حركة المقاومة أو إضعافها وتقليم أظافرها على الأقل، فضلاً عن الصمود الأسطوري لأهالينا فى غزة والتفافهم المذهل حول مشروع المقاومة، حيث إن النصر المعنوي (رغم حجم الخسائر البشرية الباهظة) الذي حققته المقاومة الإسلامية خلال 51 يوماً قد أحرج الكيان الصهيوني وشركاؤه في المنطقة (الشريك المصري على وجه الخصوص) خاصة بعد اضطرار العدو  تجرع السم والقبول بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات هدنة غير مباشرة مع حماس حققت من خلالها المقاومة مكاسب لا يُستهان بها لشعبنا فى غزة بل والقضية الفلسطينية في ملفات فك الحصار وتوسيع رقعة الصيد إلى 12 ميل وفتح معبر رفح البري أمام المساعدات الطبية والغذائية وحركة المسافرين الفلسطينيين كجولة أولى تتبعها جولة أخرى من المفاوضات أكثر أهمية وخطورة تصر حماس والمقاومة الفلسطينية فيها على فرض وتحقيق شروطها، وتتعلق بتشغيل ميناء ومطار غزة والإفراج عن دفعة من الأسرى.. فهل من المعقول أن تتورط حركة حماس فى عملية إرهابية من هذا القبيل بعد المكاسب السياسية التى حققتها والتى من شأنها أن تجلب عليها المزيد من المتاعب وتأليب المجتمع الدولي والعربي الرسمي طبعا ضدها لاسيما قبل ثلاثة أيام من استئناف الجولة الثانية من مفاوضات الهدنة العصيبة مع العدو الصهيونى المزمعة الاثنين 27 أكتوبر(والتي  تأجلت بالفعل) لتحقيق المزيد من المكاسب على الأرض التي من شأنها فك الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من سبع سنوات فضلاً عن التقاط الأنفاس لتطوير قدراتها الدفاعية والقتالية، لذا فمن المنطقي ألاّ تُقدم حماس على هذه المغامرة الخطيرة فليس من مصلحتها إثارة اللغط حولها واستدعاء أعداء جدد مما هو واقع بالفعل.، وعلى العكس فإذا فتشنا عن المستفيد من العملية ومن كل يجرى على أرض سيناء فسندرك أنه العدو الصهيونى لسببين خطيرين: الأول ضمان بقاء سيناء رهينة العنف وعدم الاستقرار حتى لا تتحقق التنمية الحقيقية لها وتصبح أرض أشباح خالية من البشر فلا استقرار ولا استثمار وبالتالي يسهل احتلالها في أي وقت كما حدث من ذى قبل مرتين إبان العدوان الثلاثى عام 1956ونكسة 5 يونيو 1967، أما السبب الثانى فيتعلق بخلق ذريعة منطقية خبيثة للتملص من التزاماتها أمام العالم بما جاء في الجولة الأولى من اتفاق الهدنة وإفشال اتمام المفاوضات مع المقاومة الفلسطينية و الهروب من تقديم تنازلات قاسية وتجرع المزيد من السم فتصبح غير ملتزمة دولياً بعد التطور الأخير فى سيناء بأى اتفاق مع حماس أو المقاومة ، هذا بالتوازى تماماً والتوافق مع الهدف المزدوج لسلطة الانقلاب فى مصر أيضاً من عملية سيناء وهو فرض عسكرة المجتمع المصرى والمزيد من الإجراءات الأمنية القمعية فى إطار حملتها المستمرة لاستئصال جماعة الإخوان المسلمين وشيطنة أى صوت معارض كهدف أول ، أما الهدف الآخر الأخطر فهو سرقة النصر المعنوى الذى حققته حركة حماس مع فصائل المقاومة الأخرى بصمود الشعب الفلسطينى فى غزة بتفريغه من مضمونه بالإجهاز على مشروع المقاومة كفكرة وحق أصيل ومشروع لاسترداد الحقوق المسلوبة وتحرير الأرض.

ثمة إشارة هامة هنا أود التنويه إليها أنه قد اعتدنا أن يتبع كل تفجير أو عمل إرهابى كبير إجراءات أمنية كبيرة وتعسفية محصلتها النهائية عسكرة الدولة وهو ما تم بالفعل بعد تفجيرى جامعة القاهرة وسيناء حيث القرار الجمهورى الأخير باعتبار كل مؤسسات الدولة منشآت عسكرية يتم بمقتضاه إحالة أى معتدى عليها إلى القضاء العسكرى فضلاً عن عمليات تهجير أهالى رفح وفرض جدار عازل بطول الحدود مع قطاع غزة مما يعزز لدينا نظرية المؤامرة والتواطؤ من جانب السلطة عن المسؤولية المباشرة لهذه العمليات سواء بالتورط أو الإهمال المتعمد!، وقبل أن يتهمنى البعض من أصحاب الهوى أننى أسير لنظرية المؤامرة والتخوين بالحق وبالباطل دون دليل وتوثيق فأدعوهم أن يقرأوا بعينٍ محايدة بعيداً عن الانتماءات والإنحيازات السياسية والفكرية تصريحين الأول لوزير الداخلية قبل ساعتين ونصف من انفجار محيط ميدان النهضة بالقرب من جامعة القاهرة(22 أكتوبر) وكيف تنبأ بما سيحدث مستقبلاً رجماً بالغيب (وكأنه نبى يوحى إليه)أو ربما على علم مسبق بالمؤامرة إما بالتورط المباشر أو الإهمال والتقصير فى التأمين وكلاهما يدينه قائلاً بالنص ( مخطط جديد للإخوان بعد قليل وسنتصدى له بكل قوة) – أما التصريح الآخر لرئيس الانقلاب بعد يوم من حادث سيناء الإرهابى(25 أكتوبر) مندداً ومتوعداً الفاعل بالويل والثبور وعظائم الأمور ثم يفاجأ شعبه ويقوم بتطمينه إلى أن العمليات الإرهابية لن تتوقف معلناً أنها ستتكرر فى المستقبل رغم علمه وإحاطته بها فى الماضى والحاضر والمستقبل! ، أعتقد أن التصريحين ليسا بحاجة إلى مزيد من التحليل والتفسير لكل ذى عقل أو من ألقى السمع وهو بصير. 
  
التعليقات (0)