مقالات مختارة

«داعش».. والحرب الفولكلورية

وليد أبي مرشد
1300x600
1300x600
كتب وليد أبي مرشد: توحي الاستعدادات الدولية والإقليمية لمحاربة إرهاب «داعش» بأنه أصبح «إيبولا» الشرق الأوسط: لا علاج عاجلا له.

لم يشهد المشرق العربي، في تاريخه الحديث، كما اليوم، عصرا اختلط فيه «الحابل» السياسي «بالنابل» العسكري بشكل معقد يجعل أوضاعه أقرب إلى الأحجية منها إلى المشكلة.

في دمشق نظام يشن حربا بلا هوادة على ما يصفه، جهارا وتكرارا، بالمؤامرة الإمبريالية الغربية على «قلعة» الصمود والممانعة في المنطقة... وفي الوقت نفسه يدعي التنسيق مع رأس المؤامرة، الولايات المتحدة، في التصدي لعدو مشترك يتمثل بالخطر «الداعشي».

وفي أنقرة حكومة تتعهد رسميا بالمشاركة الفعلية مع قوات التحالف في الحرب على «داعش»... ولا تحرك ساكنا لدعم خصوم «داعش» السوريين، أي مقاتلي «وحدات حماية الشعب الكردي»، حتى في أحرج مراحل معاركهم معها في بلدة عين عرب الحدودية. وإضافة إلى ذلك تحجب أنقرة عن حلفائها قرار السماح بانطلاق الطائرات المغيرة على «الداعشيين» من قاعدة «إنجرليك» الأطلسية - التي تبعد 10 دقائق طيران فقط عن أهدافها السورية - لتضطرها إلى الانطلاق من قواعد خليجية تبعد نحو 1200 ميل عن أهدافها.

وفي بغداد نظام فقد غطاءه العسكري الوطني ولا يخفي قلقه البالغ من احتمال سقوطه في أحضان «الداعشيين»... ومع ذلك يساهم بشكل مباشر في تمويل التهم العسكرية بفتحه على أرضه «بازارا» مزدهرا لمبيعات النفط «الداعشي» الذي يجري تصديره للخارج عبر إقليم كردستان.

وفي واشنطن إدارة التزمت علنا، ومنذ سنوات، بتغيير نظام الرئيس بشار الأسد، وكادت تتدخل عسكريا ضده «إثر اتضاح استعماله أسلحة كيماوية في حربه على المعارضة» لتجد نفسها اليوم حليفا غير مباشر له، فحملاتها الجوية اليومية على «داعش» توفّر له فرصة ثمينة لسلاحه الجوي لتصعيد وتيرة ضرباته المتلاحقة على مواقع المعارضة «المعتدلة» - التي تدعمها واشنطن مبدئيا - بل مضاعفتها حسب إفادة «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

وعلى صعيد عسكري آخر، تعد واشنطن بتسليح فصائل المعارضة السورية التي تصفها بـ«المعتدلة» كي تتحمل قسطها في الحرب البرية على «داعش» والنظام... وتحجم من جهة ثانية عن دعوتها للمشاركة في اجتماع قاعدة «أندروز» لقادة قوات التحالف الدولي، مما لا يعزز استعداد واشنطن للاعتماد عليها كرأس حربة القوى المعتدلة في النزاع السوري.

وفي طهران نظام بدأ يلمس في التمدد «الداعشي» في سوريا والعراق مخاطر الاستنساخ السني لأصوليته الدينية، ويتطلع إلى إعادة نظر مصلحية في علاقاته بالدول الإسلامية المناهضة للفكر - وربما الأصح الكفر - «الداعشي»، وحتى «بالشيطان الأكبر»، وإنْ بأقل هدر ممكن لماء الوجه.. هذا في وقت تزداد فيه وطأة الضغوط الاقتصادية على النظام بحكم تقلص مداخيله بعد تراجع الأسعار العالمية للنفط، مقرونا بأعباء المقاطعة الغربية ومتطلبات الدعم المالي للنظام السوري.

وفي بيروت حكومة ملتزمة، مبدئيا، بالتحالف الدولي - العربي ضد الإرهاب... ومرتبكة في البحث عن مخرج يسمح لها (على هدي الشعار اللبناني المستهلك «لا غالب ولا مغلوب») بأن تستمر في الاستظلال بمظلة التحالف، من جهة، وتحتفظ برضاء الفصائل الإرهابية «المعسكرة» على حدودها الشمالية الشرقية التي أخذتها رهينة، مع 17 عسكريا تهدد بذبحهم على الطريقة «الداعشية».

وسط هذه المعطيات المتداخل بعضها مع بعض والمتناقض بعضها مع بعض... تتخذ الحرب على الإرهاب طابعا فولكلوريا لا بد أن ينال من مصداقيتها إنْ هي استمرت على هذا المنوال، في مرحلة يبدو أن الشرق الأوسط يعيش خلالها مخاضا تاريخيا غير مسبوق، مرشحا لأن يحدد مصيره لسنوات مقبلة.

من هنا ضرورة توصل دول التحالف إلى صيغة سياسية واضحة لاستراتيجية الحرب على الإرهاب تبدأ باتفاقها، برعاية أميركية، على خارطة طريق لما بعد «داعش» وما بعد النظام السوري، أي خارطة تمهد لقيام شرق أوسط تعددي وديمقراطي... وتوفر على دوله السقوط في حالة فوضى عامة وشاملة قد تحمل شعوبها على الترحّم على أوضاعها الراهنة.


(الشرق الأوسط)
التعليقات (0)