كتاب عربي 21

بوصلة تركية في المعضلة الكوبانية

جمال أحمد
1300x600
1300x600
لعل من الإنصاف القول أن الرؤية التركية حيال حرب التحالف الأمريكي العربي على تنظيم الدولة هي الأكثر وضوحاً وقرباً لمصلحة السوريين والعرب قبل الأتراك أنفسهم؛ فتركيا تبدو أبزر الرابحين في صراع النار والدم حول مدينة عين العرب كوباني، والذي لا يمثل إلا شرارة صغيرة من اللهيب الذي اشتعل في سوريا والعراق.

ربح تركيا يتبدى في ثبات بوصلتها من الثورة السورية فمنذ بدايتها كان الموقف التركي واضحا في الوقوف إلى جانب التحول الديمقراطي الذي خرج السوريون من أجله، وطالب أردوغان بعد مظاهرات درعا بأيام أن يستمع الأسد إلى مطالب شعبه. إلا أن إمعان النظام السوري في خياره الأمني ومن بعده العسكري الدموي جعل الأتراك يضبطون بوصلتهم باتجاه إزاحة الأسد عن السلطة، على الرغم من أن البعض ظن أن موقف تركيا يستوجب بالضرورة أن تقوم بنفسها بهذه المهمة، كما تصور بعض المتحمسين من النشطاء السوريين أو الشامتين في تطور الثورة السورية وعسكرتها. ولم يدرك هؤلاء أن تركيا الدولة والمؤسسة الديمقراطية تبني مواقفها انطلاقاً من المصلحة العليا للدولة التركية القوية في اقتصادها، والراسخة في رؤيتها الاستراتيجية، والتي تؤمن أن تحرير سوريا أولا وآخرا مهمة السوريين بدعم من الأنصار الحقيقيين للثورة. 

هذه المقدمة مهمة لفهم موقف أنقرة الحالي من تعقيدات التحالف الغربي العربي ضد تنظيم الدولة. موقفٌ عبّر عنه رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو عند اشتراطه أن يكون هدف إسقاط نظام الأسد مٌتضَمناً في معادلة الحرب على التنظيم المتطرف حتى توافق أنقرة على التدخل العسكري والمشاركة في عمليات التحالف. هذا الموقف فصّله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما وضع محددات عملية تنطلق من فرض منطقة عازلة في الشمال السوري على الحدود مع تركيا؛ لحماية السكان الذين يفرون من القتال في كل أنحاء سوريا وليس فقط في الشمال أو عين العرب (الخالية من السكان بعد لجوئهم إلى تركيا). وهذا المطلب ليس جديداً فقد كان أردوغان قد دعا إليه مراراً منذ بداية رفع شعارات الحماية من طيران النظام التي كان السوريون يرفعونها في مظاهراتهم . ولايخفى أن هذا المطلب يخدم الهدف التركي في إزاحة أس المعضلة السورية والسبب الموضوعي لنشوء تنظيم الدولة ألا وهو النظام السوري، فالمنطقة العازلة ستوفرللمرة الأولى أرضية سورية آمنة للثوار الذين يحاربون الأسد منذ ثلاث سنوات مما سيغير قواعد الاشتباك بشكل جذري وحاسم لمصلحة الثوار، الذين لا تنقصهم القوة النارية البرية ولا العتاد أوالسلاح والبشر؛ إلا أنهم يقاتلون بظهور مكشوفة طوال الوقت، و ستشكل الأرض الآمنة دافعا إضافيا للتحرك جنوبا ضد النظام وشرقاً لصد تمدد تنظيم "الدولة"، الذي استولى من قبل على ما حرروه من مناطق، وهنا سيرى الثوار أن الغرب لا يستخدمهم كبيادق لأجندته الخاصة .

ولعل المستغرب أن توافق فرنسا على مطلب أردوغان وترفضه واشنطن، بعد تضارب التصريحات بين الخارجية والكونغرس والبنتاغون حول أهمية المطلب؛ ما يشكك بضبابية في الاستراتيجيا والتكتيك الأمريكي في الحرب على التنظيم، الذي مازال يتقدم في كوباني و معظم جبهات القتال، مما يتطلب بالضرورة مراجعة مستمرة لخطط الغرب، وحاجة ماسة لمشاركة تركيا في القتال عبر تلبية شروطها الموضوعية. إلا أن الغرب وبعض أكراد تركيا يطالبون بأن يهرول الجيش التركي لاقتحام عين العرب وتحريرها(ولا نشك بقدرته على ذلك)، ثم ينسحب لتُسلم المدينة بعد ذلك كهدية إلى النظام السوري أو إلى حزب الاتحاد الديمقراطي . وهذا ما ألمح إليه أوغلو في حديث صحافي عندما قال إن القضاء على تنظيم الدولة في سوريا دون ربطه بإزاحة النظام سيتيح المجال أمام النظام ليحل محله. وبهذا يغفل المطلب الغربي بتدخل تركي تعقيدات المسألة الكردية في تركيا عندما تطالب أنقرة بالتحالف مع "عدو" داخلي يؤثر على أمنه القومي للتخلص من عدو خارجي مشكوك في قدراته وإمكانيات بقائه واستمراره . 

وهكذا فكيف سيحارب الجيش التركي مع قوات الحماية التابعة لحزب حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، الذي يطالب بحكم ذاتي دون أن يؤثر ذلك على موقفه من النسخة التركية لذلك الحزب، وهو حزب العمال الكردستاني الذي يشاركه نفس المطلب ومازال الصراع بين الطرفين مستمرا على الرغم من الهدنة الحالية بين الطرفين وقرب انفراجها؛ لولا التطورات الدراماتيكية التي حصلت وعززت موقف الأكراد. وهل ستتدخل أنقرة في كوباني لإرضاء أكرادها وتتخلف عن نجدة العرب وغيرهم في المدن التي يدكها تنظيم الدولة ونظام الأسد؟ أم أن لدى الحكومة التركية مقاربة شاملة للحل في سوريا تسعى لتنفيذها ضمن رؤية متكاملة؟. 

المعادلة معقدة وأطرافها الدوليون والإقليميون كثر وخلاصة القول فيها أن معظمهم يريد تدخل أنقرة دون دفع الفاتورة السياسة المستحقة لتركيا، فيما تبرهن أنقرة أنها تسير بخطى مدروسة فوق حقل متفجر من الألغام في سوريا والعراق، وتفهم أن هناك محاولات حثيثة لجرها "للمستنقع"، وتركها تغرق فيه وحيدة دون رؤية وبصيرة، وذلك من أجل أن يخبو ذلك المارد التركي الصاعد وتلك القوة العسكرية الاقتصادية الجبارة المبهرة، التي تشكل دعامة استراتيجية أساسية لنهضة المنطقة وشعوبها، وداعماً حقيقياً لمحاولات التحول الديمقراطي العربية . وهنا لن نحار كثيراً في معرفة الكنانة التي تنطلق منها السهام ضد تركيا.
التعليقات (2)
يوسف الرفاعي
السبت، 11-10-2014 10:33 م
الحمد لله ان المسؤلين في انقرة يتعلمون من الدروس التي حدثت بالماضي وخاصة علاقتهم مع الولايات المتحدة الاميريكية التي وعدت تركيا ب 6 مليارات مقابل السماح لطائراتها بالاقلاع من تركيا لضرب العراق انتهت الحرب ولم تف الولايات المتحدة بالتزاماتها وهذا يعني ان تركيا لن تغرق بالوعود الاميريكية مرة اخرى وخاصة ان اميركا نفسها تطبق ما قاله نيكسون منذ عشرات السنيين في ان نلعن علنا ونبقى معا سرا
طه زردق
الجمعة، 10-10-2014 10:34 م
أجدت