بورتريه

بورتريه .. عبدالله النسور ..حكومة على الحافة

النسور اتخذ قرارات اقتصادية قاسية كادت تعصف بحكومته - عربي 21
النسور اتخذ قرارات اقتصادية قاسية كادت تعصف بحكومته - عربي 21
الثقة بين حكومته وقطاع عريض من الأردنيين يشوبها الشك، وتمر بمرحلة سبات عميق بعد سلسة من التصريحات (الروايات) المتناقضة التي أطلقتها الحكومة أخيرا حول ما قيل بأن الدولة عثرت على "كنز هرقلة" في منطقة عجلون شمال الأردن، وأيضا حول طبيعة المشاركة الأردنية في "التحالف الدولي" ضد تنظيم "الدولة " في سوريا والعراق.

يصفه الأردنيون، تندرا، بأنه رجل "الرفع" رقم واحد في الأردن وربما في العالم، فمنذ تسلمه رئاسة الحكومة اتخذ سلسلة من القرارات الاقتصادية التي تعلقت في غالبها برفع الدعم أو رفع الأسعار في قطاعات عديدة على تماس مباشر بحياة الموطن الأردني.

يصر على استقلالية قرارات حكومته عن باقي الأجهزة الأخرى في الدولة الأردنية (الديوان الملكي ودائرة المخابرات العامة)، وأن الحكومة " كاملة الصلاحيات وصاحبة الولاية العامة وفقا للدستور"، بحسب كلامه.

 وحين قرر "تحرير أسعار" المشتقات النفطية، تحمل وحده مسؤولية القرار قائلا :"خالفت رأي دائرة المخابرات العامة، أنا أقوى من المخابرات (... ) أنا المسؤول عن تقارير الأجهزة الأمنية هم أوصوا ولكن القرار كان لي"، مشيراً إلى أن "القرار لا تتحمّله الأجهزة الأمنية ولا تتحمّله القيادة.. أنا المسؤول عن هذا القرار والبديل هو الأسوأ".

لكنه عاد واعترف وأمام حكاية "ذهب هرقلة" إلى القول أنه كان "مغيبا عما حدث، لأسباب عسكرية بحتة".

لا يبدو رئيس وزراء الأردن الدكتور عبدالله النسور متشنجا أو مستفزا عندما يقرأ سيلا جارفا من التعليقات والرسومات التهكمية التي تنشر عنه في المواقع الإلكترونية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى العكس فهي تثير ضحكه، يقول في تصريح صحافي:" في آخر الليل أجلس مع أسرتي لنضحك على ما يكتب عني".

محظوظ مع الأرقام، ومحظوظ أيضا بمجلس نيابي منحه الثقة أربع مرات.

 حكايته مع الأرقام بدأت مع حصوله على علامة 100% بالرياضيات في الثانوية العامة، ولم تتوقف عند سلسلة الأرقام التي أطلقها منذ تشكيل حكومته والتي يسوقها بين الفنية والأخرى .

النسور، المولود في مدينة السلط عام 1939، لم يترك حكومة أثناء وجوده في المجلس النيابي إلا وانتقدها وحجب عنها الثقة وهاجم برامجها دون هوادة، بينما هو الآن يسير بثقة مريحة والمضي نحو مزيد من قرارات بدت "غير شعبية" و"سيئة السمعة" وكانت ذات يوم مصدر قلق وغضب حتى بالنسبة له شخصيا.

يرى النسور أن جميع القرارات التي اتخذتها الحكومة، مثل تحرير أسعار المشتقات النفطية و صرف بدل دعم نقدي للمواطنين المستحقين" ستسجل له "، يقول: "قدمت خدمة لبلدي ومتأكد أنها ستسجل لي"، متابعاً " أتيت بسياسات اقتصادية في الاتجاه الآخر (..) وبفضل الله نجحت فيها".

وينفي عن نفسه تهمة التسبب بمعاناة للأردنيين قائلا: "لم أدفع الأردنيين نحو المعاناة المعيشية لكنني جنبتهم انهيار اقتصادهم".

حين شكل حكومته كان التوقع أن يأتي بطاقم وزاري لا خلاف حوله لكنه احتفاظ بوزراء كانوا سابقا في حكومة الدكتور فايز الطراونة التي هاجمها وحجب عنها الثقة.

النسور يرفض التملق، ويقول المقربون والعارفون بالرجل بأنه نظيف اليد ، درب نفسه جيدا على كتمان الأسرار، وعدم الخوض في لزوم ما لا يلزم من كلام ، وبات حاليا أكثر هدوءا قياسا بسنوات عاصفة مرت به قبل نحو 23 عاما حين خاض أول تجربة نيابية له، كانت " تجربة مستفزة " بحسب قوله، كان آنذاك أقرب إلى "طائر جريح" بسبب كمية الهجوم الذي تعرض له أبان حملته الانتخابية لمجلس 1989، يقول عن تلك المرحلة:" كنت مستهدفا، وتعرضت للأذى من خارج منطقتي الانتخابية بوسائل مسموعة ومكتوبة من جهات معينة منها ما هو صحيح ومنها ما هو مفبرك، ووزعت آلاف الأشرطة على منطقتي الانتخابية ".

بعد مرور العاصفة أصبح أكثر استقرارا وواقعية وبات يميل إلى التكتم والغموض. 

لم يشكك يوما في نوايا المعارضة، ولم يأخذ موقفا حادا أو رافضا للأحزاب ومن برامجها، وربما يعود ذلك إلى أنه واع ويعيش مرحلة الاضطرابات السياسية والعسكرية في المنطقة خصوصا فترة الستينيات حيث انتسب وله من العمر 18 سنة لحركة "القوميين العرب" بتأثير من الراحل "الشريف" عبدالحميد شرف رئيس وزراء الأردن الأسبق وأحد أفراد العائلة المالكة .

يعرف جيدا أن للانتماء الحزبي ثمن، وهو على قناعة بأنه لا ينبغي للحكومات أن تطارد الناس في رزقهم أو تحجر على حريتهم إذا خالفوها القناعات الفكرية، ففي فترة مبكرة من انتمائه الحزبي وعمله بالتدريس دفع الثمن، إذ نقل من "معهد المعلمين" بعمان إلى قلقيلية قرب نابلس كعقوبة، وعندما تقدم للعمل في وزارة الخارجية وكان الأول بين مجموعته حرم من هذه الفرصة وعاد للعمل في مجال التعليم، وتكرر الأمر معه عندما حاول الانضمام إلى وزارة الداخلية، وما لبث أن قطع صلته بالحزب عام 1964 بعد أن انحرف الحزب أكثر نحو "الاشتراكية العلمية".

الكل يركز على النسور ما قبل وما بعد الرئاسة ، وبدت أقوال الرجل بعد تشكيل حكومته متناقضة مع أقواله في مجلس النواب، وثمة قوى سياسية وأحزاب وإعلامية تحتفظ بقائمة طويلة من مواقفه السابقة .

فقد قف النسور(النائب) في وجه قانون الانتخاب الحالي؛ ولما وافق النواب على القانون كما جاء من الحكومة، صوت ضد قانون الانتخاب داعيا إلى العودة لقانون الانتخاب الذي أجريت انتخابات 1989 على أساسه، لكنه عندما أصبح في موقع القرار دافع عن الانتخابات بوصفها تشكل مرحلة فاصلة وأشرفت حكومته على الانتخابات التي جرت وفقه.

كما أخذ النسور مواقف مناوئة للحكومات خلال وجوده في البرلمان، واتسم نقده لها في أحيان كثيرة بالحدة الواضحة، ولم يمنح الثقة لأية منها.

محاضر جلسات مجلس الأمة، تشهد للنسور بحجبه الثقة عن الحكومات الأربعة، التي شكلت في ظل مجلس النواب السادس عشر، سمير الرفاعي، ومعروف البخيت، وعون الخصاونة، وفايز الطراونة. 

النسور حاصل على بكالوريوس في الرياضيات من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1960، وماجستير إدارة المؤسسات العلمية جامعة "ديترويت" بالولايات المتحدة عام 1965 ، والدكتوراه في تخطيط القوى البشرية من جامعة "السوربون" بفرنسا عام 1978.

وهو سياسي محنك عمل (وزيرا للتخطيط، ووزير تربية وتعليم، ووزير خارجية، ووزير صناعة و تجارة، ووزير تعليم عالي، ونائبا لرئيس الوزراء لشؤون الخدمات ووزيرا للتنمية الإدارية، ونائبا لرئيس الوزراء لشؤون الخدمات ووزيرا للأعلام)، كما انتخب عضوا في مجلس النواب ( 1989، 1993 ، 2010) وعين في مجلس الأعيان ( 1997).

لم يكن النسور(الوزير، النائب) يقرأ شفاه الحكومات في السابق ليقول ما تريد أن يقوله، ولم يكن يحسن قراءة ما يفكر به رئيسها حتى يسبق غيره إلى ساحة المجاملات والنفاق، كما قال ردا على منتقديه.

وكثيرا ما حاول إسكات مروجي الإشاعات عن قرب رحيل حكومته، موجها كلامه إلى صالونات عمان السياسية بأن الملك يثق بحكومته وأن رحيلها ليس قريبا، ومنذ أن شكل حكومته في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2012 ، تحوم الإشاعات والأقاويل بأن القصر غير راض تماما عن النسور، لكن الواقع وبقاء الحكومة وسط محيط عربي مضطرب وقرارات داخلية صعبة يشير إلى أنه لا يزال في العمر بقية.

والنسور الذي نجح في إسكات صوت الشارع الأردني المعارض لسياسات حكومته بكلفة سياسية بسيطة قادر على اللعب في الوقت الضائع للحفاظ على مكانه على هرم السلطة التنفيذية، رغم أن فسحة الأمل باتت تتقلص أخيرا.
التعليقات (0)