ملفات وتقارير

أثرياء ورجال أعمال يتزاحمون على مقاعد برلمان تونس

إحدى الجلسات الممتازة للمجلس التأسيسي (صورة أرشيفية)
إحدى الجلسات الممتازة للمجلس التأسيسي (صورة أرشيفية)
يخوض العديد من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال في تونس الانتخابات التشريعية المقرر أن تجري العام الحالي وسط منافسة ساخنة، حيث يطمح أباطرة المال التونسيون أن يحصلوا على مقاعد لهم في البرلمان المقبل، خلافاً للانتخابات السابقة التي جرت في 23 تشرين أول/ أكتوبر 2011 التي غابوا عنها واكتفوا بالبقاء في الظل لصالح إفساح المجال أمام السياسيين والحزبيين.

ويثير حضور رجال الاعمال أو أباطرة المال في الانتخابات التشريعية القادمة الكثير من الريبة والمخاوف لدى الكثيرين، ويدفع إلى التطرق إلى تأثيرات ذلك على العملية الانتخابية في حدّ ذاتها، وتأثيراته أيضاً على عمل البرلمان القادم إذا نجحوا بالاستحواذ على مقاعد فيه.

واختارت العديد من الاحزاب، بما في ذلك الكبرى أن تشرك رجال الاعمال في قوائمها الانتخابية مثل "نداء تونس" و"النهضة" و"التحالف الديمقراطي" و"الجمهوري" و"الاتحاد الوطني الحر"، إلى جانب وجود البعض الآخر في قوائم مستقلة.

ومن بين المرشحين العديد من أصحاب المجموعات الاقتصادية الكبرى في تونس التي تترأس عدداً من القوائم الانتخابية على غرار منصف السلامي ومحمد فريخة اللذين يترأسان قائمتي حزبي "النداء" و"النهضة" فالأول رئيس مجلس إدارة مجموعة "وان تاك" القابضة ثاني أكبر مصدّر صناعي في تونس، أمّا الثاني فصاحب شركة "تالنات" ومدير عام شركة الطيران "سيفاكس آيرلاينز".


أقوى المجموعات الاقتصادية
ويترأس قائمة حزب "نداء تونس" سلمى اللومي التي تملك مجموعة "شاكيرا" إحدى أكبر المجموعات الاقتصادية في تونس والناشطة في مجال الصناعات الإلكترونية ومكونات السيارات.

كما أن مالك مجموعة "تونيزيا هولدينغ" سليم الرياحي، وهو المصنف بأنه أغنى رجل أعمال في تونس ورئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سيضع حتما كل إمكانياته بهدف ضمان عدد من المقاعد في البرلمان القادم. 

وتطول قائمة أصحاب المال الباحثين عن النفوذ عبر الانتخابات التشريعية إذ نجد أيضا حزب "آفاق تونس" الذي راهن على كل من رضا شرف الدين صاحب المؤسسة الرائدة في الصناعات الدوائية "أونيماد" وحافظ الزواري صاحب "مجموعة الزواري" التي تستأثر حاليا بـ35 بالمائة من نشاط النقل البري، وهو الوكيل الرسمي لسيارات "SsangYong"  الكورية و"ماهندرا" الهندية. 

ويقول الكثير من المراقبين أن هذا الرهان على رجال المال والاعمال يمثل خياراً مدروساً من الاحزاب، لان المشاركة في اللعبة السياسية تحتاج الى مال وفير لمواجهة بقية المنافسين. كما أن إشراك رأس المال في السياسة يُعدّ إيجابيا لأنه يساهم في تطوير العمل السياسي بشكل عام ويجعله اكثر انتظاما ووضوحا. 

لكن بعض المراقبين يرون خلاف ذلك، على غرار الناشطة الحقوقية نزيهة رجيبة التي تقول أن إشراك رجال الاعمال في القوائم الانتخابية هو بمثابة "الظاهرة الخطيرة التي تهدد بانحراف العملية الانتخابية وتنذر بإغراق المؤسسة التشريعية بالمال السياسي الفاسد وبشخصيات لا تعدو أن تكون رموزاً للفرجة والابهار"، على حدّ تعبيرها.


نزاهة الانتخابات
ويثير المال الوفير في الانتخابات الكثير من المخاوف بشأن نزاهتها، حيث يخشى بعض المراهقين أن يتم استخدام المال في استقطاب الناخبين بطرق غير نزيهة وغير قانونية خلال الحملة الانتخابية أو يوم الاقتراع قصد دفعهم للتصويت لصالح أصحاب رؤوس الأموال، وهذا ما سيؤدي في نهاية المطاف الى فوز الاحزاب والمرشحين الذين يتوفر لديهم المال والنفوذ الأكبر. 

ورغم ما تضعه القوانين في تونس من اجراءات وضوابط لتمويلات الاحزاب وللإنفاق الحزبي خلال الانتخابات إلا أن ذلك يعتبر في رأي بعض الخبراء غير كاف للحدّ من التجاوزات التي قد تحصل خلال العملية الانتخابية.


كتل ولوبيات مالية
ويقول مراقبون ومحللون إن دخول عالم المال والاعمال الى الانتخابات يعني امكانية نجاح رجال أعمال من الوزن الثقيل في الفوز بمقاعد تحت قبة البرلمان القادم خاصة وأن بعضهم يترأس قوائم حزبية في مناطق هامة، وهو ما يثير المخاوف من امكانية هيمنتهم في الفترة القادمة على الجهاز الاكثر أهمية في البلاد اعتماداً على نفوذهم المالي والاقتصادي. 


مصالح .. وحصانة
وبحسب العديد من المحللين والمراقبين في تونس فان وجود رجال اعمال في البرلمان سيجعلهم يبحثون باستمرار عن مصالحهم وذلك مثلاً بمناسبة التصويت على النصوص القانونية المتعلقة بالزيادات في الاجور او بالزيادة في الاسعار او غير ذلك من النصوص التي تهم الشأن المعيشي للمواطنين. 

وأحدث هذا الاستنتاج تململا هذه الايام داخل الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية) باعتبار ما قد يجده من صعوبات في التفاوض مع الحكومة والبرلمان القادمين في مجال الزيادات في الأجور وفي الحد من غلاء الأسعار. 

كما أن وجود رجال المال والاعمال سيؤثر ايضا على نزاهة وشفافية العمل البرلماني في جانبه الاقتصادي (مثلا بمناسبة تمرير النصوص المتعلقة بالمصادقة على اتفاقيات الشراكة والتمويل مع دول او مؤسسات دولية)، إذ إن ذلك قد يتأثر بوجود المصالح او اللوبيات المالية والاقتصادية بما من شانه الحفاظ على مصالحهم لكن مع الاضرار بالمصلحة العليا للبلاد.

ويقول كثيرون إن هذه المعطيات من شأنها أن تخلق صداماً حاداً وعنيفاً أيضاً بين رجال الأعمال وغيرهم من النواب الذين سيمثلون الطبقات الاخرى من الشعب او النواب الذين يمثلون أحزاباً ذات مرجعية فكرية وأيديولوجية موجهة أساساً للدفاع عن مصالح الطبقات الاجتماعية الفقيرة والكادحة.  
التعليقات (0)