كتاب عربي 21

سيشمُّون عرق الحوثي قريبًا

عبد العزيز آل محمود
1300x600
1300x600
بقينا لعدة أيام نتابع أخبار اليمن، محاولين جهدنا معرفة تفاصيل سقوط صنعاء ومدى صدقها، لم يسعفنا أصدقاؤنا وزملاؤنا اليمنيون، فهم مثلنا.. حجب ضباب تنوع المصادر وتضاربها رؤيتهم، حتى بثت وكالات الأنباء أخبار دخول الحوثي إلى صنعاء دون الحديث عن بعض المذابح التي ارتكبتها قواته في بعض المناطق وبدون ذكر المنازل التي دمرت أو أحرقت أو نهبت، والتي يملكها علماء ووجهاء وناشطون يمنيون، حتى شعرنا بأن العالم كله يتآمر على صنعاء، حتى مراسلو وكالات الأنباء.

أول صورة خرجت للعالم بعد ذلك، كانت للرئيس عبدربه في حال توتر واضح على وجهه، محاولا أن يسابق الحوثي الذي كان يمشي بخطوات سريعة إلى الطاولة التي عليها أوراق الاتفاق، تساءلت حينها، من الذي صاغ الاتفاقية؟ ومتى؟ وكيف قرأها كل هؤلاء؟ أليس هذا غريبا؟ تكتب اتفاقية ويتم التوقيع عليها في غضون ساعات فقط؟ أي قدرة خارج إمكانات البشر هذه؟!! 

تسقط عاصمة عربية موغلة في التاريخ ومشاركة في صناعة أحداث المنطقة ثم لا يحدث شيء!! ولا يشجب أحد!! نجابه بشلل تام في ألسنة الزعماء وطابعات وكالات الأنباء!! وحتى الأسلحة التي يحملها اليمنيون أينما حلوا وارتحلوا تصمت فجأة!! ما الذي حدث أو يحدث؟

الحقيقة التي علينا تقبلها أن الحوثي هو الحاكم الفعلي لليمن الآن، وكل تلك الأوراق التي وقع عليها الموقعون في القصر الرئاسي لا تعدو أن تكون مسرحية تافهة بطلها عبدربه منصور هادي الذي سقطت العاصمة في عهده في يد مجموعة من المسلحين الطائفيين من دون أن يحاول حتى المقاومة، هذا إن أحسنا الظن.

كنت في صنعاء عام 2006 عندما قرر علي عبدالله صالح أن يمثل دور الديمقراطي، فنافسه الرجل الأكثر نزاهة في السياسة اليمنية في تلك الفترة، المهندس فيصل بن شملان كمرشح عن أحزاب اللقاء المشترك، تحت شعار: رئيس من أجل اليمن، لا يمن من أجل الرئيس.

قررت أن أزور السيد فيصل في منزله في صنعاء، استقبلني شخص على الباب وقادني إلى مجلس متواضع الفرش، جلست هناك بانتظار صاحب المنزل الذي جاء مبتسما ابتسامة هادئة ربما تنم عن قليل من التوتر، فلم يعرف عن السيد فيصل كثرة الظهور الإعلامي.

كان اللقاء قصيرا، حاولت خلاله معرفة مدى قناعته بالعملية الديمقراطية في اليمن، وهل يعتقد فعلا أن هناك تحولا ديمقراطيا، لم تكن إجابات الرجل واضحة كما أتذكر، حاول أن يكون دبلوماسيا في ردوده، ولكنه جلس بقربي محنيا ظهره باتجاهي حتى اقتربنا من بعض أكثر مما يفعل صحفي وضيف في مثل هذه الظروف، ولكني خرجت بانطباع أن السيد فيصل كان واضح الهدف، بعيدا عن المظاهر، يحارب في معركة يفتقد إلى السلاح المناسب لخوضها، لا يملك الكثير من الإمكانات، فمجلسه ولباسه وحجم إعلاناته مقارنة بالرئيس كان لا شيء، لست أعرف ما الذي كان يفكر به حينها، ولكني خرجت بقناعة أن الرجل يحارب في معركة خاسرة بكل المقاييس.

فعلا خسر السيد فيصل بن شملان، الذي كان يشهد له الجميع بنظافة اليد وحسن الخلق وصدق المنطق، تابعت أخبار الرجل من بعيد، فقد اختفى بعد تلك الانتخابات وقيل لي إنه أصيب بمرض ألزمه البيت، نسيت الرجل حتى سمعت عن خبر وفاته في بداية 2010 في منزله في عدن بعد مرض ألم به.

بعد خروجي من منزل السيد فيصل ذهبت إلى المركز الرئيسي للتجمع اليمني للإصلاح في العاصمة صنعاء، وبعد أن عرفت بنفسي قادني أحدهم إلى غرفة كبيرة بها قيادات التجمع الذين استقبلوني بترحاب واضح، فسألتهم أن كان لأحد منهم الرغبة في الحديث عن الانتخابات ثم أكملت مازحا: أنا أعرف أن الرئيس صالح قد أغلق عليكم كل وسائل الإعلام، فإن كان لأحدكم رغبة في الحديث فأنا جاهز.

لم يتحدث أحد، اختفت الابتسامات وشعرت بتوتر الجو، فاستأذنت مغادرا.

وفي تلك الليلة اتصل بي زميل صحفي طالبا مني مرافقته إلى مجلس شيخ قبلي موال للرئيس لتمضية السهرة، وافقت لسبب واحد هو أن طائرتي كانت في وقت مبكر غدا صباحا، والسهر في منزل الشيخ سيجعل الليل الذي لن أنام خلاله أقصر قليلا، دخلت منزل الشيخ وسلمت عليه، فقال: لقد شاهدتك في مركز التجمع اليمني للإصلاح اليوم، فقلت في نفسي، الآن عرفت لماذا تهرب الجميع من الحديث معي، لقد كان الرجل من المقربين جدا من الرئيس حتى أنه أمضى الليل يحدثنا عن روعة الرئيس وحسن خلقه وطيبة قلبه ووجوب بقائه رئيسا لليمن حتى يرث الله الأرض ومن عليها. 

عدت إلى الدوحة، وكتبت مقالا قلت فيه إن اليمن مثل السجادة التي قد يغرك نقشها وجمالها وحسن تصميمها، ولكن عليك أن تقلبها وتعد عقدها حتى تتعرف عليها، فظاهرها غير باطنها.

هناك الآن بوادر حرب أهلية قادمة ولن ينفع أعضاء التجمع اليمني للإصلاح حرصهم على عدم مواجهة الحوثي، قد تكون هذه مناورة ناجحة من قبلهم في هذه المرحلة الحساسة فقط، ولكنها مناورة لن تدوم، فالحوثي جاء ليحكم، ليعيد تركيب اليمن ويغير ثقافتها وسياستها ودورها، وحتى يقوم بذلك عليه أن يقتل ويسفك الكثير من الدماء، فعقليته ليست سياسية، هي عقلية طائفية مستنسخة من حسن نصر الله، ولكنها تفتقد إلى مرونته ومكره وحساباته وخبرته، أما هذا فهو أحمق قد أعمته القوة وشل تفكيره النصر السريع الذي حققه.

سنجد القليل من أمثال فيصل بن شملان الذين يخوضون معارك خاسرة بما لديهم من إمكانات، وسنجد الكثيرين ممن يجيدون اللعب على حبال السياسة من أمثال الشيخ المقرب من الرئيس السابق والذين قد يجدون في الحوثي صورة أخرى للرئيس السابق، لا تهم الصورة إن كان الولاء يتلون. 

صمت الكثيرون عن أحداث اليمن وتآمر الكثيرون أيضاً عليه، ولكن أحداث اليمن لن تصمت عنهم، فقد يشمون عرق الحوثي قريبا.
التعليقات (0)