قضايا وآراء

كيف احتلت إسرائيل مصر اقتصاديا

رضا حمودة
1300x600
1300x600
لا شك أن السلاح الإقتصادى من أبرز أسلحة التركيع والإخضاع التى تتبعها الدول والأنظمة الامبريالية ضد دول وأنظمة أخرى معادية، وفى الحالة المصرية فقد وقعت مصر دولةً ومؤسسات للأسف الشديد منذ عقود طويلة تحت الوصاية الاقتصادية الغربية(الصهيو أمريكية على وجه التحديد) لا سيما بعد ما يسمى بسياسة الانفتاح الإقتصادى فى سبعينيات القرن الماضى التي انتهجها أنور السادات ..عبر أدواتها اللعينة (صندوق النقد والبنك الدوليين) وفرض شروط وآليات السوق الحرة ومخالب الرأسمالية المتوحشة لإجبار تلك الدول ومنها مصر بطبيعة الحالة على الانسياق وراء الثقافة الاستهلاكية المقيتة وبالتالى نصبح خاضعين رغماً عنا للعولمة والإرادة الصهيو أمريكية سياسياً واقتصادياً.

دأبت الدولة الصهيونية العبرية منذ نشأتها ليس فقط على احتلال أراضينا نحن العرب والمسلمين بل السطو على مواردنا المائية والنفطية (سرقة مياه الضفة العربية الفلسطينية والجولان السورية المحتلة) أيضاً ثم ابتزازنا بها بكل بجاحة حتى وصل الأمر الآن بيع تلك الثروات والموارد بأثمان باهظة والعجيب تجد من يتهافت على الشراء والتعاقد دون تردد ولنا فى مصر والأردن النموذج السيىء لهذه التراجيديا العربية السوداء(ذكرت وكالة رويترز أن إسرائيل ستبيع الغاز الطبيعى لمصر بصفقة تقدر ب30 مليار دولار خلال 15 عاماً) 

حيث ذكرت صحيفة" فيوز تايمز" الأمريكية الإليكترونية فى تقرير ملفت ومحزن فى آن واحد تحت عنوان ( الغاز سلاح إسرائيل الجديد لإخضاع دول المنطقة) فى إشارة واضحة لحقول الغاز الطبيعى التى استولت عليها الدولة الصهيونية بالتواطؤ مع اليونان وقبرص فى شرق البحر المتوسط منذ العام 2010 وما بعدها والتى تقع فى المياه الاقتصادية المصرية الخالصة بالخرائط والمستندات مما أضاع على الخزينة المصرية مئات المليارات من الدولارات فى أشد الحاجة إليها كانت كفيلة بدفع البلاد فى اتجاه التنمية الحقيقية دون الحاجة للتسول والاقتراض من جهات تفرض شروطها المجحفة بما يضر مصالحنا العليا وينتقص من إرادتنا ويطعن فى استقلالنا الوطنى والسياسى والاقتصادى فى الصميم لا سيما عندما نعرف أن ما تمثله تلك موارد الغاز المصرية من احتياطى بنحو 220 تريليون متر مكعب كافية لتشغيل 5840 محطة كهرباء ، وتضيف الصحيفة الأمريكية أنه قد تتحول موارد الغاز الطبيعى الضخمة التى اكتشفتها إسرائيل إلى سيف مسلط على رقاب الدول فى منطقة الشرق الأوسط ، وقالت الصحيفة الإليكترونية فى تقرير نشرته فى 9 سبتمبر الجارى – إن أمام تل أبيب فرصة كى تستغل سلعة الغاز الإستراتيجية كورقة ضغط مؤثرة يمكن من خلالها تحقيق مصالحها الإستراتيجية وفرض سياستها فى المنطقة – وأشارت الصحيفة إلى اتفاقية الغاز الأخيرة التى أبرمتها إسرائيل لتوريد الغاز إلى الأردن فى صفقة بلغت 15 مليار دولار على مدار 15 عاماً لتصبح بموجبها إسرائيل المزود الرئيسى للأردن بهذه السلعة الحيوية عبر توريد 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى إلى الأردن.

فالاحتلال الاقتصادى صار سلاحاً فتاكاً تستطيع به إسرائيل تركيع أعداءها وفرض شروطها دون الحاجة إلى طلقة رصاص واحدة فى حروبها المستقبلية مع العرب ، حيث ذكرت صحيفة " ذا جويش كرونيكل " اليهودية البريطانية أن إسرائيل ترى أن عقد صفقات الغاز الطبيعى مع مصر والأردن هو من أجل التنسيق للضغط المشترك على حركة حماس ، للموافقة على وقف إطلاق النار دون تلقى أى تنازلات من جانب تل أبيب – بما يعنى أن العامل الاقتصادى هو من يدفع باتجاه الضغط لتمرير مسار سياسى معين تريده الدولة الصهيونية ومن خلفها الولايات المتحدة والغرب حتى نظل فى حاجة دائمة لما يتفضلون به علينا وبالتالى يصبح الحديث عن الإرادة الوطنية والاستقلال من التبعية الصهيو أمريكية وهم كبير و فرقعة إعلامية بغرض الاستهلاك المحلى ودغدغة مشاعر البسطاء.

وها هو شمعون بيريز يتكلم عن مشروع أسماه " الغذاء مقابل السلام " ويقوم هذا المشروع المهين حسب رؤية الصهيونى المخضرم( بيريز) على تدوير فضلات طعام الأغنياء ليأكلها المصريون حتى لا يؤدى جوعهم إلى تحولهم إلى الإرهاب!!... فالمرء لا يكاد يصدق إلى أى مدى وصلنا إلى هذه الحالة المزرية من الانسحاق والانبطاح حتى ينظر إلينا الصهاينة تلك النظرة الدونية ، لكن لا نستطيع إلاّ أن نلوم أنفسنا بما كسبت أيدى حكامنا المستأسدون علينا بينما حملان أمام السيد الصهيونى والأمريكى ، وتؤكد لنا حقيقة موجعة مفادها أنه كيف أن الدولتان اللتين تربطهما علاقات رسمية معلنة حيث عقدتا اتفاقيات سلام تركيع مع الكيان الصهيونى (مصر كامب ديفيد 1978والأردن وادى عربة 1994) هما من يتجرعان كأس الهزيمة السياسية والاقتصادية والأخلاقية أيضاً أمام هذه الهيمنة والإذلال الصهيونى كنتيجة طبيعية لدفع  ضريبة التسوية مع العدو والركض وراء سلام وهمى ومفاوضات عبثية لم نجنى من وراءها سوى مزيد من الذل والانكسار والهزيمة على كافة المستويات والأصعدة!!.
التعليقات (0)