كتاب عربي 21

رسالة جامعة إلى ربوع رابعة

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
سلام عليك يا رابعة.. سلام على أرضك ومكانك وكل ربوعك وأركانك.. على أيامك الثمانية والأربعين أو تزيد واعتصامك.. على ناسك وأهلك على إنسانك.. على معانيك وقيمك وراياتك وغاياتك.. على صمودك وشجاعتك ورباطك واستبسالك.. على سلميتك وثوريتك ومصريتك وإنسانيتك.. على روحك التي سرت في أنحاء الوطن وثورته.. على شهدائك الذين سطروا بدمائهم المقدسة صفحة عزيزة من مستقبل الوطن قبل تاريخه.. على نسائك وبناتك وأطفالك وشبابك وشيوخك.. على صلاتك وصيامك وقيامك ودعائك وابتهالك.. على فنونك وآدابك وأناشيدك وأغانيك ومسيراتك وتظاهراتك، وكل فئاتك وجهاتك، وتنويعة الوطن الجامع والشرعية المبدأ، والحرية والكرامة والعدالة والقيم التي قامت عليها ثورة يناير العظيمة..

سلام عليك يا رابعة حدثًا فارقًا، ورمزًا باقيًا، ومسيرة لثورة مستمرة حتى النصر...

سلام على صمودك..

فأنت يا رابعة لم تعودي كما ردَّد الانقلابيون مجرد "إشارة" عابرة أو حتى "ميدانًا" من ميادين الاحتجاج التي أضاءت ربوع مصر عبر سنوات الثورة. لقد أصبحت رمزًا لميادين الأمة والوطن، وطارت بذكرك أنسام عطرة عبر العالم، ورفع شارتك وأشار بعلامتك ناس من كل الآفاق لا يجمعهم سوى الإيمان بالحرية وتقدير التضحية والصمود من أجلها.. إذا كان ميدان التحرير رمزًا مصريًا وعالميًا لثورة 25 يناير العظيمة، فأنت يا رابعة ميدان الوفاء لهذه الثورة، والإصرار على استمرارها وصمودها وانتصارها.. أنت اعتصام بالثورة، والتزام بمطالبها، ودفاع عن مكاسبها ومسارها الديمقراطي، واستعداد لمواجهة الثورة المضادة بكل فسادها واستئسادها، وبكل مكرها وخبثها، وبطشها وطغيانها..

ذبح أبناؤك وبناتك طوال أيامك، عند الحرس الجمهوري، وعند المنصة والنصب التذكاري، وعند المطار، وقسمي مدينة نصر، وفيما حولك من ميادين الصمود في النهضة ورمسيس والقائد إبراهيم ومن العريش حتى أسوان.. وجرى عليك وعلى هذه الميادين ما لم تعرفه مصر في تاريخها من ويلات، واجتماع فِرق البلطجية الرسمية وغير الرسمية.. ولكن صمدت وثبتِ وقاومتِ بسلميتك وإيمانك حتى كان العدوان الغاشم في 14/8/2013 واستخدام الانقلاب سياسة الأرض المحروقة، والمساجد المحروقة والميادين المحروقة والنفوس المحروقة.. وكانت مجزرة القرن، وكارثة العصر..

سلام على رابعة الكاشفة الفاضحة الفارزة المميِّزة..

لقد أرادوا منذ اليوم الأول إخفاءك واعتقالك عن الأنظار والوعي وإدراك الجماهير في مصر وخارجها.. وعملوا على تشويهك وشيطنتك وتصويرك بأبشع الصور كأنك جريمة في حق الوطن، وما أنت إلا غرة في جبين الوطن، وما أنت إلا تاج على رأس الوطن..

أرادوا تلويث وجهك المضيء بأكاذيبهم وأباطيلهم وافتراءاتهم، لكنك كنت أقوى، كنت وهجا من الضياء والنور بحيث كشفت زيفهم، وفضحت إفكهم، وفرزت الكاذب من الصادق والزائف من المحق، كما ميزت الخبيث من الطيب.. ولاشك أن أول الفوز فرز، وأول الطريق الصحيح ميز، وأن الرضا بالمضي بالغث والسمين، والخائن والأمين، هو ضعف وحمق وعجز.

لقد كشفت يا ربوع رابعة وميزت قوى الثورة المضادة: قوى الاستبداد والاستعباد، والتبعية والعسكرة والأمننة وبيع الأديان والأوطان، ودهس المبادئ والقيم تحت البيادة، والتمويه بالشعارات والكلمات والخطابات الجوفاء، قوى الإعلام المخادع الضال المضل، وقوى القضاء على ميزان العدل، وقوى القمع واستباحة الإنسان الكيان والبنيان، ميزتها عن قوى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والوحدة الوطنية ومبدأ الشرعية والمشروعية والإرادة الشعبية، ودولة القانون واحترام الدستور المستفتى عليه من الشعب والحياة النيابية السليمة وحفظ أمن الوطن بأوسع معانيه.. كشفت يا رابعة وميزت كما لم يحدث في موقف آخر للوطن، فلم يسبق لنا أن رأينا الدولة العميقة على حقيقتها ولا قوى الخديعة على طبيعتها كما فضحت أنت وأفصحت، وشرحت وشرّحت.

فسلام عليك يا رابعة... خافضة رافعة ... جامعة مانعة ... سلام عليك وتحيات إلى كل عين في ربوعك ناظرة وأذن سامعة واعية.

سلام على رابعة الثورة .. رابعة الحرة .. رابعة العزة .. 

سلام عليك عنوانا لاستمرار الثورة الحقيقية؛ ثورة الحرية والعدالة والكرامة والوطنية والمصرية، والهوية والمرجعية الحضارية، والقيمة الإنسانية، وكل قيمة عليّة .. سلام عليك فاصلا جديدا في الثورة ضد العبودية، ضد الدولة العسكرية، ضد الهيمنة الصهيونية الأمريكية، ضد محاولات إخضاع الشعوب لمطامع عصابات السطو على الأوطان بالسلب والنهب والغصب، ومطامح عسكر لا يعرفون إلا القتل والحرق والضرب (في المليان)، ومقامع نظام بوليسي يلقي بآلاف الأحرار في غياب الجب، ومصانع نفاق المشايخ والقساوسة والإعلاميين والمثقفين الذين باعوا شرف الكلمة ولوثوا عرض الريادة بالتلفيق والتصفيق والسحر والكذب، .. سلام عليك صوتا عاليا مدويا يقصف صناعة الكذب والكراهية والانقسام والتفتيت إلى شعب وشعب، ورب ورب، ويصد عدوان الشيطنة والتخوين والتكفير والإقصاء والاستئصال بميزان الاعتدال وبيان المجروحين من أشباه الرجال وأنصاف الرجال.. سلام عليك إصرارا على جامع الثورة، ودعوة قائمة دائمة للعودة إلى مسارها ومسيرتها وسيرتها الأولى؛ للانتقال والعبور بالوطن إلى حيث يجب ان يكون ويقوم...

سلام عليك يا ربوع رابعة الحرة، هاتفة صارخة في وجه الانقلاب وثورته المضادة ومحاولته استعادة نظامه البائد البائس؛ بأن الثورة حية فينا لم تمت ولن تموت، بأن الثورة مستمرة وستبقى ماضية حتى تبلغ أهدافها وتحقق غاياتها..

سلام عليك يا ربوع رابعة حين تحركت وتقدمت وواجهت فيما الباقون قاعدون هامدون خامدون، حين تكلمت ورفعت أعلى الصوت وقد انخرس وانكتم المتفرجون الذين لطالما ملأوا الأرض ضجيجا وعجيجا، ورفعت رايات الأمل وبشارات النصر والمتكبرون محبطون صاغرون.. حين مضيت كالسيف البتار بلا اضطراب ولا ريب وهم في ريبهم يترددون..

سلام عليك يا رابعة .. يا أهم محطات ثورتنا الرائعة.. فلولاك لقيل في العالم إن الشعب المصري الذي قام بأعظم ثورة في القرن الراهن؛ درة الثورات العربية، الثورة الحضارية الإنسانية السلمية الشعبية الجامعة، من أجل الحرية والديمقراطية، قد انتكس وانقلب يهلل لحكم عسكري بغيض، وراح يصفق لانقلاب، وخان ثورته وباع مستقبله للاستبداد في أشنع صوره.. لولاك يا رابعة لصارت الثورة ضائعة ذاهبة غير راجعة.. لذلك يا رابعة كنت لمستقبلنا حصنا حصينا ودرعا مكينا، ولا يعرف قدرك وقيمتك مثل الطغاة الذين رأوك خطرا عليهم لا يرتفع إلا بمحرقة كبرى!!!

سلام على رابعة الإنسانية الجامعة .. بك تفخر الإنسانية الواسعة.. وعلى الفاجعة يا رابعة الوادعة تبكي الإنسانية الدامعة..

سلام عليك حين تحولت إلى قيمة حية وميدان قيمة وفكرة قيّمة. حين صرت بإنسانك محل تجليات لعظمة الإنسان، وتكريمه وكرامته، محل تجسد للدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته وأصول آدميته، .. حين وقفت بإنسانك الذي لفت أنظار العالم إلى قوة ثورته السلمية، وإلى تحديه المتين لقوى عاتية ولعبة أمم كبرى بادية، رابعة ليست مكان ولكنها كانت معنى للإنسان ومغزى الإنسانية، وأشرت على هؤلاء الذين أهانوا واستهانوا واستباحوا كل معانى الإنسانية ،وفقدوا بمواقفهم لتبرير وتمرير الفض الهمجى أدنى حقائق الإنسانية .. سلام عليك حين رأيت ربوعك رباطا على ثغر الثورة والمستقبل، وإبداعا في تجديد فسحة الحياة والأمل الفسيح فأعلنت مقاومة وثورة مستمرة.

لقد رأت الإنسانية فيك يا رابعة شبابها يتجدد، وكفاحها من أجل الحياة الكريمة وضد العبودية يستمر ويتمدد، ومسيرتها من أجل تحرير الإنسان من الإذعان والطغيان فتية عفية لا تتردد ولا تتبدد.. لذلك فخرت بك الإنسانية يا رابعة، وأُرسلت إلى ربوعك الطاهرة كل التحيات المعطرة، والمناصرات الغامرة، من كافة ربوع المعمورة العامرة، وسارت بذكرك الركبان، ورأينا نجمك يسطع في كل مكان، يقول لكل إنسان: إن رابعة تجدد الإنسان، وتمجد الإنسان، وتجمع الإنسان وتنكر كل من تخلى عن معنى الإنسان.. رابعة ميدان الإنسان..

يا ربوع رابعة..

إن يكن الطغيان قد بطش بك مكانا وميدانا واعتصاما، إن تكن الهمجية البربرية الوحشية قد داست واقتحمت ربوعك الآمنة المطمئنة، الطاهرة الذاكرة العابدة الراكعة الساجدة ليل نهار،  إن يكونوا أرادوا الإجهاز عليك وإزهاق روح الثورة فيك بما قتلوا ومزقوا وذبحوا وأحرقوا،.. فلقد خاب سعيهم وخسروا.. كسروا الطوق عنك ومن حول ربوعك في النهضة وميادين مصر كلها،.. فتحوا حدود ربوعك وميادينك لتتسع للوطن كله بطوله وعرضه، ولتسع في العالم كله بسمائه وأرضه، ولتدخل بالفاجعة المؤلمة سجل الميدان الشهيد وموسوعة الميدان الحي السعيد، وتقيمي الحجة على كل جبار عنيد، على كل من راهن وداهن، ومن فوض فقوض، ومن ركب موجة الانقلاب فانقلب على وجهه وانقلب على عقبه، وانقلب على وطنه وأهله ونفسه وإنسانيته، ولكي تبقى رابعة وربوع وميادين رابعة، وقصة رابعة ووقفة رابعة.. فرقانا في يوم فرقان بين الحق والبطلام، وبرهانا على الثورة الحقة من ثورة البهتان، وبيانا للناس ولمن طلب البيان.

نعم أرادوا فض اعتصامك، ثم دهس حقائقك وتزييف جوهرك، وتشويه ذكراك، والنصب (بفتح النون) باسمك وإقامة نصب لمن يسمونهم (شهداءه)، لكن شبابك يا رابعة كانوا لهم بالمرصاد، وكشفوا الأكذوبة وكَسرُوا رمز نصبهم(بضم النون وفتحها)، وسيبقى دوما لك أبناء وبنات يا رابعة يرفعون ذكرك، ويحفظون ذكراك، ويمضون تحت رايتك، يشيرون بشارتك، ويرفعون أعلامك، ويعتصمون باعتصامك، ويذكرون أيامك، ويقدسون دماء شهدائك، ويداوون جراحك، ويستنقذون أسراك، ويصلون في مسجدك الحر الكريم، ويمرون على أرضك وعطرك ومسكك مرور المحب المستمسك، ويمضون في الأرض يضيئون بربعك ربوع الوطن والأمة...

رسالة لم أردها أبدا مرثية.. 

ولم أردها رسالة دامعة إلى ربوع رابعة

لكن بدت رسالة رابعة جمعا وجامعا وجامعة

رابعة بدت رمزا بربوعها وأركانها الأربعة:

صامدة .. كاشفة .. مستمرة .. واسعة

رابعة الحرة .. رابعة العزة .. رابعة الثورة

 فلتكن رسالة جامعة إلى ربوع رابعة

سلام عليك يا رابعة، رمز الإنسان والإنسانية.
التعليقات (3)
مسلمة عربية
الثلاثاء، 12-08-2014 10:51 م
سلام على رابعة وسلام على من استشهد فيها ومن اعتقل ومن نجا والله رغم اني لست مصرية الا انني ابكي كلما تذكرتها من قلبي تابعت قيام الناس فيها وتابعت احتفالاتهم وفرحهم ودموعهم ودعائهم وصبرهم على اذى الاعلام وكنت لا انام حتى ارتوي من منظرهم واتمنى وجودي معهم حطمني الفض مثل ماحطم من حضروه وبكيت ومازلت ابكيهم ابكي ظلم الناس وشماتتهم ابكي ضعفهم وقلة حيلتهم ابكي شيوخا وشبابا رجالا ونساء والله اني اصبحت بعد هذا اليوم الكئيب في كئابة لم تغادرني الى اليوم وارجوا من الله ان يمد في عمري حتى ارى القصاص منهم وشفاء صدورنا واخيرا سلام عليك يا صوت الحق عند غياب الناس سلام عليك دكتور سيف يامن لم تجبن ولم تخف من قول الحق ثبتك الله ونصرك وحماك وجعل هذا الموقف شهيد وشفيعا لك يوم لاينفع مال ولابنون
عبدالحميد الششتاوى
الثلاثاء، 12-08-2014 05:40 م
أرجو أن تراجع مواقفك وتصريحاتك عندما أستقلت كمستشار لرئيس الجمهورية بعد الأعلان الدستورى وتسأل نفسك هل كان محمد مرسى يستحق أن يستمر رئيسا للجمهورية؟ وأرجو أن تجاوب على السؤال الأهم إذا كان أعتصام رابعة سلميا فمن قتل الضباط والجنود؟ وبصفتك أستاذ فى علم الأجتماع من يجب أن يمتلك السلاح الدولة أم الأفرد ؟ وإذا أمتلك الأفراد السلاح فماذا يجب أن تفعل الدولة؟ أرجو أن لا تنكر مشاهد حمل السلاح من قبل الأخوان التى رأيناها على الهواء مباشرة أمنية أخيرة إذا كنت تحب هذا البلد فتمنى له الخير مع الأخوان أو مع غيرهم أليس هذا سمو المحبين إذا كنت حقيقى مواطن مصرى مخلص يجب عليك أن تبكى أبناء الوطن كله الذين قتلوا من جميع الأطراف وليس الأخوان وحدهم لأن هذه النظرة الأحادية كانت مصيبة الأخوان ينظرون إلى أنفسهم ولا يهتمون بالآخر
فتاه مصريه
الثلاثاء، 12-08-2014 08:26 ص
رابعه ليست جهاد ولا سلميه رابعه جماعه من الناس ظلموا بعدم فهمهم لواقع المصري وتركوا من سيطروا علي عقولهم الواقع يقول أن مؤسسه عسكريه أنشئت لنفسها دوله داحل الدوله لا يصح الأستهانه بمكرها في الذكاءوبجانب أن رابعه خدعت في بنفسها لما وصلت لحكم وأنهم لا يتناسبون مع المؤسسه العسكريه حصافه وتنوع في الأفكار والأراء رابعه رأي وفكر واحد لذلك سهل علي الأعلام المضلل والمؤسسه العسكريه بالقضاء عليه رابعه كان أمامها فوز كبير أن تلم شمل المصريين تحت غطاء واحد وهو القصاص من النظام الفاسد وتحقيق عدل حقيقي وليس شائعات عنه رابعه غلطوا في حق نفسهم وفي حق الشعب اللي كان كان بيحبهم وأستنظر الخير وهم في سده الحكم أحترم مقالك وأحترم رأيك أيها الكاتب فأنت تظن أن رابعه صمود وسليمه ورابعه كناس ظلموا أنفسهم أما قادتهم فقد ظلموا أنفسه وظلموا الشعب بتحالفاتهم مع المؤسسه والتي أنتصر فيها ذكاء تلك المؤسسه وقيادتهم مصر لها الله ناصرها وهو وليها ونعم النصير لا تنزعج من كلماتي فهي صادره عن مصريه لا سيساويه ولا ربعاويه ولكنها تري صوره واضحه بقلبهالا تكره الربعاويه ولكنها بكت لما خسروا كان عندها أمل أن الأسلام سيكون دين حياه في تعاملات الناس في مجتمعنا بعد غيابه في حياتنا وتعاملاتنا وصحينا علي حوادث أنعدام الضمير لعدم وجود أسلاما صحيحا في الفعل وليس في الهويه أطالت عليك أيها الكاتب المحترم وصاحب رأيي تحترمه ولكني لا أجده في غير موضعه تحياتي لشخصك الكريم .