كتاب عربي 21

الربيع العربي: النفس الثاني

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
غزة 2014 تعيد تركيب أجنحة لطائر الربيع العربي وتطلق سراحه من قفص الحلول القطرية الخاصة نحو أفق ثورة عربية شاملة. هذا ما تخرج به من الندوة الصحفية التي انعقدت بتونس يوم 27 يونيو 2014 بتونس والتي  ضمت كل من اليمنية توكل كرمان (جائزة نوبل للسلام) و ايمن نور  مؤسس حزب غذ الثورة المصري  وعماد الدائمي أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية  بتونس. الذين اطلقوا مبادرة  ووضعوا أسس بناء سياسي جديد على قواعد فكرية ومؤسساتية افتقدتها جماهير الربيع العربي في الأقطار جميعها.
المنطلق 

انطلقت المبادرة من معاينة نقص جوهري طبع ثورات الربيع العربي في مجمل مواقعها تمثل في غياب المشروع المستقبلي لهذه الثورات فقد كان هناك اجماع شعبي منذ ما قبل الربيع على جملة من الشعارات والمبادئ العامة مثل الحرية والكرامة و مأسسة حقوق الانسان و التنمية  الاجتماعية  لكن لم تكن هذه المبادئ منزلة في برامج حزبية  ولا في كراسات منظرة  يمكنها أن تتحول بسرعة إلى مراجع عمل سياسي تعمل الأحزاب المنتصرة للثورة من خلالها على تجسيد المطالب بتحويلها الى  مؤسسات. لذلك  بعد أن  اسقطت رؤوس الانظمة الفاسدة  تلاشي الحماس و تشتت الاحزاب والجماعات السياسية   ودخلت أو أدخلت  وهو الأصوب في سياق منافسات حادة واستئصالية  من أجل الاستفادة من السلطة الموجودة وتحويلها إلى حوز خاص  تعمل ممن خلالها طبقا لأساليب  النظام القديم  وبطرقه الملتوية للإبقاء على النفوذ والفائدة.

بعد  ثلاث سنوات يتبين أن الربيع العربي يسير على غير هدى ولا كتاب منير  بل أن حماس الشباب قد تلاشي في مواقع كثيرة   وعملت آلة الاعلام الفاسد على تثبيط عزيمة الناس وإفراغ مشروع التحرر من مضمونه العبقري وتحول في أفضل الحالات إلى  حركة جمع فيء  الدولة واستقطاعها مهنيا وقطاعيا. لذلك استشعر المتحمسون هذا النقص وظهرت المبادرة في وقت لا يزال حيويا لملء الفراغ.

محتوى المبادرة و اهدافها.

المجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية هو الاسم الذي تم الاتفاق حوله ليقود المبادرة ويكون عنوانها الاوسع وقد كلف هيئة  تأسيسية  من ثلاثة اسماء  هي توكل كرمان  و ايمن نور و عماد الدائمي كهيئة تنسيقية. وكلف السيد الدائمي وهو الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية بالإعداد والتنسيق والتواصل  بين الجهات السياسية والمدنية والدولية لتوسيع المبادرة وضم المتحمسين ممن يشاطرها  المشاغل نفسها كم تم الاتفاق على أن تكون تونس بلد المقر المؤقت على أن تبت هيئات منتخبة خلال بداية سنة 2015 في المسائل الفنية المتعلقة بالمقر والتمويل والإدارة التنفيذية. وقد تحث المؤسسون بعقل مفتوح يعي خطورة الزعاماتية والتربح السياسي على كل عمل ديمقراطي.

ومن خلاصة النقاشات الاولية التي كان لي شرف المساهمة فيها تتبين لنا ملامح  مبادرة تأسيس للدفاع عن قيم الثورة العربية و مساراتها. تنطلق مما أجمع عليه الشارع العربي من مطالب  يمكن تلخيصها للضرورة في الدفاع عن الحريات وترسيخها ووضع أسس القطيعة مع الاستبداد الغاشم  مهما كانت ذرائعه وتأسيس مشروع اجتماعي اقتصادي  طالب به الشارع العربي ولم تبين ملامحه في أعمال الاحزاب وظل هيوليا تتقاذفه الاهواء وتصده قوى النظام القديم يما اوتيت من حيل الدولة العميقة الرافضة لكل اشكال التغيير الذي استشعرت فيها نهايتها المحتومة فعطلت مساره. ودفعت  وأحيانا بوسائل ظاهرها مشروع وباطنها خبيث إلى تحويل الثورة إلى حركة مطلبية  قصيرة النفس ومحدودة الأفق. هو اذن مشروع ترسيخ للحريات و تأسيس للعدالة  حيث يكون لقوى الثورة خارطة طريق للسنوات والعقود القادمة تستقى منها وتؤلف حوله برنامجها التنفيذي الذي افتقدته منذ انطلاقها في لحظة الانتشاء بإسقاط رؤوس الانظمة معتقدة أن ذلك وحده كاف للتمتع بالمنجز.

الاعتقاد السائد في خلفية المبادرة هو أن الحرية كفيلة بدفع المسارات الى مداها لذلك يجب ان تترسخ وتتدعم بنضالات طويلة النفس لأنه في الحرية يكمن مقتل النظام القديم مهما تذرع بالحفاظ على الدولة التي لم تعد كونها دولة فئوية  لأصحاب النفوذ يستنزفون بها قوى الدولة والمجتمع ويستحلبون خيراتها ويهمشون قطاعاتها الشعبية  التي  تحركت في الشارع  ولم تجن نتيجة نضالاتها المستحقة. فإذا ترسخت الحرية كمطلب/حق  لا جدال حوله  تحولت الى مسارات بناء مؤسساتي لانجاز المطلب الثوري الذي هو العدالة الاجتماعية الاستقلال السياسي  غير المنجز بحكم ضغط القوى الخارجية المعادية وخاصة منها أعداء الحرية في الداخل العربي وقد نعتتهم المبادرة بالاسم  وسجلت  تدخلهم الاجرامي في تعطيل وكسر مسارات الربيع العربي وهم انظمة الخليج.

تطمح المبادرة الى ان تكون مؤسسات فاعلة تعمل على مشروعين  هامين 

الاول جهاز تنفيذي موزع بين الاقطار التي شهدت ثورات الربيع العربي في الداخل القطري قدر الامكان او بالخارج اذا تعذر الداخل. عبر مكاتب او نيابات (او مكاتب او فروع) محلية تعود بالنظر  الى هيئة قيادية (راس مدبرة) في بلد المقر وعبر انظمة تواصل  قانونية و شفافة.

الثاني خلايا او  ورشات تفكير وانجاز  في المجالات التي تبين ان ثورات الربيع العربي تفتقدها  ومنها في النقاشات الاولية :
 وضع مسودة دستور عربي  يكون بمثابة قاسم مشترك بين الدساتير القطرية  مع حق الاختلاف في ما لا يتناقض مع مبادئ التشريع الانساني  وقد اعتبر ان الدستور التونسي المنجز  يمكن ان يكون قاعدة انطلاق خاصة في الجوانب المتعلقة منه بالحريات و الحكم المحلي.

 وضع مشروع اجتماعي للثورات العربية يكرس العدالة الاجتماعية وان كانت الخلفية الليبرالية للمؤسسين هنا قد أجلت الخوض في التفاصيل تاركة للجان التفكير التي يمكن ان تساهم في بلورة النقاشات مهمة بلورة البدائل.ولكن الاجماع حول مطلب العدالة الاجتماعية هيمن على النقاشات المؤسسة.

وحدة المقاومة والثورة 

اما النقطة الاهم في لحظة التأسيس والتي ستغير الكثير في تقديرنا من مسار الربيع العربي فهي الاتفاق الواسع على وضع سياق الربيع العربي في سياق المقاومة والتحرير وإنهاء التعارض الموهوم بين المقاومة والثورة وجعل افق تحرير الارض المحتلة  مشروعا للربيع العربي خاصة  وقد كانت معركة عزة 2014  تهمين على اجواء نقاش الجلسات الاولى. فلم يعد مقبولا ان ينظر الى معركة تحرير فلسطين بمعزل عن حركة تحرر عربي شامل  هي في الحقيقة كانت ولا تزال احدى مطالب الشارع العربي الذي رفع  بموازاة نداءات الرحيل لرؤوس الفساد والاستبداد  شعارا قويا  الشعب يريد تحرير فلسطين.

 نستشعر ان هذه المبادرة  ولدت لتعيش وتنمو لأنها المبادرة التي افتقدها الربيع العربي.منذ انطلاقته فما قيل عن عفوية الربيع التي صنعت قوة انطلاقه  قيل عن عفويته التي صنعت انتكاسته  فبعد الاطاحة بالرؤوس لا بد من البناء على قواعد جديدة وهذه المبادرة   تضع الآن الأسس التي ستعيد إطلاق ربيع عربي يفكر  أكثر مما يتحمس ويؤسس بعد أن كان هدم.

 إنها المبادرة الهدية لغزة 2014. فالنصر القادم من هناك يستحث ردا منتصرا له من بلدان حزام التحرير الفلسطيني .
0
التعليقات (0)