مقالات مختارة

مصير العمال المهاجرين في معسكرات التعذيب باليمن

أليستير سلون
1300x600
1300x600
يلقي تقرير جديد لمنظمة هيومان رايتس ووتش الضوء على معسكرات التعذيب في اليمن، حيث يعتبر المخرج الوحيد منها بالنسبة لعشرات الآلاف من العمال المهاجرين هو دفع فدية من قبل ذويهم في بلادهم، وحتى وصول الفدية يتعرضون للتعذيب والضرب وظروف غير إنسانية.

ويعاني من تلك الظروف جميع المهاجرين غير الشرعيين المارين عبر اليمن في طريقهم إلى السعودية والذين يتراوح عددهم بين خمسين إلى مئة ألف مهاجر سنويا. 

وفي كل عام يقوم الكثير من الأثيوبيين الهاربين من إحدى أفقر الدول في العالم بدفع أموال إلى وسطاء كي يساعدوهم في الانتقال عبر خليج عدن ثم اليمن إلى السعودية. وعامل الجذب بالنسبة لهؤلاء العمال هو العمل في مجال التشييد أو الأعمال المحلية التي توفر راتب يكفي بالكاد لمساعدة أسرهم في وطنهم. وقد غرق أحد القوارب الأسبوع الماضي وكان يحمل ستين مهاجرا إلى اليمن لم ينجوا منهم أحد.

وفور وصول المهاجرين إلى البر يتم وضعهم في شاحنات أو سيارات ونقلهم إلى السعودية. وفي المدينة الحدودية يتم تشغيل جميعهم على غير المتوقع في الفناء الخلفي لأحد المخازن وهناك يتعرضون لأشعة الشمس الحارقة إلا إذا حالفهم الحظ وتم وضع قماش مشمع فوق المنطقة التي يعملون بها. ويجد آخرين أنفسهم في معسكرات محددة الغرض ومعبأة بعشرات آخرين. وهنا يفاجئون أن الوسطاء كذبوا عليهم ووعدهم أنهم سيتم تهريبهم إلى السعودية ولكن قاموا ببيعهم إلى "معسكرات التعذيب."

أولا، يتم الاستيلاء على أي مال بحوزة المهاجرين، وأغليهم سيتم ضربهم بالأيدي والأرجل والعصي، ويقوم بذلك في أغلب الأحيان الحراس الأثيوبيون الذين يعملون لدى زعماء العصابات اليمنيين، ثم يتم إخبارهم أنهم لابد أن يتصلوا بذويهم. وإذا لم تستطيع الأسرة تحويل مبلغ الفدية إلى الخاطفين يتم تعذيب المهاجر. وإذا رفضوا الاتصال بذويهم يتم تعذيبهم، وإذا لم تستطع الأسرة تدبير المبلغ (وهو حوالي 600 دولار في دولة يبلغ متوسط الراتب الشهري بها 400 دولار) يتم تعذيب الرهينة حتى يجد وسيلة لدفع الفدية.

وقد وصف إحدى شهود العيان قيام الحراس باقتلاع عين أحد المهاجرين باستخدام زجاجة مياه، وقال آخر أن المهربين قاموا بتعليقه على سلك مربوط حول أصبعيه الإبهام، وعلقوا زجاجة مياه على رباط ملفوف حول عضوه الذكري، وفي تقليد مستعار من أجهزة الأمن الأثيوبية يتم لف رباط حول العضو الذكري للمهاجر ويتم تعليق زجاجة مياه به ثم يتم إجباره على الشرب من زجاجات المياه واحدة تلو الأخرى مما يسبب ألم لا يمكن تخيله. وذكر آخرون أنهم تم حرقهم باستخدام بلاستيك منصهر، وقال شهود أن المهربين يغتصبون المهاجرات من النساء.

وهذا النظام المروع يتمتع بشبه حصانة تامة، وأغلب البيانات المذكورة في التقرير مبنية على شهادات المهربين أنفسهم والذين يشعرون بالشجاعة الكافية للحديث العلني عن عملياتهم. كما يتم تحميل الرهائن في الشاحنات علنا في شوارع مزدحمة وفي وضح النهار، وأماكن معسكرات التعذيب معروفة، حيث يدير أغلبها عائلات لديهم قطعة أرض مرخصة (هناك ما يقرب من 30 معسكر في حرض وربما هناك أخرى في مناطق أخرى باليمن.)

وفي بعض الأحيان قد يموت المهاجر (ليس عمدا ولكن بسبب الحماسة الزائدة لدى معذبيه)، وفي هذه الحالة يتم إلقاء الجثث في الشارع خارج المعسكر بلا غطاء.

وكثيرا ما يهرب المحتجزين إذا غفل عنهم الحراس، حيث يصعب في أحيان كثيرة السيطرة على الآلاف من المهاجرين الهاربين، وفي اليوم التالي سيكون هناك دفعة جديدة على أي حال. ففي مرة واحدة يمكن أن يصل 25 ألف من المهاجرين إلى مدينة حرض الحدودية في اليمن، وجميعهم بتم نقلهم إلى معسكرات التعذيب.

أحيانا يعود المهربين بعد دفع الفدية ويساعدوا المهاجرين بالفعل في العبور إلى السعودية، ولكن الأرجح أن يعودوا إلى الشواطئ ويتسلموا المزيد من الأثيوبيين لبيعهم إلى معسكرات التعذيب.

وهذه الظاهرة ليست جديدة، فالنظام المتشابك للمهربين والمتاجرين والمعسكرات متواجد منذ عام 2003، وقد قامت المنظمات الحقوقية بدور جيد في لفت الانتباه إليها، وقامت البي بي سي وقنوات أخري بتغطية ممتازة في هذا الشأن. ولكن الجديد في تقرير هيومان رايتس ووتش هو أنه يكشف للمرة الأولى لماذا يستطيع المهربين العمل بشكل علني، والإجابة على ذلك هي أن الشرطة والجيش وخفر السواحل ومسئولين حكوميين متورطين في هذه المنظومة.

وكانت هناك حملات أمنية حكومية في عام 2013، بأمر من صنعاء، حيث قال حرس الحدود أن ما يقرب من 50 معسكر تمت مداهمته، وتم إطلاق سراح آلاف من المحتجزين. وربما تمت المبالغة في أعداد من أطلق سراحهم، وبالطبع لم يتم محاكمة سوى 20 من المهربين على أكثر تقدير، ولم تنجح أي من المحاكمات في إدانتهم.

وعلى الرغم من تفشي ظاهرة تورط الموظفين الحكوميين في الاتجار بالبشر لم تستطع وزارة الداخلية الإشارة إلى أي حالة تم فيها اتخاذ إجراء قانوني أو تأديبي للمسئولين الفاسدين. 

وعلى أدنى مستوى يعتبر حراسة أحد نقاط التفتيش الحدودية مربحا للغاية.

ويبلغ متوسط الدخل الشهري في اليمن 200 دولارا، والمهربين الذين لا يقومون بإخبار المسئولين مسبقا بمجيئهم، والذين يريدون العبور بدون اعتقال يمكن أن يدفعوا 120 دولارا للعربة الواحدة، أما من يخبرون سلطات المعبر مسبقا يدفعون 30 دولارا فقط. ويقوم المهربين بتعبية السيارات بالكامل كي يحصلوا على أعلى ربح ممكن.

وبناء على أي طريق يسلكه المهربون بعد مدينة حراض الحدودية هناك ستة أو سبعة نقاط تفتيش يمرون بها قبل دخولهم الأراضي السعودية. وكل منها بحاجة إلى رشوة إضافية بقيمة 50 دولارا.
ومن الشائع غض الطرف عن التربح الذي لا يستطيع النظام التواجد بدونه، ولكن الكثير من المسئولين أيضا يشاركون في التجارة أنفسهم، ويبيعون المهاجرين الأجانب الذين يتم اعتقالهم إلى معسكرات التعذيب.

ومن المعتقد أن أصحاب المعسكرات يقومون بإعطاء المسئولين أموالا لحمياتهم، بما في ذلك الشرطة وحرس الحدود والجيش. والكثير منهم يتلقون مكالمات هاتفية في اليوم السابق لحملات المداهمة الأمنية، كي يقوموا بإخلاء المعسكر.

كما يتورط المسئولين السعوديين كذلك في هذه التجارة، حيث تشير الأدلة إلى تورط مسئولي الجمارك السعوديين، وهناك تقارير أخرى تشير إلى قيام السعوديين ببيع المهاجرين المعتقلين إلى معسكرات التعذيب أو إلى المتاجرين.

وقد دفعت التخوفات الأمنية لدى السعودية إلى قرار ببناء سور محكم على طول الحدود بأكملها، ويقال أن شركة أمريكية تقوم الآن بتصميمه، وسوف يحتوي على أبراج مراقبة، وأجهزة استشعار عن بعد، وكاميرات مراقبة. وتعتبر اليمن بالنسبة للسعودية مثل المكسيك بالنسبة للولايات المتحدة من ناحية كونها جارة مزعجة وغير مستقرة. والاتجار بالبشر والمخدرات تمثل مشكلات ضخمة في اليمن، في حين بمثل التمرد الحوثي في الشمال تهديدا كذلك.

ومن المفارقة أن المسئولين السعوديين الذين يرفضون الحصول على رشاوي هم أكثر خطورة من غيرهم، ومن غير الواضح إذا كانت سياسة القتل بإطلاق الرصاص هي سياسية رسمية، ولكن إذا مشيت على الحدود يمكنك رؤية جثث المهربين أو المهاجرين ملقاة على الأرض وبها آثار الطلقات النارية.

وهناك العديد من الأسئلة التي ليس لها إجابة: أولا، كيف لم تصل أخبار المعسكرات إلى الأثيوبيين والصوماليين في دولهم، وإذا كانوا على علم بذلك كيف لم تثنيهم عن الهجرة؟

وتقوم الحكومة الأثيوبية والمجلس الدانماركي للاجئين بحملات توعية، ولكن الظروف التي تدفع الناس إلى الهجرة غالبا ما تكون مفاجئة وغير مخطط لها، وضرورية للحياة. وربما لم يتعرض المقربون من المهاجر إلى تجربة التهريب، وربما يؤدي ترحيل المهاجرين من السعودية إلى أثيوبيا إلى زيادة الوعي.
ومن غير الواضح مصير المهاجرات، فبالطبع يزيد عدد المهاجرين الرجال عن النساء ولكن من اللافت للنظر أن معسكرات التعذيب تحتوي على عدد أقل من النساء مقارنة بالعدد القادم على ظهر القوارب. 
وليس من الواضح أين تذهب هؤلاء السيدات، فالسيدات ربما تكون لهم قيمة أكبر لدى المهربين، حيث يمكن بيعهم لأغراض الدعارة، ومن المحتمل أن ينتهي بهم الأمر في بيوت الدعارة السعودية ولا يسمع أحد عنهم مرة أخرى.

والسؤال الأخير الذي ليس له إجابه هو مدى تغلغل الفساد والتورط في هذه التجارة إلى مستويات أعلى في الحكومة، فهناك ادعاءات بأن جهود خفر السواحل في ملاحقة المهربين قد تقلصت منذ عام تقريبا عندما تم تعيين مسئول جديد في صنعاء، حيث يقال أنه لم يكن متحمسا لحملات القبض على المهربين.

وهناك شائعات، وربما أساطير، تقول أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح جمع ثروته من خلال هذا التجارة. حيث قضى السنوات الأولي في حياته العملية كضابط في نقطة تفتيش عسكرية كانت معبرا للاتجار بالبشر.

ويقول البعض أنه من المحتمل تورط مسئولين في الحكومة الانتقالية الحالية في صنعاء، فعندما تحدث حملات المداهمة تقوم بها الإدارة المركزية بالجيش وليس وزارة الداخلية. وهناك مخاوف حقيقية لدى المسئولين في صنعاء الذين يريدون إغلاق معسكرات التعذيب. ولكن عدم إخبار وزارة الداخلية عن حملات المداهمة يشير إلى أن موظفي الحكومة في الوزارة ربما يقومون برشوة الشرطة في مدينة حرض. 

وقد قدمت هيومان رايتس ووتش بعض التوصيات التي تركزت بشكل رئيسي حول التحسين من المساءلة والحد من الفساد ومحاولة زيادة حملات المداهمة.

وقد أعلنت صنعاء مؤخرا أنها لن تقوم بحملات أخرى بسبب عدم توفر المرافق الكافية لتوفير الطعام والشراب والمأوى لآلاف المحتجزين الذين يتم تحريرهم. 

وتقوم المنظمة بالضغط على المانحين الدوليين لدفع ثمن الشاحنات والخيام والسرادقات التي يمكن تخزينها ثم إخراجها وقت حدوث المداهمة، وتشييد خيام الإيواء تلك يجب أن يكون سريعا حتى لا ينتبه القائمين على معسكرات التعذيب إلى وجود حملة في الطريق إليهم.

أما إذا رفضت صنعاء بعد ذلك التعامل مع المشكلة فسوف يتضح مدى تورط المسئولين في هذه التجارة.

ترجمة وتحرير عربي 21

(عن ميديل إيست مونيتور)
التعليقات (0)