مقالات مختارة

إنديك يعود إلى القدس لمحاولة إحياء محادثات السلام الميتة

كريس ماكجريل
1300x600
1300x600
كتب كريس ماكجريل: عاد مارتين إنديك (مبعوث جون كيري لمحادثات السلام في الشرق الأوسط) إلى القدس في مهمة ينظر إليها الكثيرون على أنها محاولة لإحياء الميت.

وقد أوضحت الخارجية الأمريكية كيف أن سقف التوقعات منخفض بالفعل عندما صرحت أن معيار النجاح سيكون قدرة إنديك على إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات.

ففي غضون أقل من أسبوعين قبل الموعد النهائي الذي حدده إنديك لعقد "اتفاق الإطار"، تراجع الطموح إلى الحديث حول اتفاق لمد المفاوضات. ولا يبدو أن اليوم الأول من المحادثات الخميس الماضي قد مر بشكل جيد، فالفلسطينيين وصفوها بأنها كانت "صعبة للغاية".

ولكن إنديك عاد إلى القدس وسط مؤشرات أن الموقف الأمريكي في تغير.
فتصريحات كيري التي حدد فيها أنشطة إسرائيل الإستيطانية كمعوق رئيسي للمحادثات صدمت بنيامين نتنياهو الذي عوّل دائما على الغطاء الأمريكي الذي يرفض إلقاء اللوم في محله.

وأعقب تلك التصريحات المقالة الافتتاحية لصحيفة النيويورك تايمز التي انتقدت "العناد" الإسرائيلي، واتهمت أعضاء بتحالف نتنياهو بمحاولة تخريب المحادثات، مصرحة بشكل مباشر أن قيادات اليمين الإسرائيلي (نفتالي بينيت رئيس حزب إسرائيل بيتنا الموالي للأنشطة الاستيطانية، وأوري أرييل وزير الإسكان) لا يريدون السلام.

وتضمنت المقالة انتقادات للفلسطينيين كذلك، ولكن ما كان ظاهرا بشكل أكبر هو النبرة وحجم النقد الموجه إلى نتنياهو من قبل جريدة دائما ما أعطت القادة الإسرائيليين أعذارا.

إن قيام جون كيري بتوجيه أصابع الاتهام، وافتتاحية النيويورك تايمز الأخيرة ربما تبدوان تصريحا بما هو واضح بالفعل بالنسبة للشرق الأوسط، ولكن هذه الآراء لا نسمعها كثيرا من داخل المؤسسة الأمريكية.

والدبلوماسيون الأمريكيون في القدس ربما يفهمون الحقيقة جيدا، ولكنهم يخطون بحذر في واشنطن، حيث يتنافس السياسيون من مختلف التوجهات على إعلان ولائهم لإسرائيل.

وقد ذهبت النيويورك تايمز أبعد من ذلك، قائلة إن الوقت قد حان لإدارة أوباما "لتضع المبادئ التي تؤمن أنها يجب أن تكون الأساس لدراسة حل الدولتين"، وهذا يعني دولة فلسطينية على حدود 1967، ومدينة القدس مقسمة -وهما أمران مرفوضان من قبل نتنياهو.

وأضافت الصحيفة أن أوباما وكيري يجب أن يمضيا قدما ويؤجلا النظر في عملية السلام، طالما لم تصل إلى شيء.

وقد رفضت الخارجية الأمريكية سريعا هذا التوجه، ولكن البعض داخل الإدارة الأمريكية يوافق على فكرة أن المسارات الدبلوماسية الحذرة هي بمثابة فخ، حيث لا تؤدي سوى إلى تيسير سيطرة إسرائيل على القدس، وضم الأراضي الفلسطينية. 

وقد أرسل كيري إنديك إلى القدس لأن القادة الفلسطينيين والإسرائيليين يقولون أنهم يريدون إحياء المحادثات. ولكن الدبلوماسيين في واشنطن يقولون أنهم لا يرون مصلحة لنتنياهو في نجاحها.

فرئيس الوزراء الإسرائيلي وشركاؤه في الائتلاف راضون بشدة عن الوضع الراهن من استمرار الاحتلال والسيطرة على الأراضي ومد الاستيطان.

 وقد قال الرئيس الفلسطيني لأعضاء بالبرلمان الإسرائيلي هذا الأسبوع أنه مستعد لمد المفاوضات لتسعة أشهر أخرى، ولكن بشرط تطرق المحادثات إلى مسألة الحدود النهائية، وفي حالة وقف بناء المستوطنات التي تعتبرها إسرائيل سلاحها الرئيسي ضد دولة فلسطينية قابلة للاستمرار.

كما يريد عباس استئناف عملية تحرير الأسرى التي تقاعست عنها إسرائيل، كما هدد بأمر لو حدث سوف يفاقم من الاحتلال ويقلق الولايات المتحدة، حيث قال أعضاء كنيسيت إسرائيليون لصحيفة هآرتس إن عباس قال لهم أنه في حال فشل المحادثات بشكل كامل سوف يفكر في حل السلطة الفلسطينية وتسليم المفاتيح لإسرائيل.

فحسب ما نقله عنه أعضاء الكنيست، قال عباس: "لستم مضطرين لإرسال الدبابات أو استخدام القوة، فقط أرسلوا ضابطا صغيرا برتبة ملازم ثاني، وسوف نسلمه المفاتيح".

وقد صرح وزير الشؤون الدينية الفلسطيني بتهديد مشابه، عندما قال لصحيفة هآرتس إن هناك نقاشات بين القادة الفلسطينيين حول حل السلطة الفلسطينية، لأنها "حكومة لا تستطيع الحكم".

فهناك افتراض لدى واشنطن وأوروبا بأن السلطة الفلسطينية سوف تستمر بالرغم من كونها أداة في يد الاحتلال، لأنها تدعم جزءا كبيرا من الشعب الفلسطيني من خلال التوظيف وتقديم الخدمات.

والكثير من الفلسطينيين في حيرة من أمرهم، فهم لا يريدون للإسرائيليين أن يعودوا لإدارة شؤونهم، ولكنهم أيضا يعتبرون السلطة الفلسطينية متواطئة في تبديد حلمهم بالحرية.

إن توجيه كيري غير المعهود لأصابع الاتهام إلى إسرائيل وافتتاحية النيويورك تايمز تقويان من موقف المسؤولين بالإدارة الأمريكية، الذين ينظرون إلى إشراف الولايات المتحدة على المفاوضات لمدة عقدين أنه كان بمثابة عامل مساعد على استمرار الاحتلال، وتمكين إسرائيل من مد سيطرتها على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية.

وقد وصف أرون ديفيد ميلر (مستشار سابق لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية الأمريكية، والذي كان لاعبا رئيسيا في جهود التسوية التي قادها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون) المشكلة بشكل واضح جدا، عندما قال منذ عقد مضى إن الولايات المتحدة هي بمثابة "محامي إسرائيل"، وأنها أعطت مصلحة إسرائيل أولوية أعلى من عملية السلام. كما قال أن الولايات المتحدة ليست وسيطا نزيها ولا فعالا.

وعندما تولى أوباما الحكم، كانت هناك مؤشرات من البيت الأبيض أنه كان يؤيد إعطاء نتنياهو فرصة كي يصبح جادا بشأن عملية السلام، بدءا من وقف مد الاستيطان. ولكن كان هناك توقعا في دوائر صنع السياسات أن الرئيس سوف يحتاج إلى متابعة ذلك، بوضع إطار لصفقة نهائية، بما في ذلك الحدود وتبادل الأراضي والقدس المقسمة.

وعندما واجه أوباما عنادا من قبل نتنياهو وتهديدا من اللوبي الإسرائيلي بحشد الكونجرس ضده، قرر أوباما أن الأمر لا يستحق العناء. وليس هناك علامة على تغييره لرأيه الآن، ولكن أصبح من الواضح لبعض المسؤولين الأمريكيين أن كيري نفسه أدرك أن السياسة الأمريكية لابد أن تتغير.

* كريس ماكجريل هو مراسل صحفي سابق لصحيفة الجارديان في واشنطن والقدس وجوهانسبرج.

* وهو الآن مراسل صحفي في الولايات المتحدة.

* حاصل على العديد من الجوائز مثل جائزة مارثا جيلهورن وجيمس كاميرون، وجائزة مراسل العام لمؤسسة العفو الدولية.

* ماكجريل هو مؤلف كتاب "Chaplains of theMilitia" الذي يحقق في تورط الكنيسة الكاثوليكية في جرائم الإبادة الجماعية في رواندا.

* وهو الآن يقوم بتأليف كتاب حول إسرائيل والفصل العنصري.

(عن صحيفة ميدل إيست آي البريطانية)
التعليقات (0)