كتاب عربي 21

في ذم أيام زمان وأيام "الآن"

جعفر عباس
1300x600
1300x600
كل شيء جميل عندنا "كان زمان"، ويبدو أنني - ضمن قلة من أبناء جيلي - لم أنجح في اكتشاف ورؤية جمال "أيام زمان"، فالعبارة مطاطية، وتستخدم لتعني السنوات الخمس الماضية، أو الخمسة قرون الماضية، وبالتالي فإنني أرفع يدي بالدعاء قائلًا: الله لا أعادها علينا. فما الجميل في البؤس والفقر والجهل والمرض والقمع والقهر والذل؟ حتى في الغناء يقولون لنا إن غناء أهل "زمان" كان أفضل، وأن السينما العربية المعاصرة في "أزمة"، وعليها أن تستعيد أمجادها الغابرة، وأرجع بالذاكرة إلى سنوات بعيدة كنت فيها مهووسًا بالسينما، وأبحث عن فيلم عربيٍّ قديم قد يكون مخزونا في سنام ذاكرتي، فلا أجد فيه شيئًا، ولكنني أجد ممثلين وممثلات قابعين في الذاكرة، وأذكر مشاهد متفرقة من تلك الأفلام سببت لي وساوس وهلوسة في سن المراهقة ومطلع الشباب، فقد  كان متوسط عدد الـقبلات في الفيلم الواحد نحو سبعٍ وثلاثين، وما من مشهد في فيلم إلا وتضمّن بضع لقطات من الرقص الثنائيَّ الهادئ، الذي هو تعبير رأسي عن رغبات أفقية، وكان لابد من مشاهد قرب البحر حتى لو كان الفيلم عن عنترة وعبلة "الهبلة" (لأنها لم تتمسك بجدي عنترة، وانحنت أمام ضغوط القبيلة التي نسيت جمائل عنترة الذي استجلبته من أفريقيا فكان نعم الخبير العسكري، فدافع عنها وأثبت أنه أقل طمعا من الخبراء الأمريكان الذين لا ينظرون إلى بناتنا بل إلى جيوب خزائننا)، وما ظهر بحر في فيلم فيه امرأة، إلا وظهرت الـ"مايوهات" ذات القطعتين، والـ"ميني جيب" تلك التنورة البليغة التي تعبر في صمت صارخ عن مكنونات جسد المرأة.

وهكذا نشأ صاحبكم يحلم بنساء على شاكلة سعاد حسني وميرفت أمين ونجلاء فتحي وهند رستم ونادية لطفي (يعني أحسن حالًا وذوقًا من الجيل الذي هام بزينات صدقي وماري منيب وميمي شكيب)، ومن يقول إن أفلام ومسلسلات السينما والتلفزيون لا تؤثر على العقول والتربية والسلوك فهو قليل العقل والتربية وسيِّئ السلوك، فالسينما العربية المعاصرة - عدا استثناءات قليلة - أقل "قلة أدب" من السينما القديمة، ومع هذا فحد الله بيني وبينها، فهي قد لا تتحرش كثيرا بالغرائز الجنسية، ولكنها تتحرش بالقوى العقلية بل تتطلب أو تؤدي إلى إلغاء العقل، وعموما استطيع أن أقول إن حال السينما العربية "انصلح" قليلا، ولكن التلفزيون صار حاله "مائلا" وكل ما هو مائل "ساقط" حتمًا أو في طريقه إلى "السقوط".

هل تذكرون حكاية المواطن الأردنيِّ "جمال" التي أوردتها وكالة بترا للأنباء الأردنية قبل حين من الزمان؟ تعلق قلب جمال بشابَّةٍ جزائريَّة جميلة اسمها سلمى، فقرر أن يثبت حبه لها ببذل كل ما هو غالٍ: ماذا تفعل يا جمال وأوضاعك الماديَّة في منتهى البؤس؟ قرر جمال السطو على نقود تخص والده، ولحسن حظه وجد راتب والده عن شهر كامل في جيبه فاستولى عليه. وكان إجمالي ما استولى عليه 570 دينارًا، ووزعها على شباب الحيِّ! غريبة؟ ما غريب إلا الشيطان الذي وسوس لجمال، وأوعز له أن الطريق إلى قلب سلمى يمر عبر قلوب شباب الحيِّ! ولمزيد من الإيضاح لابد من أن تعرفوا أن جمال يبلغ من العمر سبع سنوات، يعني في الصف الثاني الابتدائيِّ، يعني حبه لسلمى "عذريٌّ"، وهو من نوع الحب الذي يقع فيه الشخص "المعذور" الذي لا عتب عليه لعلة جسمانيَّة أو عقليَّة، وحبيبته سلمى شابة جزائريَّة كانت تخوض منافسات ستار أكاديمي التلفزيونية بإمكانات فيزيولوجيَّة هائلة (طبعًا لم أرها ولكن جميع من يشتركن في مثل تلك المنافسات بالضرورة من ذوات الثدي، وهذا مصطلح علميٌّ صِرف توصف به كل الكائنات التي لا تبيض، أو تلد وترضع صغارها، ولكنه عندي يعني كل من تعمد إلى هزهزة أو كشف الصدرِ للفت الأنظار وإثبات الوجود تعويضًا لنقص في الموهبة أو العقل).

أحَبَّ جمال سلمى وأراد لها الفوز، وهذا لا يحدث إلا بنيلها أصوات المشاهدين، وهكذا سرق جمال راتب والده، واشترى به بطاقات شحن للهواتف الجوالة، ووزعه على شباب الحيِّ ليمنحوا أصواتهم لسلمى، مما يعني أن "جمال" هذا متشبع بالثقافة العربية السياسية التي تقول إنه لا بأس في شراء الأصوات "تعزيزًا للمسيرة الديمقراطيَّة".، وللفوز بالحسناء "الرئاسة".
التعليقات (0)