مقابلات

حقوقي: الصراع السياسي بالجزائر مؤسس على الانتقام

غشير: لا وجود لمعارضة في الوقت الراهن وإنما غاضبون - (أرشيفية)
غشير: لا وجود لمعارضة في الوقت الراهن وإنما غاضبون - (أرشيفية)
يرى الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان المحامي بوجمعة غشير، أنه يتعين على الأحزاب المقاطعة انتخابات الرئاسة في 17 نيسان/ ابريل الداخل، الاتفاق على ارضية بتوافقات اكبر، وإلا ستكون نهايتها بعد الانتخابات مباشرة، وأبدى مخاوفه من تضييق وانغلاق اكبر في الحريات السياسية في البلاد.

ويعتبر الحقوقي أن النقاش في الدعاية الانتخابية الحالية حاد عن المسائل الهامة، على غرار دور الجيش والحياة السياسية ككل، مطالبا الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة بإنهاء مهام مدير حملته الوزير الاول السابق عبد المالك سلال؛ نظرا لسقطاته الكلامية في حق امازيغ الشرق الجزائري.

"عربي21" التقت الحقوقي غشير، وكان لها معه هذا الحوار..

• كيف ترى مشهد حقوق الانسان فيما يتعلق بالحريات: حرية التجمهر والتجمع وحرية التعبير في الجزائر، على مقربة من انتخابات الرئاسة؟

كما تعلمون ان حقوق الإنسان حقوق مترابطة متماسكة متكاملة غير قابلة للتجزئة، ورغم اكتسابها هذه الصفات إلا أنه في مرحلة معينة من مراحل حياة المجتمعات، يكثر الحديث عن بعض الحقوق مقارنة بالحقوق الأخرى، وبمناسبة إجراء الانتخابات يتم التركيز على بعض الحريات، منها حرية التظاهر والتجمع والتعبير؛ لأن هذه الحريات من أساسيات العملية الانتخابية، ولا يمكن إقامة انتخابات في غيابها.

أعتقد أن المرشحين وأحزابهم في حاجة إلى شرح برامجهم، وهذا لا يتأتى إلا بتوفر وسائط الاتصال المباشر، أو غير المباشر، والاتصال المباشر يكون عن طريق التجمعات والتظاهر، وهو نوع من الاتصال يوفر إمكانية التفاعل والنقاش، أما الوسائط الأخرى المتمثلة في الحصص التلفزيونية والإذاعية، فهي رغم أنها تفتح المجال لإيصال الأفكار لعدد كبير من المستمعين أو المشاهدين، فإنها لا توفر العملية التفاعلية والحميمية التي تتحقق في الاتصال المباشر، وقد ظهرت في السنوات الأخيرة شبكات الإعلام الاجتماعي التي غيرت الطريقة التي يتلقى بها الناس المعلومات والأفكار؛ وبالتالي ضمنت توسع الانتشار وإمكانية التفاعل المباشر.

• وما تقييمك لواقع حرية الاعلام والكلمة في ظل الظروف التي تعيشها البلاد؟

في بلادنا ظل الإعلام لفترة طويلة سجين السلطة، قد تحرر في جانبه المكتوب، لكن في الجانب السمعي البصري ظل حكرا على السلطة، وحتى قانون السمعي البصري الذي جاء ضمن مسيرة الإصلاحات المعلن عنها حرم الخواص من إنشاء قنوات عامة، وفرض عليهم قنوات موضوعاتية. 

ولحسن الحظ، فإن البعض وجد الباب الذي يخرج منه من سجن السلطة، وأنشأ قنوات ترسل من الخارج، هذه القنوات البعض منها فتح المجال واسعا لحرية التعبير، وخاصة أن رياح التغيير التي هبت على المنطقة العربية جاءت في زمن أصبحت فيه قدرة السلطة على التحكم في الإعلام شبه محدودة؛ فما كان ممكنا في السابق، أصبح مستحيلا الآن؛ لأن السلطة عاجزة عن إغلاق السماء، وكلما حجبت موقعا من الشبكة العنكبوتية ظهرت مواقع.

لذلك فإن المشهد الآن يمكن توصيفه بوجود وسائل إعلام عمومية مخصصة في 80 بالمئة منها للرئيس المرشح؛ لأن الأمر لا يتعلق بالحصص والمواضيع المرتبطة بالحملة الانتخابية، وإنما يتعلق بالحصص والمواضيع المرتبطة بالإنجازات التي تنسب إليه، وطبعا هذا يزيد في رصيده، إلى جانب ذلك وجود صحافة مكتوبة حرة، وبعض الفضائيات، لكن هذه الأخيرة ابتعدت عن سجن السلطة، وزادت لائحة الاتهام ضدها، وقد تمنع من الإرسال في أي وقت، وخاصة وإنها لحد الآن تعتبر قانونيا قنوات أجنبية.

• وكيف تعلق على قرار غلق قناة الأطلس؟ 

قرار غلق قناة الأطلس يندرج ضمن الاتهامات التي توجه لكل من يريد الخروج من دائرة السلطة ويعمل بصورة مستقلة، وخاصة إذا تبنى خطاب المعارضة، كما يندرج ضمن النظام القانوني التي تعمل في إطاره هذه القناة، فهي جزائرية قلبا وقالبا، لكنها تعتبر أجنبية بحكم كونها ترسل من الخارج؛ وبالتالي يمكن أن توصف بأنها غير قانونية وتغلق.

وأمام الرأي العام العالمي تقدم السلطة عدم شرعية الإرسال كمبرر، في حين أن الواقع يتعلق بخطها لا بشرعيتها من عدمها.

• هناك مخاوف من تضييق أكثر لاحقا، كيف تتوقع وضع حرية التعبير والرأي بعد الانتخابات الرئاسية، وهل ما يحصل حاليا مؤشر حقيقي على غلق مرتقب للمجال الحقوقي والسياسي بعد الموعد الرئاسي؟

الأطر القانونية لممارسة حرية الرأي والتعبير واضحة، ورغم أنها جاءت في حزمة سميت "قوانين الإصلاحات"، إلا أنها عرفت تراجعا على مكتسبات الجزائريين، وطبعا خلال الحملة الانتخابية سيفتح المجال للمرشحين، لكن مع استفادة الرئيس المرشح بهامش أوسع.

أما بعد الانتخابات فسوف تخضع ممارسة حرية الرأي والتعبير لنفس القوانين الموجودة، وطبعا سوف تعرف السلطة بعض الضغوط الداخلية والخارجية، لكنها سوف تتعامل مع الأوضاع حسب الظروف وقوة الضغط الممارس .

• ماذا فيما يتعلق بحرية القيام بمسيرات وتجمعات؟

أما المسيرات والتجمعات العامة فهي ممنوعة في العاصمة، وفي باقي الولايات تخضع لترخيص الوالي؛ وبالتالي فهي مقيدة إلى أبعد حد.

• كيف تقرأ المشهد السياسي الحالي بين الموالين للرئيس وخصومه، فيما يتعلق بالتصريحات والتصريحات المضادة، وعرض التنابز بدلا من البرامج؟

أعجبتُ بما جاء فيما كتبته السيدة أسماء بن قادة (طليقة يوسف القرضاوي) لما وصفت الحراك السياسي والخطاب المتبع بأنه صراع ضرائر، وفعلا ما يجري أشبه ما يكون بصراع مؤسس على روح الانتقام، وتحطيم الآخر، واعتباره عدوا لا منافسا، وهذا ينطبق على المرشحين كما ينطبق على دعاة المقاطعة.

أعتقد أن المرشحين والطبقة السياسية لم تستغل هذه المناسبة لتعميق النقاش في مسائل عديدة منها: دور الجيش في الحياة السياسية والاجتماعية، واستقلالية العدالة، والإرادة في مكافحة الفساد، وبناء المؤسسات والتداول السلمي للسلطة، ونزاهة الانتخابات وغيرها من المسائل التي تؤسس لمستقبل الجزائر، وخاصة أن عدة تصريحات، ظهرت في الآونة الأخيرة تطرح هذه المسائل، لكن بكل أسف بدل استغلال الفرصة، وتعميق النقاش، انقسمت الطبقة السياسية بين مؤيد لهذا، ومعارض لذاك.

• هل ترى أن المقاطعة حل أنسب في ظروف كالتي نعيشها، على غرار المواقف التي اتخذتها بعض الأحزاب المعارضة؟

المقاطعة موقف سياسي، والتقاء العديد من الأحزاب من مشارب مختلفة، إن لم نقل متناقضة جيد، لكن إذا لم تستغل هذه الأحزاب الفرصة للخروج بأرضية تمثل الحد الأدنى المشترك، لبناء جزائر جديدة ديمقراطية، تحتضن الجميع، فإن مسعاها سوف ينتهي بعد 17 من الشهر القادم.

وما يُؤسَف له أن المقاطعة تهدف إلى رفض ترشح شخص، وكأن ما تعانيه الجزائر مرتبط بهذا الشخص، في حين أنه مجرد واجهة لنظام هو السبب الرئيسي فيما يعانيه الجزائريون. 

لذلك على المعارضة العمل لما بعد الانتخابات؛ لأن هذه الانتخابات حسم أمرها سنة 2008، لما عدل الدستور وفتحت العدة الرئاسية، وبكل أسف لأن من بين معارضي العهدة الرابعة للرئيس مَن زكى هذا الحسم سنة 2008.

لذلك أعتقد أن العمل على الحصول على إجماع على أرضية تمثل الحد الأدنى المشترك بين كل التيارات، وإشراك الفاعلين في المجتمع المدني في هذا المسعى، أنسب في المرحلة الراهنة.

• لكن البعض يقول إن المعارضة هي التي فشلت وليس النظام هو القوي، ما رأيك؟

من الصعب القول إن هناك معارضة في الجزائر، فكل الأحزاب موالية للنظام بطريق أو آخر، ومخترقة منه بطريق أو آخر، ومنها من يعاني من تهمة الولادة بصورة غير شرعية؛ نتيجة علاقة غير شرعية بين مؤسسيه والنظام القائم، ومن يعتبر نفسه معارضا اليوم قد يصبح مواليا، إذا تكرمت عليه السلطة ببعض المناصب والامتيازات.

وعليه؛ فإني لا أرى في الظرف الراهن وجود معارضة، وإنما غاضبون بسبب الإقصاء قد ترضيهم بعض الإغراءات، والنظام في الجزائر يعرف ذلك جيدا، وخبير في التعامل معها.

• ما رأيكم بخرجات عبد المالك سلال، بخصوص "زلات لسانه" وسقطاته المتكررة التي أغضبت قطاعا واسعا من الشعب الجزائري؟

خرجات سلال وبعض الوزراء تعبر عن التدهور الذي تعرفه الحياة السياسية ومستوى رجالات الدولة، وعدم اكتسابهم ثقافة الدولة وغربتهم على المجتمع الجزائري، وما تلفظ به سلال في حق امازيغ الشرق الجزائري يندرج ضمن الجرائم التي تضمنها قانون العقوبات، وكان على الرئيس إعفاؤه من مهام إدارة حملته الانتخابية؛ احتراما للجزائريين، وتأكيدا لمكانته كرئيس لكل الجزائريين، ومهما تكن المبررات التي قدمها سلال فعليه أن يعي أن الجزائري يطلب من المسؤول الجدية والصرامة لا الخلط بين الجد والهزل، خاصة عند ممارسة السلطة.
التعليقات (0)

خبر عاجل