مقالات مختارة

رائحة السيناريو الجزائري

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
كتب فهمي هويدي: يصفعنا خبر الصباح إذ نعي إلينا أمس مقتل ستة من الجنود المصريين في هجوم إرهابي. وهي جريمة من النوع الذي يبعث إلينا رسالة ذكرتنا بما تمنينا أن ننساه. سواء إرهاب التسعينيات الذي استهدف رموز السلطة أو عشرية الجزائر السوداء التي بدت صراعا بين الجماعات المسلحة من جانب والجيش والشرطة من جانب آخر، وكل منهما أتعس من الآخر. إلا أنني أشم في حادث «مسطرد» الذي وقع فجر أمس رائحة السيناريو الجزائري الذي كنت قد استبعدته من قبل.

واعتمدت في ذلك على التباين بين البيئتين المصرية والجزائرية في البيئة السياسية والطبيعة السكانية والجغرافية، الآن أقر بأنني أحسنت الظن وأخطأت في التقدير، رغم أنني مازلت آمل في أن يفعل التباين فعله وألا تتطابق الحالتان المصرية والجزائرية في النتائج، مذكرا بأن السيناريو الجزائري استمر عشر سنوات وأدى إلى سقوط نحو مائتي ألف قتيل.

صحيح أن البدايات لا تخلو من تشابه بين البلدين. خصوصا في الدور الذي لعبه الجيش بكل منهما في إجهاض المسار الديمقراطي، مع الاختلاف في حجم التأييد الشعبي الذي كان في مصر أوضح منه في الجزائر. إلا أنني أتمنى أن تختلف النهايات وأن يتعلم القائمون على الأمر في مصر دروس التجربة الجزائرية، التي أهمها أن الحل العسكري والأمني لا يكفي في حسم الصراع السياسي. وهو ما فطن إليه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي تولى السلطة في عام 1999 وتبنى سياسة «الوئام المدني» التي كانت مدخلا لتحقيق السلم الأهلي، وبه انتهت المرحلة التي يصفها الجزائريون بالعشرية السوداء التي أغرقت البلاد في بحر من الدماء وتخللتها مذابح وجرائم بشعة يشيب لها الولدان.

أحد الفروق المهمة بين التجربتين الجزائرية والمصرية أن طرفي الصراع في الجزائر كانا واضحين إلى حد كبير. فالمواجهة كانت معلنة بين الجيش القابض على السلطة وبين جبهة الإنقاذ التي لم يكن قد مضى على تأسيسها أكثر من سنتين. وبالتالي كان لها من القواعد المشتتة أكثر مما لديها من الكوادر المنضبطة. أما في التجربة المصرية فالإخوان يتصدرون مقدمة الطرف الآخر ومعهم «التحالف» الذي يضم جماعات أخرى. وفي حين تبنت جبهة الإنقاذ سياسة المواجهة المسلحة، فإن جماعة الإخوان ومعها التحالف اختاروا في مواقفهم المعلنة طريق المعارضة السلمية التي تمثلت في الاعتصامات والمظاهرات. ورغم تعدد حوادث العنف التي شهدتها مصر خلال الأشهر الثمانية الماضية، إلا أنه لم يثبت حتى الآن أن التحالف ومعه الإخوان كانوا وراءها. حتى أكبر حدث وقع حتى الآن وتمثل في تفجير مقر مديرية أمن القاهرة أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عنه، رغم أن الأصابع أشارت إلى الإخوان ورغم أنه كان ذريعة لاعتبارها جماعة إرهابية من جانب مجلس الوزراء، وهو القرار الذي اتسم بالتعجل وسوء التقدير، واعتمد على اجتهادات سياسية وليس على معلومات أمنية موثقة.

أثار الانتباه في هذا الصدد أن المتحدث العسكري المصري سارع بعد عشر دقائق من إعلان خبر الجنود الستة إلى اتهام الإخوان بالمسؤولية عن الجريمة. وهو ما فعله صاحبنا أيضا بعد دقائق معدودة من إطلاق الرصاص على حافلة عسكرية قبل يومين وقتل اثنين من ركابها.

ورغم الإعلان آنذاك عن أن اللذين أطلقا الرصاص كانا اثنين من الملثمين استقلا دراجة نارية فإن المتحدث العسكري سارع أيضا إلى توجيه ذات الاتهام، قبل أي تحقيق ودون أي تحريات. وكأنه وحده الذي استطاع أن يتعرف على الملثمين. ولأن المتحدث العسكري يمثل مؤسسة محترمة لها وزنها في المجتمع، فقد كان حريا به أن يكون أكثر حذرا واتزانا، ليس فقط لكي يعزز صدقية البيانات التي يدلي بها واحترام الجهات التي يمثلها، ولكن أيضا لتمكين جهات التحري والتحقيق من أن تؤدي عملها بجدية، بحيث لا تمضي وراء التوجيه السياسي بما يؤدي إلى إفلات الجناة الحقيقيين من العقاب سواء كانوا من الإخوان أو غيرهم.

في مواجهة أحداث بتلك الجسامة والبشاعة، نحن أحوج ما نكون إلى التحلي بالمسؤولية والوعي، لأن الانسياق وراء الانفعال لا يسمح لنا بتحري الحقيقة، فضلا عن أنه يصادر تفكيرنا في كيفية التعامل مع مؤشرات العنف المتنامية. في هذا الصدد ينبغي أن ينتبه الجميع إلى أن ما حدث في مسطرد ليس منفصلا عن مسلسل الأزمة التي تواجهها مصر منذ الثالث من يوليو الماضي التي سالت في ظلها دماء غزيرة. وما لم يتم التعامل مع جذور الأزمة فإن أصداءها وتداعياتها سوف تستمر، ولن يتوقف مسلسل الفواجع والصدمات.

إننا لا نريد أن يطول انتظارنا ولا نريد أن نرى مزيدا من دماء الأبرياء تراق ومزيدا من الخراب يحل، لكي ندرك أننا بحاجة إلى تحرك جاد لتحقيق «الوئام المدني»، الذي دعت إليه «خارطة الطريق» قبل ثمانية أشهر، لم نشهد تحركا جادا يحققه. إذ رجحت كفة الحريصين على الخلاص من الإخوان ومن لف لفهم. وفي غمرة الانفعال ونشوة الحماس نسى كثيرون الانتصار للوطن.

(بوابة الشرق)
التعليقات (1)
حسن
الأحد، 16-03-2014 10:29 ص
اتمنى من كل قلبي ألا يعيش الشعب المصري ما عشناه في الجزائر وآمل مثلك يا سيدي ان يكون الإختلاف الذي تراه بين التجربتين حقيقيا حتى لا تعيش مصر التي نحبها الألم الذي أوجعنا. واسمح لي فقط بالتذكير إذا سمحت للإشارة إلى ثمة معلومات خاطئة وردت في مقالك من بينها أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر بدورها لم تتبنى العنف ولم توافق عليه مثلها مثل جماعة الإخوان، إضافة إلى أوجه تشابه كثيرة أراها لكوني عشت التجربة الجزائرية وأرى ما تنقله مختلف وسائل الإعلام عن مصر وللأسف فأوجه الشبه عديدة. وأرجو من الملى عز وجل أن يحفظ مصر وأهل مصر. سلام