مقالات مختارة

نتنياهو ولغة التحريف والتزييف

جيمس زغبي
1300x600
1300x600
كتب جيمس زغبي: أثناء مراجعة بيانات استطلاعات الرأي بشأن المواقف الإسرائيلية والفلسطينية من جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة في الوقت الراهن، يتضح بصورة جلية ليس فقط التباعد السافر بين رؤى كلا الفريقين، ولكن أيضاً مدى تأثر هذا التباعد باللغة المركزية الإسرائيلية المستخدمة في تأطير كثير من القضايا المطروحة في تلك الاستطلاعات.

وينطبق ذلك تماماً على مناقشات السياسة الأميركية بشأن احتمالات عملية السلام في الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، عندما يطرح المعلقون والمحللون الأميركيون القضايا التي يتعين تناولها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، عادة ما يستخدمون مصطلحات ويقبلون فرضيات، لا لشيء سوى أنها تُستخدم بصورة متكررة، وقد أصبحت تعتبر جزءاً من السياق الطبيعي للأمور. وأتحدث هنا عن مصطلحات مثل «الكتل الاستيطانية» و«تبادل الأرض» و«التحريض»، والإشارات إلى «أحياء القدس» و«الدولة اليهودية».

وفي حين يرى الإسرائيليون والأميركيون هذه اللغة ببساطة على أنها تصف «مسلَّمات»، يعتقد الفلسطينيون أنها مصطلحات «متكلفة» و«متحيزة» تستخدم في إخفاء الظلم.

وعندما يرفض الفلسطينيون هذه المصطلحات والفرضيات، يُفسّر ذلك افتراءً على أنه دليل على عدم التزامهم الكامل بعملية السلام.

وفي المقابل، قال نتنياهو مؤخراً، عندما أشار إلى أن الفلسطينيين أكدوا خلال الأسبوع الماضي أنهم لن يعترفوا أبداً بالدولة اليهودية ولن يتخلوا عن حق العودة: «إنني لن أبرم اتفاقاً لن يلغي حق العودة، ولا يشمل اعترافاً فلسطينياً بدولة يهودية».

وأضاف نتنياهو أنه «نظراً إلى أن الفلسطينيين لا يقبلون شروطي، فإنهم لا يبدون أية إشارة على أنهم يعتزمون التوصل إلى اتفاق سلام عملي وعادل».

وبعبارة أخرى، من وجهة نظر نتنياهو أنه «إذا كنت تريد السلام ستقبل شروطي وفرضياتي وتتخلى عن شروطك وفرضياتك، ولكن إذا تشبثت بالالتزام بروايتك وواقعك، فأنت عندئذ غير جاد بشأن التوصل إلى السلام».

وفي الإطار ذاته، لننظر إلى عنصر آخر بات وكأنه مقبول بشكل عام في أي نقاش بشأن عملية السلام الإسرائيلي الفلسطيني.. ألا وهو أن «الكتل الاستيطانية» الإسرائيلية في الضفة الغربية باتت الآن «وقائع مقبولة» ستحتفظ بها إسرائيل في أي اتفاق سلام، وفي مقابل الاحتفاظ بهذه الكتل ستقدم «أراضي بديلة» للدولة الفلسطينية الجديدة.

ولم يعد مبدأ «المقايضة» هذا مطروحاً للنقاش، وإنما بات من «المسلَّمات»، وكل ما تبقى هو تحديد عدد «الكتل» التي ستصر إسرائيل على الاحتفاظ بها، ومساحات وأماكن الأراضي التي ستقدمها في المقابل.

ولعل هذا المبدأ التجاري يبدو منطقياً وعادلاً بالنسبة للإسرائيليين والأميركيين، ولكن بالنسبة لكثير من الفلسطينيين، وخصوصاً أولئك الذين صُودرت أراضيهم لإفساح الطريق أمام إحدى المستوطنات، لا تبدو فكرة «تبادل الأراضي» هذه أكثر من مصطلح مخصص لإضفاء الشرعية على ما هو «غير مشروع».

ولنأخذ على سبيل المثال المستوطنة الإسرائيلية «هار هوما»، التي تم بناؤها قبل 15 عاماً على أراضٍ صادرتها إسرائيل من سكان بيت لحم وسط اعتراضات شديدة من الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، ونتيجة لهذا لاستعمار الإسرائيلي وسلسلة المستوطنات المشابهة التي بنتها إسرائيل في هذه المدينة الصغيرة، لا يمكن لبيت لحم أن تنمو، كما أنها باتت مفصولة عن القدس.

وفي الوقت الراهن، أصبح 17 ألف إسرائيلي يعيشون في «هار هوما»، وأضحى مطلوباً من الفلسطينيين أن يروا المستوطنة كـ«أمر واقع يجب قبوله».

وفي مقابل هذا الظلم، سيتم طرح «مقايضة للأرض» على الفلسطينيين في مكان آخر، ولكن تلك الأرض التي ستتم مقايضتها لا تمت بصلة إلى بيت لحم أو الأسر التي فقدت أراضيها، كما أنها لا ترفع الظلم الواقع على المجتمع بأسره بسبب عزله الفعلي عن القدس.

وبالنسبة لهؤلاء الفلسطينيون، لا يبدو ذلك منصِفاً، وإنما هو عبارة عن منح أراضٍ مسروقة وانتهاكات للقانون الدولي، وتنطبق هذه القصة على مئات من القرى والمدن الأخرى التي تمت مصادرة أراضيها من أجل بناء المستوطنات والطرق «وجدار الفصل العنصري»، ومن ثم، لا يزال تعاظم الشعور بالظلم واضحاً.

ويمثل قمة الحضيض بالنسبة للفلسطينيين أن إسرائيل تقرر ما «يُعطى» وما «تحتفظ به» وما «تستبدله»، وكل ما يمكن للفلسطينيين فعله هو «قول لا»، وفي هذه الحالة يتم تصويرهم على أنهم «معادون للسلام».

وهناك مصطلح آخر كثيراً ما يتم استخدامه هو «أحياء» لوصف المستوطنات في ما يصفه الإسرائيليون بـ«القدس الكبرى». ولعل استخدام هذا المصطلح بدلاً من «مستعمرة تم بناؤها بشكل غير قانوني على أراضٍ محتلة ومصادرة» ينقل صورة بسيطة ومريحة للأميركيين، ولكن بالنسبة للفلسطينيين تمثل هذه المستوطنات الضخمة، التي تتعرج وتحوط القدس وتحاصر وتخنق عشرات القرى العربية الصغيرة القديمة، قصة نزع ملكية وإنكار للحقوق.

وفي النهاية، يعتبر زعم نتنياهو أن الفلسطينيين منغمسون في التحريض، مثالاً آخر على سيطرة الإسرائيليين على مصطلحات النقاش.

وحتى إن وجدت تصريحات غاضبة من قبل زعماء سياسيين ودينيين فلسطينيين، فإن التحريض ليس مجرد قضية فلسطينية، فشركاء نتنياهو في الحكومة وصفوا الفلسطينيين بأنهم «غرباء» وطالبوا بطردهم من أراضيهم.

ووصف قادة دينيون إسرائيليون آخرون الفلسطينيين بأنهم «ثعابين» و«حشرات»، وزعموا أنه نظراً لأنهم ليسوا يهوداً، لا تنطبق عليهم قاعدة «عدم جواز القتل»!

وهناك أيضاً قداسة تسامح مع الإرهابي اليهودي الذي سفك دماء أكثر من عشرين مصلياً عربياً في مسجد الخليل، وكذلك المستوطنين الذين يتمتعون بحصانة عند الهجوم على مزارع الفلسطينيين ومحالهم ومنازلهم وما هو أكثر من ذلك.

والآن، لا أدري أية ألاعيب سحرية يخفيها أوباما ووزير خارجيته، مع اقترابنا من الموعد النهائي المحدد لتقديم كيري وثيقة إطار عمل لتحديد المسار الذي سيمضي فيه الفلسطينيون والإسرائيليون خلال المرحلة المقبلة من عملية السلام.

(الاتحاد)
التعليقات (0)