مقالات مختارة

الاستقطاب المذهبي إلى أين؟

هشام ملحم
1300x600
1300x600
الاستقطاب والعنف المذهبي الذي يشهده الشرق الاوسط غير معهود في العصر الحديث. الحركات السياسية الاسلامية (مثل "الاخوان المسلمين") بقيت محدودة النفوذ، وقت كانت شعوب المنطقة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولاكثر من قرن تتحرك من اجل الاستقلال او بناء الدولة - الامة Nation-State ووضع دساتير حديثة مستوحاة من التجارب الاوروبية وتشكيل برلمانات ومؤسسات حديثة، واعتناق خطاب سياسي غير ديني وغير مذهبي.

بروز الحركات الاسلامية، وبدايات الاستقطاب المذهبي وما تبعه من عنف، ظاهرة حديثة العهد ولها اسبابها السياسية والاستراتيجية، وهي عكس ما يعتقد كثيرون ليست صراعا دينيا او فقهيا او مذهبيا بالمعنى الضيق، بل صراعات تتعلق بالمصالح والهويات لمكونات الدول التي نشأت في المنطقة على انقاض امبراطوريات بائدة. السنّة والشيعة والعلويون وغيرهم من الذين يتقاتلون على جبهة ممتدة من جنوب آسيا (باكستان تحديدا) مرورا بالخليج وانتهاء بشرق المتوسط، لا يفعلون ذلك لحسم خلافات فقهية او غيبية، بل لأسباب سياسية واقتصادية او لتأكيد هويتهم او حماية "وجودهم" المهدد كجماعة او طائفة.

إخفاق الدولة - الامة الحديثة في ايجاد مجتمعات مبنية على مفهوم المواطنة، واخفاقها حتى في حماية الوطن وصيانة الحريات المدنية والسياسية، دفعت مواطنيها الى البحث عن "بدائل" سياسية نابعة من تقاليدها. هزيمة 1967 كانت من هذه المعالم التي ابرزت ضعف القومية العربية واتاحت الارض الخصبة للاسلاميين. بعدها الثورة الايرانية التي ابرزت البعد الشيعي على المستوى الاقليمي.

 في العقد الماضي ادى الغزو الاميركي للعراق الى تدمير البنية التقليدية لهذا لبلد، وتولي الاكثرية الشيعية للسلطة للمرة الاولى منذ تأسيس البلاد، وما صاحب ذلك من نفوذ لايران. ضعف الدولة الحديثة في العراق، وفي لبنان، والآن في سوريا يشجع الولاءات للطوائف والمذاهب.

لكن النزاع في سوريا هو الذي فجّر الاستقطاب المذهبي وحوّله الى عنف مروّع زج فيه المنطقة بكاملها. الحقيقة المرّة هي ان تركيبة النظام في سوريا منذ وصول البعث الى السلطة (كذبة الفكر القومي العلماني) كانت تركيبة مذهبية اوجدت هرما على رأسه حكام من الطائفة العلوية اقنعوا طوائف غير سنية بان مصالحها هي في بقاء هذه التركيبة التي همشت (سياسيا) أكثرية سنية عربية.

صحيح ان هناك "ائتلافا" سنّيا اقليميا يحارب في سوريا "ائتلافا" شيعيا اقليميا، وصحيح ايضا ان هذين الائتلافين مدعومان سياسيا وعسكريا من دول بعيدة، الا انه من الخطأ الاعتقاد مثلا ان مفتاح الحل هو في دول الاقليم التي ترعى المتحاربين على الارض او في واشنطن وموسكو. المفتاح هو في تغيير الطبيعة المذهبية للنظام في سوريا بطريقة او بأخرى.

(النهار اللبنانية)
التعليقات (0)

خبر عاجل