ملفات وتقارير

إسرائيل طورت برنامجها النووي.. تحت سمع وبصر الغرب

مفاعل ديمونة الاسرائيلي (أرشيفية) - ا ف ب
مفاعل ديمونة الاسرائيلي (أرشيفية) - ا ف ب
تناولت صحيفة "الغارديان" البريطانية السلاح النووي الإسرائيلي، حيث نشرت في عددها الخميس، أن "إسرائيل تسرق ومنذ الخمسينات الأسرار النووية، وتصنع القنابل النووية، وتغمض الحكومات الغربية بما فيها بريطانيا وأمريكا أعينها عنها".

وبدأ المحرر الدبلوماسي في "الجارديان" جوليان بورغر مقاله واصفا عملية بناء مفاعل ديمونا بشكل سري باستخدام تكنولوجيا إما "مسروقة أو تبرعت بها بعض الدول الصديقة". مضيفا أن هذه القصة تستخدم للتخويف من تطوير إيران للأسلحة النووية إلا أن "المخابرات الأمريكية والبريطانية لا تعتقدان بأن إيران قررت تطوير هذا السلاح، كما أن مشاريع إيران النووية تحت رقابة دولية مستمرة".

وأضاف الكاتب في مقاله أن "ما يتردد عن القنبلة النووية المخبأة في الصحراء فهي قصة حقيقية، حيث تمكنت إسرائيل بعملية تحايل كبيرة من بناء ترسانة نووية تقدر بـ 80 رأسا نوويا، أي بنفس مستوى الهند وباكستان وحتى قامت بتجربة تفجير قنبلة نووية قبل 50 عاما دون ضجة دولية أو معرفة الرأي العام".

وأشار الكاتب إلى أن "وجود السلاح النووي الإسرائيلي أصبح سرا مكشوفا منذ أن فضحه مردخاي فانونو عام 1986، إلا أن اسرائيل ترفض أن تؤكد أو تنفي. وعندما قرر رئيس الكنيست  السابق أبراهام بورغ الشهر الماضي الكشف بأن إسرائيل تملك أسلحة نووية وكيماوية دعت مجموعة يمينية إلى محاكمته بتهمة الخيانة".

"أما الحكومات الغربية فتماشت مع سياسة عدم الوضوح هذه بعدم ذكر القضية وعندما قامت الصحافية العريقة هيلين توماس بسؤال الرئيس باراك أوباما عام 2009 إن كان يعرف أي بلد في الشرق الأوسط يملك سلاحا نوويا أجاب بأنه "لا يريد أن يخمن"، وكذلك الحكومة البريطانية"، بحسب المقال.

وتابع بورغر، "إن التصدعات في هذا الجدار الصلب تظهر المزيد من تفاصيل بناء إسرائيل للأسلحة النووية بمواد مهربة وتكنولوجيا مسروقة".

كما يشير الكاتب إلى أن قائمة الدول التي باعت اسرائيل المواد والخبرة أو غضت الطرف عما تقوم به إسرائيل "تتضمن أشد الدول معارضة لانتشار الأسلحة النووية وهي أمريكا وفرنسا وبريطانيا وحتى النرويج".

هوليوود شاركت

وفي السياق ذاته، توجهت الصحيفة إلى هوليوود حيث قالت إنها تتضمن شبكة عملاء إسرائيلية تدعى "لاكام"، والتي قامت بشراء المواد المشعة والتكنولوجيا، وذكرت أشخاصا مثل منتج أفلام هوليوود الشهير البليونير آرون ملتشان والذي اعترف بدوره الشهر الماضي.

"ولم يتردد ملتشان باستخدام علاقاته في هوليوود لخدمة مشروعه السري الآخر"، قالت الصحيفة، مضيفة أنه "اعترف في زيارة الممثل ريتشارد درايفوس حين حاول أن يوظف العالم النووي الأمريكي أرثر بيهيل كعضو هيئة إدارة في احد شركاته".

وكان رئيس إسرائيل الحالي شيمون بيريس هو من جند ملتشان عندما التقاه في ناد ليلي في تل أبيب عام 1965.

وتابعت الصحيفة "ميلشان قام بتأمين تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى تصوير مخططات أجهزة الطرد المركزي بعد أن رشى مسؤولا ألمانيا كي يترك المخططات في مطبخه، وهي نفس المخططات التابعة للمجموعة الأوروبية لتخصيب اليورانيوم والتي سرقها الباكستاني عبدالقدير خان لبرنامج بلاده النووي ثم باعه لليبيا وشمال كوريا وإيران".

ولذلك فيري بورغر أن "أجهزة الطرد المركزية الإسرائيلية شبيهة جدا بتلك الإيرانية، وهذا ما ساعد إسرائيل على تطوير دودة الكمبيوتر المسماة (ستاكنت) وجربتها على أجهزتها قبل أن توصلها إلى الأجهزة الإيرانية عام 2010".

و"تحايل ميلشان لشراء اليورانيوم" بحسب بورغر، ففي عام 1968 اختفت سفينة محملة باليورانيوم في البحر الأبيض، حيث أستخدم ميلشان شبكة من الشركات الأوروبية لشراء اليورانيوم الخام وكان العقد بين شركتان -ألمانية وإيطالية-بمساعدة مسؤولين ألمان مقابل أن تساعدهم إسرائيل في تكنولوجيا الطرد المركزي. وحمل اليورانيوم الخام من ميناء انتويرب في بلجيكا في براميل مكتوب عليها (بلمبات)، وهي أحد مشتقات الرصاص، وحملت على سفينة تابعة لشركة ليبيرية مزيفة، ثم تم تسريح كل بحاريها في ميناء روتردام حيث أخبروا أن السفينة بيعت لشركة أخرى وأخذها بحارة اسرائيليون وفي البحر الأبيض وتحت حماية البحرية الإسرائيلية تم نقل البضاعة منها إلى سفينة أخرى.

التعاون مع نظام أبارتهيد

كما أن وثائق بريطانية أفرج عنها العام الماضي تكشف بأن إسرائيل اشترت 100 طن من اليورانيوم الخام من الأرجنتين عامي 1963 و 1964.

ولم يكن لدى إسرائيل أي مشكلة في مساعدة جنوب أفريقيا العنصرية في تطوير قنبلتها النووية في سبعينييات القرن الماضي مقابل 600 طن من اليورانيوم الخام، بحسب الوثائق.

كما أن المفاعل النووي يحتاج الى الماء الثقيل، أشارت الوثائق إلى أن "إسرائيل استطاعت عام 1959 من شراء 20 طنا من الماء الثقيل كانت بريطانيا اشترتها من النرويج وكانت زائدة عن حاجتها، ومع أن كل من بريطانيا والنرويج كانتا تعلمان أنه يمكن استخدامها في تطوير الأسلحة النووية إلا أنهما قررتا غض الطرف".

وكشفت الوثائق أن المشروع النووي الإسرائيلي لم يكن ليقوم لولا مساعدة فرنسا، البلد التي اتخذت الموقف الأصلب ضد البرنامج النووي الإيراني.

وبحسب اندري فنكلشتاين فقد وصل المفاعل الفرنسي النقطة الحرجة عام 1948 ولكن قرار بناء أسلحة نووية لم يتخذ حتى عام 1954 بعد زيارة بيير منديس فرانس رئيس وزراء فرنسا آنذاك لواشنطن، حيث قال لأحد معاونيه خلال رحلة العودة إنه "كان بالضبط كاجتماع لرجال العصابات، كل منهم يضع سلاحه على الطاولة، وإن لم يكن لديك سلاح فأنت لا أحد. لذلك يجب أن يكون لدينا برنامج نووي". وأعطى تعليماته لبناء قنابل نووية.

الدور الفرنسي

وفي السياق ذاته، قالت الصحيفة أنه "وبينما شرعت فرنسا في برناماجها النووي قامت ببيع المواد والخبرة لغيرها من الدول وليس لإسرائيل فقط حتى أنها صدرت بعض المعدات للعراق وباكستان بحسب فنكلستاين".

وأضافت أن "ديمونا فوصلها عدد كبير من المهندسين الفرنسيين ومع نهاية عقد الخمسينيات وصل عدد الفرنسيين في البلدة 2500 فرنسي أنشئوا لهم مدارس، ولكن وجودهم كان محاطا بالسرية، حيث كان لا يسمح لهم مراسلة عائلاتهم من هناك بل كانوا يستخدمون صندوق بريد في أمريكا اللاتينية لمراسلاتهم".

وتابعت الصحيفة "حاولت إسرائيل إخفاء أمر المفاعل عن بريطانيا وأمريكا مخبرة إياهما بأنه مركز أبحاث للمراعي تارة ومصنع منغنيز تارة أخرى. وقامت طائرات التجسس الأمريكية "يو2" بتصويره لمعرفة ماذا يجري فيه. وهو ما أدى لاعتراف الإسرائيليين بوجود مفاعل ولكنهم أصروا على أنه لأغراض سلمية، وأن الوقود المستنفذ يتم إرساله إلى فرنسا لإعادة تصنيعه. ولم تعترف إسرائيل طيلة الستينيات عن وجود منشأة تحت الأرض تقوم بإعادة تصنيع الوقود المستنفذ الى بلوتونيوم لصناعة القنابل النووية.

رفض الرقابة الدولية

وفي وقت سابق، رفضت إسرائيل أي تفتيش من وكالة الطاقة الذرية الدولية فاتفق معها الرئيس الأمريكي كيندي في الستينيات لإرسال فرق تفتيش أمريكي وقد أرسل علماء فيزياء أمريكيون إلى ديمونا، ولكن تمت مخادعتهم منذ البداية ولم يسمح لهم بالزيارة مرتين في السنة كما كان مقترحا، كما لم يسمح لهم باستخدام الأجهزة التي جلبوها معهم ولم يسمح لهم بأخذ أي عينات.

وقال بورغر إنه "وبتواتر الأدلة على قيام اسرائيل بتصنيع أسلحة نووية تحول الدور الأمريكي من المخدوع الغبي إلى الشريك المتردد، حيث كانت أمريكا في نهاية الستينيات تأمل في توقيع معظم الدول على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وخشيت إن افتضح أمر السلاح النووي الإسرائيلي ألا توافق الدول العربية التوقيع على الاتفاقية". 

وأضاف أن "ذلك كان هو الموقف خلال رئاسة جونسون، وتم الاتفاق عليه رسميا بين نكسون وغولدامائير بألا يضغط على إسرائيل توقيع الاتفاقية مقابل ألا تكون إسرائيل أو من يدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط او تفعل شيئا لجعل وجود مثل هذه الأسلحة معلنا".

وتابع "ومع أن المخابرات المركزية أخبرت اللجنة التنظيمية للأنشطة النووية في الولايات المتحدة عام 1976 من شكها بأن المواد المستخدمة في القنابل النووية الإسرائيلية قد تكون مسروقة من منشأة تصنيع يورانيوم أمريكية في بنسلفانيا ولكن التحقيق في الموضوع أغلق بسرعة ولم توجه تهم لأي شخص".

وأشار بورغر في مقاله إلى أنه "وفي 22 أيلول 1979 رصد القمر الصناعي الأمريكي (فيلا6911) تجربة نووية قبالة سواحل جنوب أفريقيا واقتنع خبير الطاقة الذرية ليونارد ويس من أن تجربة نووية قد أجريت هناك وكان يشك أن حكومة جنوب أفريقيا هي من اجرت التجربة إلا أنه يقول إنه لم يدرك أن إسرائيل هي من أجرت التجربة إلا بعد ما حاول الرئيس ريغان والكونغرس إسكاته بشأن الحادث".

وأخبرت مصادر اسرائيلية الصحفي الأمريكي الاستقصائي سيمور هيرش أن التجربة التي رصدها القمر الصناعي كانت هي ثالث تجربة نووية تقوم بها اسرائيل بالتعاون مع جنوب أفريقيا.

"وتستمر أمريكا في سياسة الصمت تجاه التعاملات الإسرائيلة في المواد النووية في السوق السوداء"، قال الكاتب وأضاف أنه "وبحسب أفنر كوهين الذي ألف كتابين حول القنبلة الإسرائيلية، فسياسة الغموض في أمريكا وإسرائيل هي استمرار للماضي وذلك لأن أحدا لا يجرؤ على فتح هذه الملفات الشائكة من أصغر مسؤول أمريكي إلى الرئيس أوباما".

واختتم الكاتب مقالته قائلا: "في العالم العربي وما بعد فراغ الصبر حيال كيل المجتمع الدولي بمكيالين، هناك دول وبالذات مصر تهدد بالانسحاب من اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية ما لم يكن هناك تقدم لجعل الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية".
التعليقات (0)