كتاب عربي 21

حكومة نتنياهو ومستقبل "العملية السياسية"

أنطوان شلحت
1300x600
1300x600
من الواضح أن تركيبة حكومة بنيامين نتنياهو الحالية لا تبشّر باحتمال حدوث اختراق كبير في العملية السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لدى انتهاء المهلة المحدّدة لجولة المفاوضات الحالية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في نيسان/ أبريل المقبل. 

وقد أثبتت نتائج الانتخابات الإسرائيليّة التي أفرزت هذه الحكومة قبل نحو عام، في ما أثبتت، أن الحملات الانتخابيّة التي دارت حول جدول أعمال حمَلَ اسم "العمليّة السياسيّة" التي تنطوي على انسحابات من المناطق المحتلّة، وتفكيك مستوطنات، قد باءت بالفشل. 

وباستثناء حزب "ميرتس"، كانت رئيسة حزب "هتنوعا" (الحركة) تسيبي ليفني الوحيدة التي طرحت العمليّة السياسيّة، وحصدت نتيجة ذلك ستّة مقاعد فقط، أمّا رئيس حزب "يش عتيد" ("يوجد مستقبل") يائير لبيد، ورئيسة حزب العمل السابقة شيلي يحيموفيتش، فلم يوليا المسألة اهتماماً كبيراً.

بموازاة ذلك، فإنّ الحملة الانتخابيّة التي نجحت فعلاً هي تلك التي ركّزت على جدول الأعمال المتعلّق بـ "تحسين حياة اليهود". 
ولم يكن لبيد وحده الذي ابتعد عن الحديث عن مستقبل المناطق المحتلّة، وركّز على ضرورة عدم مس الطبقة الوسطى، والحاجة إلى خفض غلاء المعيشة وأسعار الشقق السكنيّة، بل إنّ هذا هو ما فعله كذلك نفتالي بينيت، زعيم حزب "البيت اليهوديّ" الذي زاد قوّة اليمين الاستيطانيّ في الكنيست الحالي بنحو ضعفين. 

كذلك اتّسمت معركة الانتخابات تلك بتصاعد مكانة المستوطنين ونفوذهم، وبالتالي كان من الطبيعي أن تطبع هذه السمة بميسمها مرحلة ما بعد الانتخابات أيضاً وصولاً إلى أيامنا الحالية. 

ولم ينعكس تصاعد نفوذ المستوطنين هذا في اتّساع شعبيّة حزب "البيت اليهوديّ" وفي علوّ مكانته فحسب، وإنّما انعكس أيضاً في تعزيز سيطرتهم على الليكود الذي أصبح "استيطانيّا أكثر" (على حدّ تعبير أحد المعلّقين)، ونجاحهم في احتلال مرتبات متقدّمة في قائمة "الليكود- بيتنا" (تحالف حزبي الليكود و"إسرائيل بيتنا")، وفي واقع فرض "التعاطف" مع أَجِنْدتهم على جميع الأحزاب الصهيونيّة.

ويحيل هذا الأمر إلى عدّة أفكار تتعلّق بطبيعة المرحلة الراهنة، لعلّ أبرزها فكرة أنّ "الخلافات" بين الإسرائيليّين إزاء مستقبل المناطق المحتلة منذ العام 1967 قد حُسمت لمصلحة المستوطنين، وأنّ نُذُر هذا الحسم قد لاحت منذ تنفيذ "خطّة الانفصال" عن قطّاع غزة في خريف 2005. 

ومنذ تأليف حكومة بنيامين نتنياهو الحالية بدا أنها في كلّ ما يتعلّق بسياستها إزاء الفلسطينيّين، ستقف أمام خَيارين: 
• الأوّل: الاستمرار في الأسلوب الذي استخدمه رئيسها على مدار الأعوام الأربعة الفائتة من ولاية حكومته السابقة، وفحواه الجمود السياسيّ، ومواصلة سياسة البناء في مستوطنات الضفّة الغربيّة، والمعارضة الصارمة لإقامة دولة فلسطينيّة؛
• الثاني: تغيير مقاربته هذه إلى ناحية "تحريك العمليّة السياسيّة" من خلال معاودة المفاوضات فقط.

كما كان واضحاً أنه في حال اللجوء إلى الخَيار الثاني، وهو ما حدث فعلاً، فإنّ ما سيكون في جعبة الحكومة الإسرائيليّة بشأن عناصر الحلّ أدنى ممّا كان في جعبة الحكومات السابقة خلال جولات المفاوضات الماضية.

ويشهد على ذلك كلّ ممّا يلي:
أولاً، أنّ برنامج حزب "يش عتيد"- الشريك الرئيسيّ في الحكومة- لحلّ القضيّة الفلسطينيّة شبيه إلى حدّ بعيد ببرنامج الليكود وفق ما طُرح في الخطاب الذي ألقاه نتنياهو في جامعة بار إيلان في حزيران/ يونيو 2009، وجوهره الموافقة على إقامة دولة فلسطينيّة منزوعة السلاح تعترف بإسرائيل كدولة يهوديّة، ولا تهدّد حاجات إسرائيل الأمنيّة التي لا ضفاف لها.

ثانياً، أنّ حزب "البيت اليهوديّ"- الشريك الرئيسيّ الثاني في الحكومة- يعارض أيّ حلّ للقضيّة الفلسطينيّة، ويطرح خطّة من 7 نقاط لِما يسمّيه "إدارة الصراع في يهودا والسامرة [الضفّة الغربيّة]"، تنصّ على ما يلي:

1- فرض السيادة الإسرائيليّة على مناطق "ج" (C)، على نحوٍ أحاديّ الجانب.

2-  منح المواطَنة الكاملة لخمسين ألف عربيّ يعيشون في المناطق التي سيجري ضمّها. وهكذا يجري سحب البساط بالكامل من تحت مزاعم الأبارتهايد. ففي المناطق "ج" يعيش 350 ألف يهوديّ وَ 50 ألف عربيّ فقط. وهؤلاء سيتحوّلون إلى مواطنين إسرائيليّين كاملين. وبموجب ذلك، لن يُطرَد أيّ عربيّ وأيّ يهوديّ من بيته.

3- منح حكم ذاتيّ كامل مع تواصل بواسطة المواصلات للمناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينيّة.

4- عدم دخول أيّ لاجئ فلسطينيّ من الدول العربيّة إلى الضفّة، وذلك خلافًا لمفهوم الدولة الفلسطينيّة الذي يسمح باستيعاب ملايين اللاجئين الفلسطينيّين من جميع الدول العربيّة، وخلافًا لِما وافق عليه نتنياهو في خطاب بار- إيلان.

5- فرض مظلّة أمنيّة إسرائيليّة كاملة على جميع مناطق الضفّة. 

6- تكريس الفصل بين غزّة والضفّة، على أن يجري ضمّ غزّة تدريجيّا إلى مصر. 

7- استثمار اقتصاديّ مكثّف من أجل تعزيز التعايش بين إسرائيل والعرب.

"إرث أوسلــو"!

ثمّة مَن يعتقد أنّ سنة 2000 كانت مفصليّة في سياق العمليّة السياسيّة، لكونها شهدت تفجُّر مفاوضات كامب ديفيد، وولادة مقولة "لا يوجد شريك فلسطينيّ للحلّ"، وانتقال المؤسّسة السياسيّة في إسرائيل من برادايم "تسوية الصراع" إلى برادايم "إدارة الصراع"، وهو تعبير لائق سياسيّا لمقاربة محاربة الصراع، وأدّى بدوره إلى المقاربة الأحاديّة الجانب كما انعكست في "خطّة الانفصال" عن غزّة التي نُفِّذت، وفي "خطّة الانطواء" التي دُفنت إثر حرب تمّوز/ يوليو 2006 على لبنان، واستُعيض عنها بمؤتمر أنابوليس سنة 2007 الذي أعاد إنتاج مقولة "اللا شريك". 

وينبغي عدم استبعاد التحليلات التي ترى أنّ "خطّة الانفصال" حسمت الخلافات الإسرائيليّة الداخليّة بشأن مستقبل المناطق المحتلّة منذ 1967 لمصلحة المستوطنين، وأنّ أريئيل شارون نجح من خلال إخلاء آلاف قليلة من المستوطنين من "غوش قطيف" في أن يُظهر للعالم أجمع الصعوبةَ الكامنة في إخلاء مئات آلاف المستوطنين من الضفّة الغربيّة.

وقد اتّسمت ولاية حكومة نتنياهو السابقة بفائض القوّة لدى اليمين، وبدفع المحاولات الرامية إلى إحكام هيمنته على أَجِنْدة إسرائيل في سياق العلاقة مع الفلسطينيّين في مناطق 67 وَ 48، وفي ما يتعلّق بالأوضاع الداخليّة وعوامل صوغها. غير أنّ ولايتها تزامنت مع حدثين كبيرين: الأوّل ثورات "الربيع العربيّ"؛ الثاني حملة الاحتجاج الاجتماعيّة الإسرائيلية في صيف 2011.

وبينما تسبّبت حملة الاحتجاج في تقديم موعد الانتخابات العامّة التي أسفرت عن تحجيم فائض القوّة لدى اليمين وقدرته على دفع أَجِنْدته الداخليّة، فإنّ هذا اليمين استغلّ "الربيع العربيّ" كي يُقنع العالم بعدم ضرورة حلّ القضيّة الفلسطينيّة سريعاً.

مع ذلك، علينا التنويه أنّ مشكليّة غاية إسرائيل من العمليّة السياسيّة ليست كامنة في ما شهدته سنة 2000 من وقائع فحسب، وإنّما كذلك في ما يسمَّى بـِ "إرث أوسلو"، وحقيقة اشتماله على العناصر الأساسيّة التي يتكوّن منها الموقف الإسرائيليّ الراهن إزاء الحلّ.

ويمكن أن نبرهن على ذلك من خلال استعادة أهمّ ما ورد في آخر خطاب ألقاه رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين في الكنيست في الخامس من تشرين الأوّل/ أكتوبر 1995، أي قبل شهر واحد من اغتياله، وتحدّث في سياقه عن رؤيته بشأن جوهر التسوية مع الفلسطينيّين، والتي ليس من قبيل المبالغة القول إنّها بقيت ترخي بظلالها على التطوّرات اللاحقة. 

وممّا قاله فيه: "إنّنا نعتبر أنّ الحلّ الدائم (للصراع الإسرائيليّ- الفلسطينيّ) سيكون في إطار أراضي دولة إسرائيل التي ستشمل أغلبيّة مناطق أرض إسرائيل - كما كانت عليه الحال أيّام الانتداب البريطانيّ-، وسيُقام إلى جانبها كيان فلسطينيّ سيكون وطناً لمعظم السكّان الفلسطينيّين المقيمين في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، ونريد أن يكون هذا الكيان أقلّ من دولة كي يصرّف على نحوٍ مستقلٍّ حياةَ الفلسطينيّين الذين يخضعون له... وستتجاوز حدود دولة إسرائيل لدى تطبيق الحلّ الدائم خطوط ما قبل حرب الأيّام الستّة، حيث إنّنا لن نعود إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967... وسيجري تثبيت الحدود الأمنيّة للدفاع عن دولة إسرائيل في غور الأردنّ في أوسع معنى لهذا المفهوم".

وأضاف رابين: "إنّ القدس ستكون موحَّدة بوصفها عاصمة إسرائيل وتحت سيادتها، لتشمل كذلك (مستوطنتي) معاليه أدوميم وغفعات زئيف"، مؤكّداً ما يلي: "لقد توصّلنا إلى اتّفاق، وتعهّدنا أمام الكنيست بعدم اقتلاع أيّ مستوطنة في إطار الاتّفاق المرحليّ، وبعدم تجميد البناء والنموّ الطبيعيّ... إنّنا نعي الفرص والمخاطر على حدّ سواء، وسنبذل قصارى جهدنا لاستنفاد الفرص وتقليص المخاطر".

إن ما تقدّم يعني، وَفق المنطق السليم، أنّ المؤسّسة السياسيّة الإسرائيليّة مستمرّة في تطبيق المدلول الحقيقيّ لـِ "إرث أوسلو"، ولا سيّما تشديده على وجوب أن تكون أيّ تسوية للصراع مستندة إلى تلبية "حاجات إسرائيل الأمنيّة" بموجِب مفهومها لهذه الحاجات الذي يعتبرها مطاطة ولا يحدّد نهاية لها- كما ذكرنا آنفًا.

 (*) باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، رام الله.       
التعليقات (0)