قضايا وآراء

معركة إبادة الطفولة وحمام الدم الفلسطيني.. ماذا يجري؟ وماذا بعد؟

محمود النجار
استهداف ممنهج للأطفال في غزة- الأناضول
استهداف ممنهج للأطفال في غزة- الأناضول
هكذا هم البلطجية والجبناء، حين تثير الحلقة القوية فيهم الرعب؛ يلجؤون إلى الحلقة الضعيفة؛ فيستقوون على الأطفال والنساء، ظنا منهم أنهم يحققون بذلك انتصارا على الأقوياء بقتل أبنائهم ونسائهم، وهو ذات أسلوب عصابات المافيا التي تلجأ إلى قتل أبناء غريمها أو اختطافهم حين تعجز عن مواجهته.. إن الخسة والإجرام والوحشية التي يمارسها جيش الاحتلال في هذا العدوان الهمجي، هي العنوان الأبرز لجريمة ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

بتاريخ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر صرحت الأمم المتحدة بأن القوات الإسرائيلية قتلت خلال شهر من حربها على قطاع غزة الفقير والمحاصر من الأطفال، بما يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا في 22 صراعا مسلحا حول العالم خلال 4 سنوات، وكان عدد الشهداء من الأطفال حينها نحو 4 آلاف، وحين يتضاعف الرقم اليوم؛ فإن ذلك يعني أن القتلى من الأطفال أصبح أكثر ممن قتلوا في 44 صراعا حول العالم في 8 سنوات، إن صحت العملية الحسابية بهذه الطريقة. إلا أن الجريمة لا يمكن التحدث عنها بالأرقام، بقدر ما يمكن التحدث عنها بلون الدم، ومشهد البطون المبقورة، والعظام المهشمة، والجماجم المفلوقة..!!

لا يمكن لي وأنا الذي عشت أو تابعت عددا كبيرا من المعارك منذ 1967 حتى اليوم، أن أتخيل مجرد تخيل مثل هذه الفظاعة التي يتم من خلالها سفك دم الأطفال ومنهم الرضع بهذه الوحشية والهمجية، بل إنني لا أستطيع أن أتخيل موت أطفال العدو بهذه الطريقة أو أقل منها، وهو الذي يحتل أرضنا ويغتصب حقولنا ويهدم بيوتنا ويقتل أبناءنا ويجرف أحياءنا، ويدنس مقدساتنا..

على الرغم من الخسارات الفادحة لأهل غزة في الأرواح والمنشآت الخاصة والعامة، إلا أن القهر الذي أصاب العدو كان أفدح بكثير مما أصابهم، على الرغم من أنهار الدم التي لم تترك مكانا إلا خلفت فيه حمرة قانية ودمارا مهولا؛ فقد كان من مخرجات هذا العدوان الغاشم أن باتت الرواية الفلسطينية هي الأبرز والأصدق في عين البشرية وقلبها؛ فقد كان من أهم التحولات في المشهد الفلسطيني أن أصبحت السردية التاريخية الفلسطينية محل وعي الشعوب واهتمامها

إنهم يقتلون الأطفال والنساء نوعا من الانتقام من كل ما هو فلسطيني، ولأنهم يعدّون كل طفل فلسطيني مشروع مقاوم؛ وكل امرأة مشروع أم ولود، لذلك يقتلونهم بدم بارد، فهم يخوضون حربا جبانة ليقوضوا كل شيء يمت لفلسطين التاريخية بصلة.

إنهم ينتقمون بهذه الطريقة لأنهم لا يملكون وسيلة أخرى للانتقام من خزيهم وعارهم الذي تجرعوه في اجتياح المقاومة لغلاف غزة، وقتل من قتلوا من الضباط والجنود وأسر من أسروا من العسكريين والمدنيين الذين تعاملت المقاومة معهم بكثير من التحضر والإنسانية والأخلاق التي أقرها الإسلام، وقد فاقم التعامل الأخلاقي مع الأسرى حقدهم على المقاومة وحاضنتها الشعبية؛ بما كان من دور للإعلام من كشف فضائحي لسلوكهم الجبان وكشف إنساني لسلوك المقاومة المتحضر، وقد كان الدور الأكبر في معركة الإعلام ما قام به الشباب العربي والإسلامي وكثير من المنصفين في العالم من بث على مواقع التواصل الاجتماعي.

فعلى الرغم من الخسارات الفادحة لأهل غزة في الأرواح والمنشآت الخاصة والعامة، إلا أن القهر الذي أصاب العدو كان أفدح بكثير مما أصابهم، على الرغم من أنهار الدم التي لم تترك مكانا إلا خلفت فيه حمرة قانية ودمارا مهولا؛ فقد كان من مخرجات هذا العدوان الغاشم أن باتت الرواية الفلسطينية هي الأبرز والأصدق في عين البشرية وقلبها؛ فقد كان من أهم التحولات في المشهد الفلسطيني أن أصبحت السردية التاريخية الفلسطينية محل وعي الشعوب واهتمامها، بل إن أعدادا كبيرة من الناس في الغرب اعتنقوا الإسلام جرّاء ما رأوا من سلوك المقاومة وقوتها وعنفوانها وعدم رضوخها الذي أذهل العالم، وأسهمت الأسيرات اليهوديات المفرج عنهن بشكل كبير في الكشف عن حقيقة المقاومة وأدائها الذي هيّج العالم ضد الكيان المحتل..

بعد سنوات طويلة من العمل الإعلامي والسينمائي والشعبي والرسمي لرسم صورة مشرقة للاحتلال؛ تغير المشهد تماما، وبات كثير من مؤيدي الأخير وأنصاره في المعسكر المضاد للصهيونية بوعي وإدراك، فقد بات العالم ينظر لهم كعصابة لصوص وقتلة، ناهيك عن الإجلال الذي حازته المقاومة بعد سنوات من وصمها بالإرهاب وهو ما كان مستقرا في روع هؤلاء الذين انقلبوا على ساستهم بعد أن اكتشفوا كذبهم وخداعهم، وما التظاهرات التي غصت بها الشوارع الرئيسية في العواصم الغربية إلا دليل دامغ على هذه التحولات الجذرية..

ولم تتوقف هذه التحولات على الغربيين، بل مست شريحة كبيرة من اليهود داخل مجتمعهم في أرض فلسطين بطريقتين: الأولى تتصل بإحساس كثير منهم بأن ثمة ظلما يقع على الفلسطينيين، وأن حكومتهم قاتلة وظالمة، والثانية التحول القائم على الخوف والقلق من القادم الحتمي؛ فقد غادر الكيان مئات الآلاف، وبات كثيرون يبحثون عن بلد آمن لاستقبالهم، وكانت البرتغال هي الدولة المجمع عليها بسبب قوانين الهجرة التي تواتيهم.

نعم لقد قتلوا أطفالنا ونساءنا ودمروا بيوتنا وجوّعوا أطفالنا، لكنهم لم يكسروا روحنا المعنوية، ولم يفتوا في عضدنا، بينما كسرنا نحن روحهم المعنوية وقتلناهم رعبا وتربصا لما سيكون في السنوات القليلة القادمة، فباتوا يعيشون في دائرة الكوابيس التي لا تنتهي ولن تنتهي

كذلك فقد كان لما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من اجتياح المقاومة لغلاف قطاع غزة أثر كبير على الفلسطينيين بخاصة والعرب بعامة؛ بحيث أصبح إيمانهم باقتراب تحرير فلسطين أمرا مسلّما به، لا سيما أن ثمة نبوءات إسلامية وأخرى توراتية وتاريخية تؤشر على ذلك، وهو ما جعل هؤلاء أكثر تمسكا بخيار المقاومة، وأكثر شغفا بالمقاومين وشدة بأسهم.

كذلك فقد كشف السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عن الجبن الذي يسكن قلوب أفراد جيش الاحتلال، والارتعاد من مشاهدة المقاوم الفلسطيني والرعب من مواجهته؛ فقد هرب كثير من الضباط من غلاف غزة تاركين خلفهم الجنود لمصيرهم الأسود، وشكل استسلام كثير منهم لمقاتلي القسام وهروب آخرين أكبر هزيمة نفسية مني بها الكيان الصهيوني منذ نكبة 1948حتى اليوم، فقد تأكد لنا أنه جيش هش منهار من الداخل، بعد أن تحطمت صورته الوهمية التي تقول بأنه جيش لا يقهر..

ويكفي هنا أن نتحدث عن ملياري شيكل رصدها الاحتلال لمعالجة الحالات النفسية للمستوطنين الذين تحدث نصفهم عن عدم قدرتهم على النوم بدون أقراص منومة..

وأخيرا.. نقول: نعم لقد قتلوا أطفالنا ونساءنا ودمروا بيوتنا وجوّعوا أطفالنا، لكنهم لم يكسروا روحنا المعنوية، ولم يفتوا في عضدنا، بينما كسرنا نحن روحهم المعنوية وقتلناهم رعبا وتربصا لما سيكون في السنوات القليلة القادمة، فباتوا يعيشون في دائرة الكوابيس التي لا تنتهي ولن تنتهي حتى تحرير آخر شبر من فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. 
التعليقات (0)