اقتصاد عربي

خديعة "الأوفشور".. شركات مصرية كبرى تواصل الهروب للخارج

تضخم كبير في الأسعار بمصر وشح في العملة الصعبة- جيتي
تضخم كبير في الأسعار بمصر وشح في العملة الصعبة- جيتي
تواصل شركات مصرية كبرى عمليات التسجيل والبيع لبعض أصولها بالخارج هربا من أوضاع وقوانين السوق المحلية واحتماء بقوانين وأسواق دولية أخرى، في إجراء قانوني تقره جهات حكومية مصرية، ويمنح تلك الشركات الحق بنقل أرباحها بالدولار للخارج دون مساءلة.

وعلى طريقة ما يعرف بنظام "الملاذات الضريبة"، أو "الأوفشور"، وكما فعلت العديد من الكيانات المصرية بينها ورثة محمد فريد خميس بشركة "النساجون الشرقيون" قبل 10 شهور، باعت شركة "دومتي" إحدى أكبر منتجي العصائر والألبان بمصر حصص عائلة الدماطي المؤسسة للشركة، لأخرى مسجلة بالخارج.

"بموافقة حكومية"

وشهدت البورصة المصرية، الثلاثاء الماضي، تنفيذ صفقة على أسهم شركة الصناعات الغذائية العربية "دومتي" بقيمة 445.84 مليون جنيه –الدولار رسميا نحو 31 جنيه- تشمل بيع 69.55 مليون سهم، بموافقة الهيئة العامة للرقابة المالية، ودون سداد نقدي.

"دومتي" وفي بيان إفصاح الأربعاء، قالت إن الصفقة تتضمن نقل حصة مملوكة لعائلة "الدماطي" تمثل 24.61 بالمئة، لصالح شركة "International dairy investment"، وهي الشركة المملوكة أيضا وبالكامل لعائلة الدماطي ومسجلة بجزر الكايمن، الواقعة غرب "البحر الكاريبي"، وتعتبر مركزا استثماريا قليل الضرائب، وجاذبة لشركات "الأوفشور".

وتأسست شركة الصناعات الغذائية العربية "دومتى"، عام 1990، وتقدم منتجات الأجبان والعصائر.

تسيطر عائلة الدماطي (محمد، وزياد، وعمر، وفاطمة، وخالد الدماطي، وزينب شاهين)، على نحو 89 بالمئة من أسهم دومتي منذ أيلول/ سبتمبر 2022، فيما ارتفعت مبيعات الشركة إلى 1.7 مليار جنيه وحققت أرباحا بلغت 151.6مليون جنيه بالربع الأول من العام الجاري.

"نظام الأوفشور"

و"الأوفشور"، مفردة تُطلق على حسابات تفتحها شركات محلية خارج حدود مقرها الأصلي بطريقة قانونية لتجنب دفع نسب ضرائب عالية في بلدها الأم.

تلك الدول التي تقدم هذه الخدمة، تتسابق فيما بينها على تقديم قوانين وتسهيلات وسرية تامة للحسابات، ما يدفع شركات الدول الأخرى للجوء إليها هربا من قوانين تراها مجحفة بها في موطنها.

اظهار أخبار متعلقة


لذلك فإن هذا النظام بنقل الملكية للخارج، والذي لجأت له "دومتي" ومن سبقوها يسمح لهم بتحويل أرباح شركاتهم بالعملات الصعبة للخارج، كما يجعلهم خاضعين لقوانين استثمار أجنبية تحميهم من أية قرارات اقتصادية مصرية لا يقبلونها، وفق متحدثين لـ"عربي21".

ويرجع البعض أمر ذلك الهروب سواء من "دومتي" أو "النساجون" وغيرهما إلى تغول بعض القوانين المصرية الطاردة للاستثمار، والخوف من مصير رجال أعمال طمع النظام بشركاتهم، كمؤسس شركة "جهينة" صفوان ثابت، ومالك محلات "التوحيد والنور" سيد السويركي، ورجل الأعمال حسن مالك، وحبسهم، وغيرهم.

لكن البعض الآخر ، يرى رجال الأعمال يلجأون لهذا الإجراء لكي يتمكنوا من تحويل مكاسب شركاتهم بالدولار لخارج مصر، وذلك في ظل أزمات شح العملة الصعبة وقيود حكومية على الاستيراد وعلى توفير الدولار من البنوك، واضطرار المستثمرين لتوفيرها من السوق السوداء.

في المقابل، أرجع كثيرون سبب ذلك الهروب إلى سياسات الجباية والنهب التي تقوم بها حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بحق المصريين ورجال الأعمال، مع سيطرة الجيش والجهات السيادية على اقتصاد البلاد.

اظهار أخبار متعلقة


لكنّ مراقبين بينهم رجل الأعمال المصري الأمريكي محمود وهبة، يرون أن ذلك النظام له آثار سلبية على الاقتصاد المصري، ونشر في 4 كانون الثاني/ يناير الماضي، أسماء وعناوين 356 شركة مصرية لها حسابات سرية بالخارج عبر شركات "الأوفشور" الوهمية أو "الملاذات الضريبية".

وعبر صفحته على "فيسبوك" تقدم ببلاغ للنائب العام المصري للتحقيق مع تلك الشركات، ووقف عمليات تهريب للأموال من مصر للخارج.

وتواجه الحكومة المصرية أزمة شح الدولار، وسط تفاقم ديونها الخارجية البالغة نحو 165 مليار دولار وحلول آجال خدمة الدين من فوائد وأقساط، ما دفعها لاتخاذ قرارات أضرت بملف الاستيراد ما أثر على الكثير من الشركات.

ويظل أمر تحويل الدولار للخارج عقبة كبيرة أمام الحكومة المصرية التي اتفقت الأربعاء الماضي، مع الصناديق السيادية الخليجية "أبوظبي التنموية القابضة"، و"صندوق الاستثمارات العامة السعودي" أبرز المستثمرين في الشركات المصرية على بقاء أرباحهم من تلك الشركات في مصر لمدة 3 سنوات، وفقا لصحيفة "البورصة".

"الدولار.. وفقدان الأمان"

وفي قراءته لأسباب تتابع هروب الشركات المصرية الكبرى والتسجيل بالخارج، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور مصطفى شاهين، إن "هروب الشركات من مصر أسبابه معروفة، والأول منها والرئيسي، عدم توافر الدولار".

مدرس الاقتصاد بكلية أوكلاند الأمريكية، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "عندما لا تستطيع شركة من الشركات المحلية توفير الدولار، فحتما ستهرب لأنها لا تستطيع استيراد الخامات وقطع الغيار والبضائع التي تحتاجها لعمليات التشغيل".

اظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أن السبب الثاني في الهروب المتكرر للشركات وفق رؤيته أن هذه الشركات لا تشعر بالاستقرار.

ولفت إلى وجود "حالة فزع، ومخاوف من أن تُسرق منك أموالك أو شركاتك كما حدث مع كثيرين، مثل صاحب محلات التوحيد والنور سيد السويركي، وسوبر ماركت أولاد رجب، ومؤسس شركة جهينة صفوان ثابت، وغيرهم".

"ليست وحدها"

وشهد 25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الإعلان الرسمي الأول للجوء شركة مصرية إلى نظام الأوفشور، حيث أعلنت شركة النساجون الشرقيون عن عمليات بيع صوري ونقل لملكية "24.61 بالمئة" من أسهمها ببورصة مصر، لشركة إنجليزية، تحمل اسم " FYK LIMITED"، بقيمة 1.37 مليار جنيه.

بيان الشركة، حينها أوضح الهدف هو زيادة قدرتها على تنوع مصادر التمويل دوليا وتعزيز المعاملات التمويلية، مؤكدا أن نجلتي فريد خميس ياسمين، وفريدة، هما المالكتان للشركة الإنجليزية بنسبة 100 بالمئة، وتحتفظان بنسب ملكيتهما في "النساجون الشرقيون" بشكل غير مباشر.

وهناك توجه لافت من بعض رجال الأعمال بتحويل تركيز استثماراتهم في بلدان أخرى، ما تمثل في إعلان الملياردير المصري نجيب ساويرس، في 21 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الاستثمار ببناء محطات شحن السيارات الكهربائية بالمغرب، وبعض دول أفريقيا.

وذلك بعد تكرار شكوى ساويرس، الرئيس التنفيذي لشركة "أوراسكوم للاستثمار"، من تغول القطاع الحكومي وشركات الجيش على أعمال القطاع الخاص في مصر.

وفي 2 أيار/ مايو الماضي، أعلن شقيقه سميح ساويرس، الذي يمتلك نحو 1.5 مليار دولار توقفه تماما عن الاستثمار في مصر، وعدم دخول مشروعات جديدة بها، بسبب أزمة الدولار، وأنه سوف يتوجه باستثماراته للسعودية.

"السيطرة والاحتكار"

وفي رؤيته، قال الباحث والمحلل الاقتصادي الدكتور أحمد البهائي، لـ"عربي21": "حذرنا من 2016 من هذا المشهد على مسرح الاقتصاد بمصر، وما يحدث يذكرنا بـ"فرمان 1867"، العثماني الذي منح الأجانب حق التملك والشراء بمصر دون قيود، بسبب الحاجة للمال".

وأكد البهائي أن "المراقب لمسرح الحياة الاقتصادية يعرف أن النضال الوطني حرر تراب مصر من الاحتلال العسكري، بينما اقتصادها الوطني يرضخ تحت السيطرة والاحتكار الأجنبي".

 وأوضح أننا "في عصر تسوده مؤسسات كبيرة تشترك فيها رؤوس الأموال من جميع الجنسيات، التي تستغل حجم وكم التداخل والتشابك واختلاط الاستثمارات المالية وتعقدها في المشروعات والشركات والبنوك".

اظهار أخبار متعلقة


 وتابع: "بمعنى أكثر دقة سوف يكون أخطر ما في رؤوس الأموال تلك استحواذها الكامل نتيجة لنسبتها وحجمها على الاقتصاد الوطني، وتمتعها بامتيازات تبيح لها الانفراد باستغلال مرافق معينة دون مزاحم، وفرض إرادتها على الجمهور، واحتكار مرافق لها صفة المنفعة العامة".

 وخلص إلى أن "ما يحدث من استحواذ تحت هذه الصور في اقتصادنا الضعيف الذي يعاني عيوبا واختلالات هيكلية مزمنة وقصورا بعموده الفقري هو الاحتكار بعينه، بتحويل الرأسمالية الوطنية لرأسمالية احتكارية تابعة للمسيطر الأجنبي".

 وقال إن "الأهمية قد يراها البعض في البيع وخروج العملة الصعبة، لكن الأهم هو السيطرة الاحتكارية الأجنبية على الاقتصاد الوطني، لتصبح الدولة بأكملها سياسيا واقتصاديا تحت الاحتلال".

 "آفة حكومتنا"

ويرى البهائي، أن "حكومة رئيس الوزراء مصطفي مدبولي، أُعطي لها الوقت والمال ما لم يعط لحكومة أخرى، ومع ذلك نرى، ازدواجية، ويدا مرتعشة، واختلاف مفهوم قانون الثواب والعقاب من وزارة لأخرى، وإجراءات وتحركات مكتبية، وبيروقراطية وزارية، ولوائح تعطيلية، ومركزية إدارية، وضعف الهيئة الرقابية".

 وتابع: "نرى أيضا تحركا وزاريا رأسيا دون أن يصاحبه تحرك أفقي، وتحركا ميدانيا رأسيا هرميا دون أن يتبعه تحرك رقابي، والخلط بين السياسات ومناهج العمل، والخلط بين القانون المنظم واللوائح من قبل المسؤول، والافتقار للحوكمة وآلياتها".

 وختم الباحث المصري، بأن "كل هذا أعادنا إلى المربع صفر، دون محاسبة المسؤول".
التعليقات (2)
واحد من الناس
الإثنين، 18-09-2023 03:30 ص
حقهم الطبيعي .... المشكلة في الجحش الي بيحكم
التجنيد مرفوض طول ما ابن مليكة موجود
الأحد، 17-09-2023 10:14 ص
التجنيد خدمة لمصر مش خدمة لخاين عرص