ملفات وتقارير

فرقتهم السياسة وجمعهم الزواج.. مغاربة وجزائريون ضحايا صراع تاريخي متواصل

الزواج يمكنه أن يساهم في خلق جيل يسعى لتحسين العلاقات الدبلوماسية- فيسبوك
الزواج يمكنه أن يساهم في خلق جيل يسعى لتحسين العلاقات الدبلوماسية- فيسبوك
بينما تتابع تقريرا على نشرة الأخبار حول العلاقات المغربية الجزائرية، استنشقت خديجة، ذات 32 ربيعا، بحسرة وألم، وغيرت القناة وهي تقول: "لا ذنب لنا لنكون ضحية لتوتر سياسي، ولعدد ممّن يبتغون إثارة الفتنة بين الشعبين الشقيقين"، مطالبة المسؤولين في كل البلدين، بفتح الحدود الجوية المباشرة بين المغرب والجزائر، المُغلقة منذ سنة 1994.

وأضافت خديجة، مغربية أم لطفلتين من زوج جزائري في حديثها لـ"عربي21": "هناك العديد من المغربيات مُتزوجات بجزائريين، وأنا واحدة منهن، وحتما لن أكون الأخيرة، لأنه سنظل أخوة، بالرغم من أنني أعاني جدا".

وتردف خديجة، التي تعيش حاليا رفقة بناتها في مدينة الدار البيضاء المغربية، بعد أن عاشت لسنوات رفقة زوجها في الجزائر العاصمة: "زوجي غير قادر حاليا إلى المجيئ للمغرب، وأنا غير قادرة على السفر رفقة بناتي الجزائريات المغربيات، لرؤية عائلته في الجزائر، فنسعى لأن نلتقي مجددا في فرنسا، وهاأنذا أنتظر الحصول على التأشيرة".

اظهار أخبار متعلقة



جمعهما الزواج وفرّقتهم الحدود
قصص كثيرة تُروى لعلاقات زوجية، صعب فيها التواصل بين العائلتين، حيث فرّقت بينهما الحدود، على الرغم من تقارب المسافات والثقافات واللهجة، مثل حنان، جزائرية متزوجة بمغربي، التي تصف نفسها بالقول: "أنا جزائرية الروح ومغربية القلب".

وتضيف حنان، التي تعيش رفقة زوجها في فرنسا، "زرت المغرب كثيرا، وأحب أهله وهم يكنون لنا نفس الحب والمودة، ولنا منزل في مدينة الجديدة، غير أن هناك غصّة في القلب أن أهلي من الصعب أن يزوروني هنا، وأهل زوجي من الصعب أن يسافروا للجزائر، حيث لا بُدّ أولا من ضرورة توفرها على تأشيرة الدخول إلى فرنسا، ومن ثم ولوجهما إلى الجزائر" مردفة "عموما لا يمكننا الولوج للبلدين إلا من خلال بلد ثالث".

وتختم حنان، حديثها لـ"عربي21" بأن "للأمور السياسية ناسها، وأهدافها، لكننا كشعبين أشقاء، بيننا نسب على سنة الله ورسوله، وعروبة وأخوة ودين، يجب أن لا نتأثر".

Image2_82023373258755485354.jpg
وفي هذا السياق كشف المعهد المغربي لتحليل السياسات، خلال ندوة لعرض نتائج "تقرير الاندماج المغاربي"، قبل سنتين، أن %95.5 من المغاربة ضمن الفئة العمرية الأكبر من 50 سنة وحوالي %85 من الفئة العمرية بين 18 و24، يرغبون في رؤية الحدود بين المغرب والجزائر مفتوحة.

وترى المختصّة في القانون العام والعلوم السياسية، لمياء العمراني، أن "زواج المغربيات بالجزائريين هو أمر شائع ويحدث في كثير من الأحيان في بلد المهجر، بالنظر لعدد الجالية المغربية والجزائرية في أوروبا، وفي اعتقادي أن هذا الزواج يمكن أن يساهم على المدى المتوسط والبعيد في تقارب اجتماعي وسياسي بين البلدين، بالنسبة للتأثير السياسي!"

وتوضح العمراني في حديثها لـ"عربي21" بأن "الزواج يمكنه أن يساهم في خلق جيل يسعى  لتحسين العلاقات الدبلوماسية ويعزز التبادل الثقافي والاقتصادي، ويعود ذلك للدور المحوري الذي تلعبه الأسر والزواج في بناء جسور التواصل بين العائلات في البلدين وتعزيز التفاهم والتعاون بينهم،  وذلك لا محال يلقي بظله على الجانب الاجتماعي حيث سيسود التعايش الثقافي".

أما بخصوص ما تواجهه هذه الزيجات من تحدّيات، من قبيل الاختلافات الثقافية والاختلاف على مستوى قوانين الأسرة المختلفة بين البلدين، تؤكد العمراني، أنه يجب "التعامل مع هذه الاختلافات بفهم واحترام لتحقيق علاقة أسرية ناجحة، خاصة مع تأثير التوتر السياسي والديبلوماسي على العلاقات الاجتماعية والأسرية في صعوبة التنقل في ظل قطع العلاقات الديبلوماسية تجعل من الصعب التواصل بين العائلات وبين الزوجين كذلك".

اظهار أخبار متعلقة



تعقيدات إدارية 
في الوقت الذي أوضح فيه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أن وزارة الخارجية المغربية، تعمل من أجل إعطاء عناية واهتمام استثنائيين في تعجيل معالجة طلبات تأشيرات الدخول إلى المغرب بالنسبة لفئة الأجانب والأجنبيات المتزوجين من مواطنات أو مواطنين مغاربة، وذلك مع مراعاة ضرورة التنسيق الاعتيادي مع مختلف الجهات المغربية المعنية، لا تزال هناك عدد من الأسر المشكّلة من زوجات مغربيات وأزواج أجانب تعيش تمزقا.

ولتجاوز ما وصفه بـ"التعقيدات الإدارية التي تواجه حصول الأجانب المتزوجين من مغربيات على تأشيرات الدخول للمملكة"، تقدم الفريق الحركي بمجلس النواب (البرلمان المغربي) بمقترح قانون، يهدف إلى تمكين الأجنبي المتزوج بمغربية من الجنسية تجاوزا لما وصف بأنه تكريس للتمييز ضد النساء المغربيات، كما من شأنها إنقاذ عديد أسر الزواج المختلط من التشتت.

واقترحت المجموعة النيابية لحزب الحركة الشعبية وقبلها عدد من المجموعات النيابية، تعديل مواد الفصل 10 المتعلق بسن قانون الجنسية المغربية، إذ يمكن للمرأة المتزوجة من مغربي، أو الأجنبي المتزوج من مغربية بعد مرور خمس سنوات، على الأقل على إقامتهما معا في المغرب بكيفية اعتيادية، ومنتظمة، أن يتقدموا إلى وزير العدل بتصريح لاكتساب الجنسية المغربية.

ووفق مقتضيات الفصل 10 من قانون الجنسية المغربية، يحق للمرأة الأجنبية المتزوجة من مغربي الحصول على الجنسية المغربية، في حين لا يحق للأجنبي المتزوج بمغربية، الحصول على ذلك وهو ما يشكل حسب المشرعين داخل مجلس النواب المغربي، نوعا من التمييز في مسألة منح الجنسية المغربية على أساس الزواج المختلط.

تجدر الإشارة إلى أن آخر تعديل على قانون الجنسية بالمغرب، كان سنة 2007، وبموجبه تم إقرار حق المرأة المغربية المتزوجة من أجنبي بمنح جنسيتها لأبنائها، حيث أصبحت الجنسية التي تمنحها الأم المغربية لأبنائها جنسية أصلية وليست مكتسبة.

اظهار أخبار متعلقة



هل شُفي جرح السنين؟
طويلة هي السنوات التي مرّت على "المسيرة السوداء" في الجزائر، حيث تم طرد كافة المغاربة ممّن كانوا يعيشون هناك سنة 1975؛ ولا يزال الجرح في طريقه للشفاء اجتماعيا، إذ لا تزال الكثير من العائلات تتجرع مرارة الفراق مع ذويها، أزواج فرقن عن بعض وإخوة بات الحدود وسيطا لهم، لكن الشعوب اجتمعت من جديد، في كثير من العلاقات الزوجية.

وفي الوقت الذي يرى فيه المُتابعون للشأن الدولي أن أي انفراج بين الجارتين لا بد وأن ينطلق من ملف الصحراء، وهو الشيء المُستبعد في الوقت الراهن؛ يقول المختص في الأمن القومي المغربي ورئيس مركز تفاعل للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، منعيم امشاوي، إن "أي تقارب دبلوماسي بين المغرب والجزائر رهين بتغيير المعطيات التي أدت إلى خلق الأزمة بينهما".

يضيف امشاوي في حديثه لـ"عربي21" أن "التوجه الدبلوماسي المغربي في ما يخص علاقاته بالأشقاء بالجزائر ظل واضحا، ومتمسكا بضرورة التعاون وتقوية العلاقات، والتركيز على المصالح المشتركة وترك النقاط الخلافية وفي مقدمتها ملف الصحراء جانبا، وهو نفس الطرح الذي سبق أن كرسته جهود وساطة دبلوماسية في الماضي ونجح في إعادة المياه إلى مجاريها بين البلدين".

وبالرغم من أن ما يجمع بين العلاقات المغربية الجزائرية من اللغة والثقافة والدين، أكبر من السياسات الداخلية والتوازنات الدولية والتدخلات الخارجية، التي تُفرق بينهما، إلا أن العلاقة بينهما، في السنوات الأخيرة، وصلت إلى مستويات خطيرة من الصراع أصبح فيه الخلاف هو القاعدة والصلح هو الاستثناء، فمتى سيشفى جرح السنين، وتفتح الحدود بين البلدين؟. 

التعليقات (0)