سياسة تركية

تركيا تحتفل بـ"الكابوتاج".. ما قصته وكيف تحررت أنقرة من "الامتيازات الأجنبية"؟

مع توقيع اتفاقية لوزان تم إلغاء تلك الامتيازات الأجنبية على السواحل التركية- إعلام تركي
مع توقيع اتفاقية لوزان تم إلغاء تلك الامتيازات الأجنبية على السواحل التركية- إعلام تركي
تحتفل البحرية التركية في الأول من تموز/ يوليو من كل عام، بـ"عيد الكابوتاج"، وتعني الملاحة الساحلية، التي تمنح الدولة حق تشغيل السفن بين موانئها في المياه الإقليمية، وذلك بعد تحرر تركيا من "الامتيازات الأجنبية".

وقبل أيام، مرت 97 عاما على دخول إلغاء "الامتيازات الأجنبية" حيز التنفيذ، والذي جاء بعد سنوات طويلة من اقتصاره على الشركات الأجنبية في السواحل التركية.

ويعرف "كابوتاج" بأنه حق الدولة في تشغيل السفن بين مياهها الإقليمية، بحيث تكون كافة أنواع خدمات الموانئ تحت سيطرتها، ويتم الاحتفال بهذا اليوم في الأول من تموز/ يوليو من كل عام منذ العام 1935.

وخلال حقبة الدولة العثمانية، فإنه لم يكن لديها الحق في الملاحة الساحلية، حيث كانت القوارب التي ترفع أعلاما أجنبية هي التي تخدم على سواحلها، بسبب "الامتيازات" التي منحتها للدول الأجنبية لأسباب سياسية تهدف لحماية أمنها ومصالحها، ومنع الهجمات عليها.

ومع توقيع اتفاقية لوزان في 24 تموز/ يوليو 1923، تم إلغاء تلك الامتيازات، لتكتسب تركيا الحق في الملاحة على الساحل الذي يبلغ طوله 8333 كيلومترا، مما وفر لها فرصة كبيرة لأنشطتها البحرية.

وبعد اتخاذ الترتيبات اللازمة، وفقا للقانون رقم 815 الصادر في 19 نيسان/ أبريل 1926، تم إلزام القوارب التركية فقط بالخدمة بين الموانئ التركية. لكن القانون دخل حيز التنفيذ في 1 تموز/ يوليو من العام ذاته، ويتم الاحتفال به منذ العام 1935. وفي العام 2007، تم إضافة كلمة "البحرية"، ليصبح عيد الملاحة البحرية والساحلية في تركيا.

اظهار أخبار متعلقة


وشكلت "الامتيازات" التي منحتها الدولة العثمانية منذ القرن السابع عشر، إلى دول غربية، تهديدا لاستقلالها السياسي والاقتصادي مع مرور الوقت، وأصبحت الإمبراطورية التي وقعت هذه الاتفاقيات بهدف حماية مصالحها في المقام الأول، غير قادرة على استخدام موانئها وطرق التجارة الخاصة بها، مما ساهم في انهيار متسارع لاقتصادها، واعتبرت مصادر أن تلك الامتيازات ساهمت بشكل كبير في انهيار الدولة العثمانية وضعفها.

ومع مرور الوقت، أصبحت الدول الغربية تعد هذه الامتيازات حقوقا مكتسبة لها ولرعاياها، وبدأت بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية، وكانت هذه الامتيازات أحد أسباب فشل الكثير من جهود الإصلاح والتنظيم.

وباتت أوروبا تعتبر هذه الامتيازات "حقوقا لها"، فحمت فرنسا والنمسا الكاثوليك والإمبراطورية الروسية الأرثوذكس، وبريطانيا الجماعات البروتستانتية الصغيرة؛ وكانت الامتيازات تشمل تسهيلات في السفر، والتقاضي أمام محاكم خاصة، والتعليم، والإعفاء من الضرائب في قطاعات بعينها، وتعيين قناصل أو تراجم أو موظفين قنصليين في البلاد.

وكان الغرض من "الامتيازات" لدى الدولة العثمانية، هو إقامة علاقات أفضل مع الدول الأجنبية، ومن ثم إنشاء اتحاد اقتصادي وتجاري واجتماعي، ومع ذلك لن يكون من الخطأ القول إن هذه التنازلات لم تمنح إلا من أجل البقاء خلال انهيار الدولة العثمانية، لكنها تسببت في إضعافها.

وكانت الدول الغربية تبرر امتيازاتها في الدولة العثمانية بأن الأخيرة كانت بأمس الحاجة للعلاقات التجارية الأوروبية والتجار الأوروبيين لتنشيط حركة التجارة داخل الدولة العثمانية، وقد تمتع الأجانب بإعفاءات كبيرة من الضرائب. مما دفع لتغلغل سلطات الامتيازات داخل الدولة العثمانية للامتيازات الدينية.

وكانت "الامتيازات" في الدولة العثمانية تمنح فقط للأجانب، ولا يمكن للسكان المحليين الاستفادة منها، وهذا بالفعل كان عاملا مهما في تدهور السلام الداخلي للإمبراطورية، لا سيما أن "الامتيازات" لم تكن تبادلية، بل من جانب واحد فقط.

وأول امتيازات تم منحها في تاريخ الدولة العثمانية، لجمهورية راغوزا في عهد السلطان مراد الأول، حيث لم تتمكن هذه الدولة التي حكمت مدينة دوبروفنيك الواقعة على الساحل الدلماسي من مقاومة التقدم السريع للدولة العثمانية في البلقان وبدأت بدفع جزية قدرها 500 دوقية للدولة العثمانية.

اظهار أخبار متعلقة


جمهورية راغوزا، بقبولها الهيمنة العثمانية ودفع الجزية، حصلت في المقابل على الحق في التجارة بحرية في الأراضي التركية؛ وبدأت تنتشر بحرية في بحر إيجة ومرمرة والبحر الأبيض المتوسط.

وأصبحت الامتيازات التي منحت في عهد مراد الأول، تتزايد بشكل تدريجي في عهد السلطانين محمد الفاتح وسليمان القانوني، إلى أن أصبحت بشكل دائم في عهد محمود الأول. وبعد الامتيازات التي منحت إلى فرنسا في عهد السلطان سليمان القانوني، فقد منحت إلى بريطانيا في العام 1580، ومن ثم هولندا في العام 1612.

ولعبت فرنسا دور الوسيط في معاهدة بلغراد الموقعة في 18 أيلول/ سبتمبر 1739 بين الدولة العثمانية وروسيا، ومقابل ذلك أعطيت امتيازات دائمة إلى فرنسا لأول مرة من السلطان محمود الأول بعد أن كانت مرهونة بمدة زمنية (مدة حكم السلطان)، وعليه أصبحت سارية حتى على السلاطين الذين يأتون بعده.

وتضمنت "الامتيازات" الممنوحة إلى فرنسا، أن السفن الفرنسية ستكون لديها حرية الإبحار والتجارة البحرية في كافة موانئ الأراضي العثمانية، كما ستترك بضائع التجار الفرنسيين الذين ماتوا في الأراضي العثمانية لورثتهم في فرنسا، وسيتمكن جميع الكاثوليك في الدولة العثمانية من العبادة بحرية، أما القنصليات الفرنسية فلديها حق حل المشاكل المتعلقة بمواطنيها.

واحتلت فرنسا المكانة الأكبر في موانئ البحر الأبيض المتوسط وفي حركة التنقل والتجارة هناك، نتيجة "الامتيازات الدائمة الممنوحة لها".

وبعد أن أصبحت "الامتيازات دائمة"، طالبت الدول الغربية التي تتمتع باقتصاد قوي، بتلك الامتيازات من الدولة العثمانية، مما أدى إلى إضعاف اقتصادها بشكل كبير. كما أصبحت الامتيازات الممنوحة لإنكلترا أكثر شمولا مع اتفاقية "ميناء بالطا" عام 1838.

متى بدأ التدرج في إنهاء الامتيازات؟
كان أول وعد بإلغاء الامتيازات في العام 1856، ومع ذلك لم يتم الوفاء بالقرار الذي أصبح بلا معنى، كما أن المحاولات التي تلت ذلك العام لم تتوج بالنجاح.

وفي 7 أيلول/ سبتمبر 1914، خلال الحرب العالمية الأولى، أعلنت الدولة العثمانية لكافة ممثليها أنها ألغت "الامتيازات الأجنبية"، ولكن هذا لم يكن ممكنا مع خسارة الحرب، ومع توقيع معاهدة سيفر في 10 أب/ أغسطس 1920، وجدت القوى الغربية التي أرادت إحياء هذه "الامتيازات" فرصة لذلك.

وتم إلغاء "الامتيازات" التي قدمتها الدولة العثمانية إلى الدول الأجنبية، بموجب معاهدة لوزان الموقعة في 24 تموز/ يوليو 1923. وكان الجزء الأكثر جدلا من المفاوضات في لوزان، هو مسألة "الامتيازات"، وترك رئيس الوفد المفاوض التركي عصمت باشا المحادثات لأن قوات دول التحالف أرادت أن تستمر هذه "الامتيازات" على نفس الطريقة التي كانت سابقا.

وفي المفاوضات التي استمرت حوالي شهرين ونصف، تم إلغاء "الامتيازات" بشكل نهائي نتيجة للموقف التركي، مع عبارة "تعترف الأطراف السامية المتعاقدة، بأنها قبلت إلغاء الامتيازات في تركيا من جميع النواحي" وذلك في المادة 28 من معاهدة لوزان.
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم