صحافة دولية

FP: واشنطن تطارد الأوهام عندما تحاول جلب الهند لفلكها

استقبال حافل حظي به رئيس وزراء الهند في واشنطن- جيتي
استقبال حافل حظي به رئيس وزراء الهند في واشنطن- جيتي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، هوارد فرينتش، قال فيه إنه لدى وصول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن يومي الأربعاء والخميس، وصلت معه هالة من التوقعات الغربية.

فقد أطلقت الهند العنان لآمال مبالغ فيها، فقط لأنها أصبحت أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان في نيسان/ أبريل حيث بلغ عدد سكانها 1.425 مليار نسمة، متجاوزة الصين في اللقب الذي احتلته منذ منتصف القرن الثامن عشر. وقاد هذا إلى حديث مفرط حول ظهور عملاق جديد قوي على المسرح العالمي يمكنه تغيير ديناميكية مرعبة محتملة تتكشف لمنافسة محصلتها صفر بين واشنطن وبكين.

وقال إن هذه الرغبة أو على الأرجح الوهم، تأخذ عدة أشكال.

أقلها معقولية، تتخيل أن الهند، باعتبارها أكبر ديمقراطية في العالم، ستتوصل بطريقة ما إلى قضية مشتركة مع الغرب وتوازن معا في المنافسة مع الصين.

وفي الوقت نفسه، يفترض شكل آخر أقل سذاجة إلى حد ما أنه حتى وإن لم تصبح الهند حليفا ضمنيا للغرب، فإن ثروتها وقوتها المتزايدة ستحول ما يكفي من انتباه الصين لجعل احتمال المواجهة مع الولايات المتحدة وشركائها الأمنيين الأكثر وضوحا أمرا صعبا.

ويعلق الأكاديمي بأنه في خدمة هذه الأحلام، فقد أعطت واشنطن ولأول مرة، موافقة هادئة لشركات الهند الحليفة، على المعاهدة لتصنيع محركات مقاتلة متقدمة من تصميم الولايات المتحدة. وأدت هذه الاتفاقية، إلى جانب صفقة لنيودلهي لشراء مسيرات أمريكية من طراز "Predator" وغيرها من الإنجازات المتوقعة في صفقات التسلح، إلى إشادة مودي بما وصفه بـ"الثقة غير المسبوقة" بين حكومته وإدارة بايدن.

اظهار أخبار متعلقة


ويرى الكاتب أن مخاوف الولايات المتحدة بشأن الصين جعلت من الصعب وبشكل خاص، على صانعي القرار السياسي، التفكير في مبادراتهم للتعامل مع الهند بعناية كما هو مطلوب.

ولو أنهم اتخذوا خطوة للوراء وحصلوا على رؤية أكثر هدوءا للأشياء، لأدركوا أن الهند تعادل تقريبا استعارة لوسي وكرة القدم من كاريكاتير تشارلي براون القديم. فقد كانت تمرر الكرة مرارا وتكرارا، ليركلها تشارلي، فقط لتنتزعها بعيدا عن مسار قدمه في اللحظة الأخيرة.

ويقول إن هناك شيئا ما حول البلدان الكبيرة جدا يجعل الأوهام التي تتراكم حولها لا تقاوم. فقبل جيل فقط مع الصين، ولسنوات عديدة قبل ذلك، ساد الوهم بأن الغرب سوف يكتسب ثروة غير محدودة عن طريق بيع ياردة واحدة من القماش، أو قميص واحد مكتمل، أو سيارة جديدة، في المتوسط، لكل مستهلك صيني اعتمادا على اعتقاد قديم بأن فائدة كبيرة ستجنى عندما تفتح الصين أسواقها.

لقد جذبت الصين استثمارات غربية ضخمة على هذا الأساس، وقد حققت الصين بالفعل نوعا من الانفتاح الاقتصادي واستفادت الشركات الغربية والمستهلكون أيضا، لكن الصين كانت تعمل طوال الوقت في أملاكها الخاصة، ويبدو ذلك منطقيا. وهذا يعني حماية العديد من قطاعات اقتصادها من الشركات الغربية، فضلا عن تقليد العديد من الشركات الغربية الأكثر ربحية والسماح لها بالعمل بأرباح عالية كأبطال وطنيين للصين، محمية بجدران عالية تمنع المنافسة الأجنبية غير المرغوب فيها.

ويظهر استعراض موجز لتاريخ الرقص الدبلوماسي الهندي مع الولايات المتحدة، على الأقل منذ زوال الاتحاد السوفييتي، محاولات دورية لإحياء الأمل الحالم في واشنطن بإمكانية إغراء الهند بالخروج من موقعها طويل الأمد، كدولة ملتزمة بعدم الانحياز.

ويعلق الكاتب بأنه غطى لحظة كهذه بنفسه عندما زار الهند وكتب عنها خلال حكومة رئيس الوزراء مانموهان سينغ في أوائل القرن الحادي والعشرين، حيث عرض على سينغ تعاونا أمريكيا رائدا لبناء محطات طاقة نووية مدنية. وكذلك فعل الرئيس جورج بوش الابن في عام 2006، على الرغم من مخاوف الولايات المتحدة بشأن برنامج الأسلحة النووية الهندي.

وفي أول زيارتين للبيت الأبيض لخليفة بوش، استقبل سينغ استقبالا فخما كضيف في أول زيارة دولة قدمها الرئيس باراك أوباما إلى زعيم أجنبي في عام 2009.

وحول هذه المناسبات، وغيرها، سمح الأمريكيون لأنفسهم بالحلم حول إمكانية انضمام الهند إلى الولايات المتحدة، ولكن بشكل تدريجي، في تحالف من الديمقراطيات الكبرى.

ويقول الكاتب إنه كتب من قبل عن المشاكل الخطيرة للديمقراطية في الهند تحت حكم مودي ولا حاجة للتذكير بما كتب، باستثناء القول إنه بالإضافة إلى الشكوك حول استعداد الهند للانفصال عن علامتها التجارية الخجولة للحيادية والتوافق استراتيجيا مع الولايات المتحدة، فإن هناك أيضا أسبابا عميقة ومتنامية للقلق بشأن صحة الهند كديمقراطية.

فتنحية هذه الأمور جانبا أو تركها تفلت وتجاهلها في اجتماع قمة الآن من شأنه أن يقدم عرضا ساذجا يدعو للسخرية من الولايات المتحدة.

وقال الكاتب إن هناك أشياء أخرى عن الهند تقلقه، ولا بد من شرحها أكثر.

وبصرف النظر عن الديمقراطية التي نفهمها عادة على أنها مصطلح سياسي بحت، فإن الهند تعاني من أوجه قصور خطيرة في ديمقراطية من نوع آخر، ما يعني المشاركة المتساوية نسبيا لمواطنيها في ثمار نموها الاقتصادي. وبعد الضجة الأخيرة حول تفوق الهند على الصين في لقب التعداد السكاني، فقد تعامل مستهلكو الأخبار مع صور الانطلاق الاقتصادي المفترض للبلاد. لقد كان ينمو مؤخرا بمعدل أسرع بكثير من الصين، على سبيل المثال، قصة المعجزة الاقتصادية الماضية.

لكن ماذا يعني هذا حقا للهنود وما هو أثره على حياتهم؟

لا يزال دخل الفرد في الهند هو سدس مثيله في الصين، على الرغم من أنهما كانا متعادلين تقريبا في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.

وفي الحقيقة فإنها لا تزال الفجوة تتسع بين البلدين في ظل مودي. ومن خلال التوسع نسبيا في تعريف الطبقة الوسطى، فقد شهدت الهند توسعا مثيرا للإعجاب لهذه الشريحة من سكانها. ومع ذلك، فإنه في عام 2019، عاش 10% بالكامل من سكان الهند تحت خط الفقر المحدد بشكل صارم للغاية بدخل قدره 2.15 دولار في اليوم.

وهذا يعني أن الهند لا يزال لديها أناس فقراء بشكل يائس أكثر من أي بلد أفريقي، على سبيل المثال. في غضون ذلك، فإنه لا يزال حوالي ربع سكان الهند أميين، والكثير منهم لا يعرفون القراءة والكتابة إلا بشكل هامشي. كذلك، انخفضت مشاركة القوى العاملة النسائية في السنوات الأخيرة إلى 23% فقط، أي أكثر بقليل من ثلث المستوى الذي شوهد في الصين وفي العديد من الدول الغربية. وقد يكون التصنيع في الهند، الذي يرى العديد من الاقتصاديين أنه الطريق الأضمن للخروج من الفقر، قد بلغ ذروته في عام 2002.

وهناك أسئلة حيوية حول عافية الديمقراطية في الهند، مثل محاولتها أن تكون أكبر مستورد للسلاح.

اظهار أخبار متعلقة


نعم، قد يكون جزء من الإجابة هو الصين، وهذا ما يحفز الغرب إلى ما وراء السعي البسيط للربح. لكن جزءا آخر من الإجابة، وربما الأهم من ذلك للتسلح الهندي، هو جارتها المجاورة ومنافستها الرئيسية، باكستان. .

إن الصحة الاقتصادية لهذا البلد ورفاهية مواطنيه أكثر خطورة من الهند، ومع ذلك فهو أيضا ينفق بشكل كبير على جيشه.

ولم تتمتع الهند وباكستان، وهما دولتان مسلحتان نوويا، بسلام حقيقي ومستقر بينهما منذ انفصالهما عند الاستقلال عن بريطانيا في عام 1947. ويقال إن واشنطن تدفع الآن بالسعودية لتطبيع العلاقات رسميا مع تل أبيب. ولكن ما هي القوى العظمى - الولايات المتحدة، أو الصين، أو روسيا، أو الأوروبيون – حلفاء باكستان – التي تستثمر دبلوماسيتها على مستوى عال للمساعدة لتحقيق تسوية دائمة للخلافات الأساسية التي تفرق بين هؤلاء المتنافسين في جنوب آسيا حول كشمير وقضايا أخرى؟

الحقيقة أننا لا نستطيع أن نشير إلى أن أيا من تلك القوى يكشف الحقيقة المروعة لمنافسة القوى العظمى نفسها: إنها نادرا ما تتعلق بالصالح العام.
التعليقات (0)