قضايا وآراء

الانتخابات التركية وأزمة المجتمع السياسي

حسين عبد العزيز
أردوغان يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا- (الأناضول)
أردوغان يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا- (الأناضول)
حالة من الترهل السياسي والمؤسساتي، رافقتها بيروقراطية عالية التركيز أحيانا، وغير عقلانية وانضباطية أحيانا أخرى، حزب متماسك، وحكومة مسيطرة بقوة على التخطيط الاقتصادي والسياسي، يقابله برلمان ضعيف ومعارضة مشتتة.

هكذا أصبح حال المجتمع السياسي في تركيا منذ سنوات عديدة: لا مشاريع سياسية أو اقتصادية، ولا أجندات أيديولوجية، فقط مشاريع البقاء في السلطة أو الوصول إليها.

تكتيك انتخابي

لم يكن مفاجئا أن يعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تبكير موعد الانتخابات، إنه تكتيك انتخابي عادة ما تلجأ إليه الأحزاب الحاكمة في البلدان ذات الديمقراطية-الليبرالية الرخوة، إذا ما شعرت بأن المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي مناسب لها، والمتمثل في ثلاثة عوامل رئيسية:

1 ـ تقليص المدة الزمنية حتى موعد إجراء الانتخابات للاستفادة من حالة التشتت التي تعاني منها المعارضة.

صحيح أن مدة تبكير الانتخابات ليست بالطويلة (أكثر من شهر)، إلا أنها بالمقابل مدة قصيرة جدا وغير كافية للمعارضة (الشعب الجمهوري، الجيد، السعادة، الديمقراطي، المستقبل، الديمقراطية والتقدم) لتنظيم صفوفها، وهي التي تعاني على مستوى اختيار مرشحها وعلى مستوى الأجندات السياسية الكبرى، سواء في الداخل التركي أو في الخارج.

ومع أن التحالف المعارض يضم شخصيات هامة، مثل رئيس حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان ـ أحد الشخصيات الهامة في السنوات الأولى من حكم حزب "العدالة والتنمية" ـ، إلا أن إصرار زعيم حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو على ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية من شأنه أن يضرب التحالف بضربة قاسية في ظل تراجع شعبيته وفقدانه للكاريزما. 

2 ـ الاستفادة من التحول الحاصل في السياسة الخارجية التركية، خصوصا حيال الملف السوري، حيث ثمة رضى شعبي لا يستهان به لهذا التحول السياسي، خصوصا من قبل العلويين الأتراك، والمعارضة العلمانية الرافضة لسياسة أردوغان تجاه سوريا.
تحتاج تركيا إلى الحيوية الديمقراطية والليبرالية من خلال وصول أحزاب وشخصيات جديدة إلى الحكم، بغض النظر إن كانت هذه الأحزاب والشخصيات مؤهلة للحكم أو لا، فالأهمية الكبرى لا تكمن في الشخوص وإنما في النظام وحيويته وقدرته المستمرة على التغيير، وهي أمور من دونها تتحول الديمقراطية إلى مجرد وسيلة للوصول إلى الحكم.

يضاف إلى ذلك، التحشيد السياسي والإعلامي حيال العملية العسكرية التي تقول أنقرة إنها بصدد البدء بها في الشمال السوري ضد الوحدات الكردية، وهو خطاب يدغدغ مشاعر معظم الأتراك.

أيضا ثمة رضى على الخطاب القومي الذي يتبناه أردوغان و"العدالة والتنمية" تجاه التوترات مع اليونان، ومن شأن هذا الخطاب القومي الشعبوي أن يرفع من وتيرة التأييد لأردوغان، وهو تكتيك عادة ما يلجأ إليه الرئيس التركي قبيل موعد الانتخابات.

ولذلك، قد يذهب أردوغان إلى القيام إما باستفزاز تجاه اليونان، أو برفع حدة القلق من الشمال السوري، إن لم يقم فعلا بعملية عسكرية.

3 ـ استغلال حالة الستاتيكو الاقتصادي بعد ارتفاع معدل التضخم في تركيا، والانخفاض الحاد للعملة المحلية خلال العامين الماضيين، مستفيدا من السياسة الاقتصادية التي اتبعها خلال الستة أشهر الماضية، والتي نجحت في استقرار العملة التركية وتخفيض معدلات التضخم.

السيناريوهات

1 ـ أن تفوز المعارضة بالانتخابات الرئاسية وبالأغلبية البرلمانية، وهذا أمر صعب التحقق لأسباب عديدة، أولها أن المعارضة لا تمتلك برنامجا سياسيا واقتصاديا حقيقيا يجعلها تحظى بثقة الشارع، فكل برنامجها مبني على منع بقاء أردوغان في الرئاسة وإعادة النظام البرلماني كنظام سياسي للبلاد، وهذه أهداف ليست ذات أهمية كبيرة لدى الشارع، وثانيها أن وصول المعارضة إلى الحكم في ظل غياب البرامج السياسية الاقتصادية من شأنه أن يدخل البلاد في دوامة من الاستقطاب تنعكس سلبا على الوضع المعيشي، لا سيما أن جبهة المعارضة ليست ذات هوية سياسية موحدة، بخلاف حزب "العدالة والتنمية".

2 ـ أن يفوز أردوغان بالرئاسة مرة ثانية، مع حصول حزب "العدالة والتنمية" على أغلبية برلمانية، أو قريبا منها، وهذا الاحتمال الأكثر ترجيحا.

وقد اتفقت أغلبية استطلاعات الرأي على أن الحزب سيحتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المُقبلة بحصوله على نحو 33 % من أصوات الناخبين.

مستقبل الديمقراطية

تمتلك تركيا مؤسسات ديمقراطية قوية وفعالة، فقد ترسخت الديمقراطية في تركيا خلال العقدين الأخيرين، وأصبحت محل إجماع دولتي وشعبي.

لكن هذه الديمقراطية وفعاليتها المؤسساتية غير كافية لبناء نظام سياسي حيوي مستمر وقابل للتطور.

لقد شهدت البلاد خلال السنوات العشر السابقة ترهل في العمل المؤسساتي مع ارتفاع وتيرة البيروقراطية غير العقلانية أحيانا، وتمركز السلطة بشكل حاد في أيدي الرئيس والحزب الحاكم، مع تراجع واضح في الحريات السياسية والمدنية.

ويكمن السبب الرئيس في ذلك، بقاء حزب "العدالة والتنمية" وبعض الشخوص الحاكمة مدة طويلة، وهي عملية لا بد أن تنعكس سلبا على الأداء المؤسساتي وعلى الحريات، لتنتهي إلى ديمقراطية سماها البعض بديمقراطية الهيمنة.

تحتاج تركيا إلى الحيوية الديمقراطية والليبرالية من خلال وصول أحزاب وشخصيات جديدة إلى الحكم، بغض النظر إن كانت هذه الأحزاب والشخصيات مؤهلة للحكم أو لا، فالأهمية الكبرى لا تكمن في الشخوص وإنما في النظام وحيويته وقدرته المستمرة على التغيير، وهي أمور من دونها تتحول الديمقراطية إلى مجرد وسيلة للوصول إلى الحكم.
التعليقات (0)