قضايا وآراء

سلامة النظام السوري الأمنية

نزار السهلي
يصر السوريون على رفض الأسد رغم تقارب بعض الدول معه- جيتي
يصر السوريون على رفض الأسد رغم تقارب بعض الدول معه- جيتي
التصريحات المتعلقة بإعادة تركيا علاقاتها مع النظام السوري، وربطها بعدم المساس بمصالح السوريين، استعملت في السابق من دوائر سياسية عربية وإقليمية ودولية، للتصويب على تطبيع هذه العلاقات.

الجوهر الأمني في علاقة النظام مع محيطه العربي والإقليمي هو في صلب الملف الذي حمله ممثل النظام علي مملوك منذ زيارته المثيرة للسعودية في العام 2015، وقيل حينها إن العلاقة الأمنية للنظام السوري لم تنقطع مع أحد، من أنقرة وعمان والقاهرة والجزائر إلى مسقط وأبو ظبي وروما وحتى واشنطن. تجول مملوك بزيارات سرية لعواصم عربية وغربية رغم العقوبات الدولية المفروضة عليه لمشاركته في قمع وقتل السوريين، ورسائله الأمنية تصل تل أبيب بوساطة روسية من قاعدة حميميم.

التركيز على الطابع الإنساني لمشكلات المجتمع السوري ظاهرياً، وربطها بملف مكافحة الإرهاب وتنظيم داعش ضمنياً، كان لطمس الطابع السياسي لمطالب السوريين وإفشال للعملية السياسية وقرار مجلس الأمن 2254 كمرجع لها. وفي الرسائل الأمنية المتبادلة بين النظام وأجهزة الأمن العربية والغربية، رسو على اطمئنان تماسك النظام في القمع، بغض النظر عن الجرائم الضخمة التي خلفتها آلته العسكرية، فهذه الجرائم من وجهة نظر بعض السياسيين والقادة متعلقة بظروف محاربة "الإرهاب" وإمساك بذرائع النظام النافية لحدوثها بغطاء روسي وايراني، إذ لم تعد مسألة الإطاحة بالأسد أولوية لمسؤوليته عن ويلات وكوارث سوريا.

الشعور السائد بأن الأنظمة والقوى الداعمة للنظام السوري، وتحالفه مع قوة عظمى كروسيا وبتنسيق الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي في سوريا، أثر بشكل مباشر وكبير على مجريات الثورة وتطلعات السوريين، والضغط المتواصل على الضحايا ومحاصرتهم أظهر أن تحالف النظام مع قوى الاحتلال على الأرض في سوريا إدراك للمصلحة المتبادلة بينهم

الشعور السائد بأن الأنظمة والقوى الداعمة للنظام السوري، وتحالفه مع قوة عظمى كروسيا وبتنسيق الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي في سوريا، أثر بشكل مباشر وكبير على مجريات الثورة وتطلعات السوريين، والضغط المتواصل على الضحايا ومحاصرتهم أظهر أن تحالف النظام مع قوى الاحتلال على الأرض في سوريا إدراك للمصلحة المتبادلة بينهم، وأن سلامة النظام الأمنية وظيفة كل الجسور المقامة معه بالسر والعلن، والقبول السلبي بحالة النظام أياً تكن، طالما هي موجهة لتثبيت القمع والدمار عند الحدود التي أقامها على المجتمع السوري كوسيلة "أبدية" للسيطرة عليه وتوريثه لأبنائه.

مقابل هذا الشعور، هناك يقين لدى السوريين، وعند معظم الشارع العربي، يقود لتفسير الإخفاقات التي مُنيت بها الثورة السورية، إذا اقترنت بمصير بقية الثورات التي سبقتها، أو أصبحت معروفة بتحالف الثورات المضادة والمساند في معظمه للنظام السوري الذي وسّع من مساحة انتقامه من السوريين باستخدام كل الوسائل المميتة، ومنح المحتل الروسي جغرافيا السوريين وأجسادهم، لتجريب مخزون السلاح وتقنيات التدمير..

في هذه البيئة يجري الحديث التركي عن تطبيع العلاقة مع نظام الأسد، وهناك من يمنح هذا التطبيع وغيره تبسيطا مقترنا بالبراغماتية والضرورة التي تغذي الاستلاب والإحباط؛ كالذي أصاب الضحايا الفلسطينيين في العقود الماضية من سياسة عربية ودولية ومن دعاة التطبيع العربي مع إسرائيل.

في هذه البيئة يجري الحديث التركي عن تطبيع العلاقة مع نظام الأسد، وهناك من يمنح هذا التطبيع وغيره تبسيطا مقترنا بالبراغماتية والضرورة التي تغذي الاستلاب والإحباط؛ كالذي أصاب الضحايا الفلسطينيين في العقود الماضية

السياسة التركية المفتوحة على إنجاز قمة أردوغان- الأسد المقبلة، بعد سلسلة من لقاءات أمنية ودبلوماسية برعاية روسية، تتويج لسياسة خذلان دولي للضحايا ومستقبلهم، فالأنظمة الاستبدادية في العالم العربي بنموذجها السوري، لم ولن تكون عدوةً ونديةً لسياسات غربية وأمريكية وإقليمية. وإذا ما عدنا لسلسلة مواقف غربية من العام 2017، بعدم اعتبار الأسد ونظامه عدواً لفرنسا على سبيل المثال، مع مواقف أمريكية وإسرائيلية بنفي نيتها الإطاحة بالنظام، واستخدام لغة دولية مطاطية بشأن دعم الشعب السوري، وممارسة حصار فعلي على قوى المعارضة السورية بمختلف أطيافها، والضغط عليها للقبول بالأمر الواقع للنظام وسيطرته التدميرية بعضلات روسية على الأرض، فإن كل ذلك كان من الوسائل المتاحة لتخفيف وقع المواقف المتأثرة بفداحة الجرائم، ثم تخفيف عزلته الدولية جزئياً من البوابة التركية ومن القنوات الأمنية كإغراء يقدمه النظام بوظيفة بقاءه وتماسكه "المفيد" في المنطقة.

الهاجس الأمني، المرتبط بخيوط التواصل مع نظام الأسد من تركيا أو غيرها من الأنظمة، يحكم طبيعة علاقة النظام وسياساته ووظيفته في المجتمع السوري، أو دوره في بقية القضايا إن كان ثمنها بقاءه على كرسي الحكم. فممارسة الإرهاب وادعاء مكافحته أظهر بشكلٍ جلي استماتة النظام للبقاء في الحكم، أما النظر في العلاقات السياسية والبراغماتية والمصالح مع النظام السوري، فهي خاسرة في كل شيء ومصدر أبدي للعار.

إذا كان السوريون في ثورتهم المغدورة قد قاوموا الظلم والاستبداد والقهر، وقدموا التضحيات لمبدأ إسقاط النظام وبنيته القمعية، وتقديمه للعدالة الدولية عن جرائم الحرب التي اقترفها، فإنهم فرضوا مساحة كافية لتطلعاتها في نيل الحرية والديمقراطية والمواطنة

فإذا كان السوريون في ثورتهم المغدورة قد قاوموا الظلم والاستبداد والقهر، وقدموا التضحيات لمبدأ إسقاط النظام وبنيته القمعية، وتقديمه للعدالة الدولية عن جرائم الحرب التي اقترفها، فإنهم فرضوا مساحة كافية لتطلعاتها في نيل الحرية والديمقراطية والمواطنة، وفي دعوات التطبيع مع قاتلهم تعرى من يريد الحفاظ على وظيفة الأسد القهرية في المجتمع السوري.

وبعيدا عن التخريب والتخدير فإن الطموحات التي قاتل من أجلها السوري، وقدم تضحياته الجسام من أجلها، أصبحت في قبضة اليد والتاريخ، أما التصريحات الغائمة والمخدرة عن التمسك بالأسد ووظائفه، فيمكنها أن تؤثر نسبيا على معنويات الشعب السوري كما أثر استعصاء الثورة السورية على بقية الثورات العربية في المنطقة، لكن لن تكسره أو تضع اليد عليه مجدداً، لبديهيات لا تشابه تواريخ وظروف ما قبل آذار/ مارس 2011، بل لتراكم فظائع لن تمحى بابتسامة قاتل يطل من شرفته ويستقبل ديكتاتورا أو من ينوب عنه، وتلك سيرورة التاريخ لا خاتمته كما يتوهم الأسد وحلفاؤه.

أخيراً، الاقتراب الأمني من النظام السوري، بتفسيراته الإقليمية والعربية والدولية، يحمل منطق احتواء التحرر من الاستبداد وإسقاط النظام وإجهاض تطلعات السوريين بالمواطنة والديمقراطية، انطلاقاً من الحفاظ على سلامة النظام الأمنية والقمعية على الشعب السوري تتكثف وحدة السلامة العربية في بناء جسورها الأمنية.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)