قضايا وآراء

حينما يعتاد الناس على ظلم الظالمين!!

جمال نصار
تواجه مصر مجموعة من الأزمات الاقتصادية الخانقة التي عصفت بالأوضاع المعيشية للمواطنين- الأناضول
تواجه مصر مجموعة من الأزمات الاقتصادية الخانقة التي عصفت بالأوضاع المعيشية للمواطنين- الأناضول
في حديث مع أحد الأصدقاء، يعيش في مصر، عن الأوضاع الراهنة، وما وصلت إليه من تدني الحالة المعيشية، والزيادة غير المسبوقة في الأسعار، وغير ذلك مما يعلمه القاصي والداني عمّا آلت إليه الأمور في أرض الكنانة، لفت نظري عبارة غريبة؛ حيث قال لقد اعتدنا على هذه الأوضاع، وأصبحت من مسلّمات الحياة، وستبقى هكذا، وإذا حدث غير ذلك فلن نستوعبه، لقد سئمنا من كل شيء!!

هذا الكلام في غاية الخطورة، لأنه يعني أن الناس أصبحت لا تبالي بالظلم الواقع عليها، نتيجة للتلبُس بالخوف الذي أصاب الجميع، من جرّاء القبضة الأمنية الغاشمة، وتكميم الأفواه، ومحاربة الناس في أرزاقهم، ومن يتكلم أو يعترض، فإنه يعرف مصيره المحتوم، إما بالفصل من عمله، أو اعتقاله، وتشريد أسرته على أقل تقدير.

أقول: إن السكوت على وقوع الظلم، وتجبّر الظالمين، سيزيد من سوء الأحوال المعيشية، ويكون سببًا مباشرًا لعموم عقاب الله على الجميع، وهذا ما نراه ونلمسه الآن، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في الحديث: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"، وفي حديث آخر يقول: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منهم".

السكوت على وقوع الظلم، سيكون مضاره على الساكت كبير في الدنيا، وعقابه في الآخرة أليم، ولنا في قصة الرجل الصالح الذي لم يتمعّر وجهه غضبًا لله، ولم يغضب لارتكاب الحرمات، والظلم من أكبر الحرمات، فقال الله، عز وجل، للمَلك الذي أرسله ليهلك القرية، فبه فابدأ.
ومن ثمَّ على الناس واجب في مواجهة الظلم؛ فلا يكفي أن تعرف الظلم وتسكت عليه، أو أن نجلس فنتلاوم على الظلم الواقع على الجميع، بل لا بد أن يكون لكل منا الدور المطلوب في إقامة العدالة، وفي تحقيق المساواة بين الناس. فإذا مال المسؤول أو انحرف، فعلى الرعية أن يقوّموه؛ وهذا رأيناه حينما تولى أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، الخلافة، حيث قال: "إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه، إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن زغتُ فقوموني". هذا هو المنهج القويم، والطريق الصحيح لما يجب أن يقوم به الناس في مواجهة المسؤولين إذا حادوا عن الطريق، وخالفوا المعتاد، واستأثروا بكل مقدرات الدولة، وأشاعوا الظلم بين الناس.

فالأمة حينما تقوم بواجبها، لا يستطيع الظالم أن يستمر في غيّه، وظلمه للناس، لأنه في هذه الحالة يخشى غضب الناس، وثورتهم عليه، أما إذا استكانوا ورضوا بالظلم الواقع عليهم، فستقع الطامة على الجميع. وقد ضرب الله، عز وجل، لنا مثلاً بأكبر الظلمة على وجه الأرض، وهو فرعون، كيف ظلم؟ قال تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) (الزخرف: 54)، أي ظلمهم فاستكانوا له، وتَجَبَّر عليهم فركعوا تحت قدميه، قال لهم: أنا ربكم، فعبدوه من دون الله.

والله تبارك وتعالى، حينما وصف فرعون بالظلم لم يصفه وحدَه، إنما وصفه وكلَّ مَنْ ساعده، فقال: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص: 8)، فالعقاب لن يقع على الظالم وحده، بل ينال كل من سكت على الظلم، ولم يتحرك لرفض فعل الظلمة، كلٌ حسب إمكانياته وقدراته.

وكما قال الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وعلى ذلك فالمسؤوليّة يتحمّلها الجميع، كلّ المجتمع، ولا سيّما الذين يملكون مواقع التأثير، مثل المثقفين، والخطباء، والمعلمين، وأصحاب الرأي، فعليهم جميعًا أن يطلقوا لسانهم بالحقّ، وينادوا بالعدل، ولا يركنوا إلى الذين ظلموا.

ولنا في نبي الله موسى، عليه السلام، العبرة والعظة، حيث بقي أربعين سنة حتى استطاع، وبعون من الله سبحانه وتعالى، أن يُسقط جبروت فرعون، وقد عانى خلالها الكثير هو والذين معه، من تجبر فرعون وظلمه. والنبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، مكث ثلاثًا وعشرين سنة يدعو ويعاني ويتألم ويجاهد في سبيل الله، حتى تحقّق له النصر على طغيان قريش وجبروتها، وراح النّاس يدخلون في دين الله أفواجًا، وكان الفتح المبين بالسعي والاجتهاد، وعدم الركون إلى الظالمين، بل بنصحهم وتبيين ما هم عليه من ضلال، ثم مواجهتهم حينما تتاح الفرصة وتتهيأ الظروف.

وليعلم الجميع أن السكوت على وقوع الظلم، سيكون مضاره على الساكت كبير في الدنيا، وعقابه في الآخرة أليم، ولنا في قصة الرجل الصالح الذي لم يتمعّر وجهه غضبًا لله، ولم يغضب لارتكاب الحرمات، والظلم من أكبر الحرمات، فقال الله، عز وجل، للمَلك الذي أرسله ليهلك القرية، فبه فابدأ.

فقد ورد في تفسير القرطبي في الآية (لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ والأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإثْمَ وأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (المائدة: 63)، قوله: فالآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وروى سفيان بن عيينة قال: حدثني سفيان بن سعيد عن مسعر قال: بلغني أن مَلَكًا أُمر أن يخسف بقرية فقال: يا رب فيها فلان العابد فأوحى الله تعالى إليه: (أن به فابدأ فإنه لم يتمعّر وجهه فيّ ساعة قط).

ومن ثمَّ على كل إنسان يرى الظلم، سواء وقع عليه أو على غيره؛ أن يتحرك لرد هذا الظلم، بقدر استطاعته، ولا يتوانى في ذلك. وكما ورد في مسند الإمام أحمد، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "أفضلُ الجِهادِ كلمةُ حقٍّ عندَ سلطانٍ جائرٍ".

واستمرار الظالم في ظلمه علامة شؤم وخراب، فإذا تُرك الظالم ليواصل ظلمه، ويراكم خرابه وتخريبه، يأتي على جملة العمران، ويأتي على المعاش بالبطلان، كما قال ابن خلدون: "الظلم مؤذنٌ بخراب العمران".

twitter.com/drgamalnassar
موقع إلكتروني: www.gamalnassar.com
التعليقات (1)
شخص
الإثنين، 20-03-2023 10:43 ص
عندما يثور الناس سيطحنهم الظالمون بسبب قوة اسلحتهم, إنسى أي سند إلهي, و يرجع الكهنة لتذكيرنا بأن الأخذ بالأسباب يعني أن يكون المظلوم ذا سلاح أقوى من سلاح الظالم, أو يدفعوا إلينا بلوم الضحية و مغالطة العالم العادل لجعل الضحية مساوياً للجلاد أو أسوأ منه. الظلم أمر إلهي, إنه من الله و بأمره و إليه يعود. بل لا تتحقق ذاته """"العلية"""" إلا بالظلم و إلا لما كان القهار. إنه أساس الربوبية. السلاح الأقوى يزيل الظلم, عدا عن ذلك فهناك طرق أقل إيلاماً للانتحار.