كتاب عربي 21

تركيا: حصاد 2022 ومدخلات الانتخابات المقبلة

سعيد الحاج
الاقتصاد والتضخم يمثلان عاملين حاسمين في الانتخابات القادمة- جيتي
الاقتصاد والتضخم يمثلان عاملين حاسمين في الانتخابات القادمة- جيتي
لم تشذّ سنة 2022 في تركيا عن قاعدة السنوات القليلة الأخيرة، فكانت حافلة بالأحداث المهمة داخلياً وخارجياً، لكنها حظيت وتحظى بأهمية مضاعفة كونها "السنة التي تسبق الانتخابات" البرلمانية والرئاسية المقبلة في البلاد. وبالتالي فإن النظر لمجمل التطورات الداخلية والخارجية ثم تقييم العام نفسه؛ يرتبط حتماً بزاوية التأثير -من عدمه- على الانتخابات المقبلة.

يأتي الاقتصاد واجتماعات المعارضة ثم الحكم على رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو في مقدمة الملفات الداخلية، والحرب الروسية- الأوكرانية ومسار المصالحات مع عدد من الأطراف الإقليمية في مقدمة ملفات السياسة الخارجية التركية في 2022. وقد سارت هذه الملفات جميعها تقريباً في مسار هادئ وإيجابي نسبياً خلال العام الحالي وتحديداً في نهاياته، لكنها مسارات مفتوحة على إمكانية الاستمرار أو التراجع مع بدايات عام 2023، ما يجعل تأثيرها المتوقع على الانتخابات المقبلة غير محسوم ويحتمل الوجهين.

سارت هذه الملفات جميعها تقريباً في مسار هادئ وإيجابي نسبياً خلال العام الحالي وتحديداً في نهاياته، لكنها مسارات مفتوحة على إمكانية الاستمرار أو التراجع مع بدايات عام 2023، ما يجعل تأثيرها المتوقع على الانتخابات المقبلة غير محسوم ويحتمل الوجهين

فيما يتعلق بالاقتصاد، فقد كان ضمن أهم الأسباب التي أدت لتراجع شعبية الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، قبل أن يكون كذلك ضمن أهم العوامل التي ساهمت في تحسن شعبيتهما في استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الشهور القليلة الأخيرة. إذ يبدو أن حِزَمَ الدعم التي قدمتها الحكومة وقرارات الإعفاء من الدفع إضافة لمشاريع الإسكان ورفع الحد الأدنى للأجور أكثر من مرة؛ قد آتت أكلها على هذا الصعيد.

بيد أن مآلات الوضع الاقتصادي خلال الشهور المقبلة ليست مضمونة تماماً. ففي جانب الحكومة هناك تفاؤل وتأكيد على أن المسار الإيجابي مستمر في الأشهر المقبلة، لا سيما مع رفع الحد الأدنى للأجور في مطلع العام وتسريبات عن احتمال رفعه مرة اخرى مع بداية آذار/ مارس المقبل. بينما ترى المعارضة أن إجراءات الحكومة التسكينية لن تفيد في كبح جماح التضخم وضبط الأسعار وإنما ستؤدي إلى عكس ذلك تماماً، وهذا ما سيحيج الحكومة إلى رفع الحد الأدنى للأجور مرة أخرى قبل الانتخابات، بل لعل ذلك من ضمن الدوافع لتبكير الانتخابات من موعدها في حزيران/ يونيو شهراً أو شهرين.

كما أن الحكم على أكرم إمام أوغلو ليس نهائياً ولا مؤكداً، إذ قد تبطله المحاكم العليا قبل موعد الانتخابات أو حتى بعدها، وبالتالي فليس واضحاً ما إذا كان -وكيف- سيؤثر على فرص الرجل في الترشح للانتخابات الرئاسية. فإذا ما كانت التقييمات للحكم الصادر ذهبت في الساعات الأولى باتجاه تخلص أردوغان من أحد أقوى منافسيه، ثم في الأيام التي تلته لزيادة فرص إمام أوغلو وتقوية موقفه مقابل رئيس حزبه كمال كليتشدار أوغلو، فإن المشهد بعد ذلك عجَّ بالخلافات التي ظهرت للسطح بين الرجلين وكذلك بين الحزبين الرئيسين في "طاولة الستّة" المعارضة؛ الشعب الجمهوري والجيد.

وعليه، فإن استمرار الخلافات في معسكر المعارضة وعدم القدرة على توحيد الموقف سيصب في صالح الرئيس التركي، لا سيما وأن الوقت حتى الانتخابات يمكن أن يضيق بسرعة في ظل احتمال تبكيرها قليلاً، بينما قد تستطيع المعارضة استثمار الزخم الذي حصل بعد النطق بالحكم لصالحها في حال استطاعت حل مشاكلها البينية والتوافق على البرنامج والمرشح (أو المرشحِين).

حققت تركيا بعض الإنجازات عبر وساطتها في الحرب الروسية- الأوكرانية، وتحديداً اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية (والبضائع الروسية) وتبادل الأسرى بين موسكو وكييف، وقد كان ذلك أيضاً من ضمن عوامل تحسن شعبية الرئيس وحزبه

خارجياً، حققت تركيا بعض الإنجازات عبر وساطتها في الحرب الروسية- الأوكرانية، وتحديداً اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية (والبضائع الروسية) وتبادل الأسرى بين موسكو وكييف، وقد كان ذلك أيضاً من ضمن عوامل تحسن شعبية الرئيس وحزبه. وقد ساد انطباع بأن فصل الشتاء سيحمل تراجعاً في الأعمال العسكرية الميدانية بشكل إجباري فضلاً عن ضغط ملف الغاز على الدول الأوروبية، ما يمكن أن يشجع على التوصل لاتفاق ما. بيد أن الأسابيع الأخيرة من العام حملت مؤشرات على احتمالية تفاقم الحرب واشتدادها أكثر.

وأخيراً، فلعل أهم ما ميز عام 2022 في السياسة الخارجية التركية كان مسار المصالحات والتقارب مع الدول التي صبغت الخصومةُ الشديدة والمواجهات المباشرة وغير المباشرة علاقاتِها مع تركيا خلال العقد الماضي. فقد حسّنت أنقرة علاقاتها مع كل من الرياض وأبو ظبي والقاهرة وحتى تل أبيب، بما خفف بعض الضغوط على سياساتها الخارجية وحمل مؤشرات إيجابية للاقتصاد، من خلال وعود الاستثمار المباشر والاتفاقات الموقعة وارتفاع حجم التبادل التجاري.

قد يتعاظم الأثر الإيجابي لهذا المسار إذا ما حصل تقدم في العلاقات السياسية بين أنقرة ودمشق، بما يخدم فكرة المنطقة الآمنة وعودة عدد لا بأس به من اللاجئين السوريين لها، وإن كان ذلك غير مرجح بالنظر للهامش الزمني القليل حتى موعد الانتخابات

وقد يتعاظم الأثر الإيجابي لهذا المسار إذا ما حصل تقدم في العلاقات السياسية بين أنقرة ودمشق، بما يخدم فكرة المنطقة الآمنة وعودة عدد لا بأس به من اللاجئين السوريين لها، وإن كان ذلك غير مرجح بالنظر للهامش الزمني القليل حتى موعد الانتخابات، لكن مؤشرات هذا المسار تبدو ذات دلالة وفائدة بهذا الصدد.

وعليه، تدخُلُ تركيا عام 2022 بمؤشرات أكثر إيجابية من السنة التي سبقتها، وتحديداً على صعيد فرص الرئيس التركي وحزبه في الانتخابات المقبلة، والتي يراهن الأخير على استمرارها حتى لحظة الاقتراع. في المقابل، فإن التغير المحتمل لمسار هذه الملفات يمكن أن يلعب دوراً لصالح المعارضة في الأشهر القليلة المتبقية حتى الانتخابات، وهو أمر بالغ الأهمية وقد يكون له تأثير كبير في ظل حالة الاستقطاب القائمة. ومن البديهي أن الملفات الداخلية أكثر أهمية ووزناً وتأثيراً من ملفات السياسة الخارجية من حيث المساهمة في صياغة نتائج الانتخابات بدرجة أو بأخرى، وتحديداً الاقتصاد وتوافق المعارضة وقضية إمام أوغلو.

twitter.com/saidelhaj
التعليقات (0)