أفكَار

خصائص التنظيم عند الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير المغربية

أدت شخصية الدكتور أحمد الريسوني دورا إيجابيا في ترشيد مسيرة العمل الإسلامي بالمغرب
أدت شخصية الدكتور أحمد الريسوني دورا إيجابيا في ترشيد مسيرة العمل الإسلامي بالمغرب

تأثرت طبيعة هذه التجربة بنشأتها في أحضان جماعة الدعوة والتبليغ، وهي الجماعة التي تتمحور حول مجموعة من الخصال التي ينبغي أن يتحلى بها الفرد المؤمن كالخضوع والخشوع في الصلاة وإخلاص الأعمال والنوايا لله ومراقبة النفس، وتعلم العلم الشرعي حتى يُعرف الله حق المعرفة والخروج في سبيل الله لنشر الدعوة، ومن المعروف عن جماعة التبليغ أنها تتبنى خطابا بسيطا في تذكير الناس بهذه الخصال، وترفض الخروج عنها.

ولذلك تميزت نشأة الجمعية الإسلامية بطبيعتها الهادئة، وتأثرت في منهجها الدعوي منذ البداية بالوسطية والاعتدال في فهم الدين والدعوة إليه، ولم تنهج أسلوب الصراع مع النظام أو استفزازه، ولم تتبن الأفكار الثورية التي كانت موضة التيارات اليسارية والإسلامية في تلك المرحلة، وسطرت في نظامها الأساسي هدفا واحدا واضحا في الفصل الثاني وهو: "الدعوة إلى الإسلام والتعريف بأحكامه صحيحة كاملة، والعمل والتعاون من أجل تطبيقها"، و"تمارس الجمعية من أجل ذلك نشاطاتها في شتى المجالات النافعة، وتقوم بمختلف الخدمات التربوية والاجتماعية والثقافية والرياضية لفئات الأمة كافة". كما جاء في الفصل الثالث، و"تعمل الجمعية لتحقيق أهدافها وتنفيذ برامجها بكل الوسائل المشروعة والمباحة؛ كتنظيم الدروس والمحاضرات والمهرجانات والمعارض وإقامة المخيمات والرحلات الجماعية، وإعداد ما أمكن من المطبوعات المناسبة". كما جاء في الفصل الخامس، ومن الملفت للانتباه أن النظام الأساسي، يعكس رغبة واضحة في الانفتاح على المجتمع، بحيث يشير في الفصل السادس إلى أن الجمعية تمارس نشاطاتها حسب نوعية النشاط في الأماكن التالية: مقر الجمعية وكل الأماكن التي قد تصبح في حوزتها أو رهن إشارتها، الأماكن العمومية إذا أذن للجمعية فيها، الأماكن الخاصة إذا أذن للجمعية فيها؛ كمنزل الأمين العام ومنازل الأعضاء، وفي المدارس والمستشفيات والسجون والمؤسسات الخيرية، بعد أخذ الإذن فيها. 

وهذا أسلوب في التفكير كان متقدما بالمقارنة مع التنظيمات الإسلامية الموجودة آنذاك.

وتتكون هياكل الجمعية من المجلس الإداري ومن الجمع العام الذي يعدّ أعلى هيئة تقريرية، وهو الذي ينتخب المجلس الإداري. أما نظام العضوية في الجمعية، فقد كان نظاما مرنا بحيث تعطى العضوية لكل من وافق المجلس الإداري على عضويته، وتم اعتماد نظام الأغلبية المطلقة في اتخاذ القرارات، وفي حالة تساوي الأصوات يعدّ صوت الرئيس مرجحا.

هذه التجربة، وصل صداها إلى الجماعة الإسلامية التي انفصلت عن عبد الكريم مطيع سنة 1981، وأسندت رئاستها إلى  محمد يتيم آنذاك.. بعد سنتين اتخذت الجماعة الإسلامية قرار السماح لمنطقة الرباط، التي كان مسؤولا عنها عبد الإله بنكيران بتأسيس عمل قانوني في شكل جمعية محلية، تحت اسم "جمعية الجماعة الإسلامية" كأول محاولة للخروج من السرية وخوض تجربة العمل القانوني، وفي سياق الإعداد للخروج القانوني، كلف بنكيران كل من الأخوين محمد الحمداوي ومحمد الزويتن بزيارة القصر الكبير، والاتصال مع قيادة الجمعية الإسلامية للاطلاع على تجربة العمل القانوني المرخص للجمعية الإسلامية، فكانت الزيارة في رمضان 1403 الموافق لحزيران/يونيو 1983، وتزامنت هذه الزيارة مع الأسبوع الثقافي السنوي، ومعرض الكتاب الإسلامي الذي اعتادت الجمعية الإسلامية على تنظيمه كل سنة، وكان اللقاء مع كل من الأستاذين أحمد الريسوني وعبد الناصر التيجاني، وتم إطلاعهم على تجربة الجمعية وتزويدهم بالوثائق القانونية، وبالفعل تم نقل هذه التجربة، وتم وضع ملف طلب الترخيص لجمعية الجماعة الإسلامية لدى سلطات مدينة الرباط.

وفي هذا السياق، تميزت علاقة الجمعية الإسلامية بباقي الجماعات بنوع من الاحترام والتوقير ورفض أساليب الطعن والتخوين فيها، بل سعت إلى الانفتاح على جميع التنظيمات الإسلامية الموجودة، ولاسيما مع جمعية جماعة الدعوة الإسلامية بفاس وجماعة التبيّن في الرباط، وهو ما أهلها لتحمل على عاتقها مسؤولية توحيد التنظيمات الإسلامية في المغرب؛ انطلاقا من قناعة اجتهادية تؤمن بمركزية الوحدة وأهميتها في العمل الإسلامي، وقد قامت بالفعل بدور رائد في بناء رابطة المستقبل الإسلامي كتنظيم موحد بين ثلاث جمعيات، هي جمعية جماعة الدعوة الإسلامية وجمعية التبين بالإضافة للجمعية الإسلامية، ابتدأ الحوار بين التنظيمات الثلاثة منذ منتصف الثمانينيات، ولم يتم الإعلان عنه إلا سنة 1994.

وقد كانت بداية التسعينيات فرصة لبناء الهياكل الموحدة للتنظيم الجديد على الصعيد الوطني، وبروز تنظيم جديد بمقدرات بشرية علمية وفكرية جديدة، وتعزز هذا التنظيم ببناء تنظيم طلابي تحت اسم "فعاليات طلابية"، وهو التنظيم الذي قاده منذ بداية التسعينيات أحد الشباب الذي كان يتابع دراسته بكلية الطب بالرباط، والذي لم يكن سوى أحد خريجي الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير، إنه الدكتور عبد الله بووانو، أحد القيادات الأساسية لحزب العدالة والتنمية، ورئيس كتلتها النيابية بالبرلمان وعضو أمانتها العامة اليوم. 

 

يحسب للجمعية اهتمامها المبكر بالعمل السياسي وخدمة الشأن العام، وذلك من منظور تدرجي هادئ، كما يحسب للجمعية الإسلامية مواقفها المعتدلة من النظام السياسي، وابتعادها عن أي نزعة ثورية مغامرة لم تكن معها الجمعية بحاجة إلى مراجعات فكرية أو سياسية،

 


بعد نجاح التجربة الوحدوية الأولى، برز اسم الدكتور أحمد الريسوني كشخصية محترمة اجتمعت فيه مواصفات العلم والحكمة، إلى جانب مؤهلات القدرة على التنظيم والتسيير، مما أهله لقيادة رابطة المستقبل الإسلامي، قبل أن يقود باقتدار كبير مشروع الوحدة الاندماجية الثانية بين حركة الإصلاح والتجديد، ورابطة المستقبل الإسلامي التي تم الإعلان عنها في آب/غشت 1996. 

وهي السنة نفسها التي ستعرف التحاق عدد من أبناء حركة الإصلاح والتجديد بحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، في خطوة متقدمة نحو خوض مجال المشاركة السياسية من زاوية حزب سياسي قائم.

وهنا، تجدر الإشارة إلى التجربة السياسية لأبناء الجمعية الإسلامية التي تستحق التوثيق، باعتبارها تجربة رائدة تبرز الاهتمام المبكر للجمعية الإسلامية بالمجال السياسي والانخراط فيه بشكل سلس، كان له أثره في تجربة حزب العدالة والتنمية فيما بعد، ولاسيما على مستوى العمل في البلديات. 

الاهتمام بالسياسة وخوض غمار المشاركة السياسية في وقت مبكر.

في بداية التسعينيات وبالضبط سنة 1992، أعلنت السلطات المغربية عن موعد تنظيم الانتخابات البلدية، في هذه اللحظة بدأ النقاش داخل الجمعية الإسلامية حول إمكانية المشاركة فيها.

لم يكن اتخاذ قرار المشاركة سهلا، حيث انقسم بشأنه أعضاء الجمعية الإسلامية إلى فريقين متكافئين بين مؤيد ومعارض، ولم يحسم الموضوع إلا بواسطة التصويت في اجتماع ترأسه الدكتور أحمد الريسوني بمقر الجمعية بالقصر الكبير باعتبار مكانته ورمزيته، رغم أنه لم يكن رئيسا للجمعية آنذاك، حيث كانت النتيجة 12 عضوا لصالح المشاركة و12 آخرين رافضين لها، وكان صوت الدكتور أحمد الريسوني هو المرجح لعملية المشاركة.

 كان قرار المشاركة في الانتخابات البلدية منعطفا جديدا في تاريخ الجمعية سيؤسس لمرحلة جديدة،  انفتحت فيها الحركة الإسلامية على طرق تدبير وإدارة الشأن العام.

لقد كانت أول مشاركة في الانتخابات البلدية سنة 1992، وقدمت خلالها الجمعية الإسلامية الجيل الثاني من أطرها، حيث شاركوا في الانتخابات الجماعية كمستقلين في غياب أي غطاء حزبي.

لم تكن انتخابات سنة 1992 مقتصرة على ترشيح أعضاء من الجمعية الإسلامية، بل تميزت أيضا بترشيح ودعم أطر من خارج الجمعية، وهو ما أفرز كتلة مكونة من ثلاثة من أعضاء ينتمون للجمعية الإسلامية، إضافة إلى أربعة آخرين مدعومين من طرف الجمعية، وهو ما سمح لهذه الكتلة بالمشاركة في التسيير بواسطة النائب الأول لرئيس المجلس البلدي في شخص عبد السلام الشاعر، وأيضا مقرر الميزانية في شخص سعيد خيرون القيادي في حزب العدالة والتنمية (هو المدير العام للحزب حاليا وعضو أمانتها العامة).

لم تكن المشاركة في الانتخابات الجماعية لسنة 1992 هي المشاركة الوحيدة للجمعية الإسلامية، بل شاركت في الانتخابات التشريعية لسنة 1993 عبر ترشيح سعيد خيرون في إطار حزب الشورى والاستقلال، حيث سيحتل الرتبة الثانية وحصل على 7000 صوت، وهو رقم محترم بالنسبة لأول مشاركة.

 بعد عشر سنوات من المشاركة، سيتمكن هذا الجيل من قيادة العمل السياسي بالمدينة من خلال رئاسة المجلس البلدي سنة 2003 بالتحالف مع حزب الاستقلال، وفي سنة 2009 سيتمكن من الحصول على الأغلبية المطلقة للمجلس الجماعي سنة 2009، وتدبير مجلس المدينة لاثنتي عشرة (12) سنة بشكل متواصل.

كما تمكن الأستاذ سعيد خيرون (وهو إطار في وزارة المالية) من الفوز بالانتخابات التشريعية سنة 2002 إلى سنة 2016، أي لثلاث ولايات متتالية، وبذلك تكون هذه التجربة من أولى التجارب الناجحة لتدبير العدالة والتنمية للجماعات المحلية.

خلاصات:

أولاـ لقد نشأت الجمعية الإسلامية في أحضان جماعة التبليغ وتأثرت بمنهجها في الدعوة، واستمر أعضاؤها في الارتباط بها والعمل داخل مقرها المركزي بالمدينة مع الانفتاح على مناهج دعوية أخرى، كما تأثرت بصفة خاصة بأدبيات الإخوان المسلمين، وتشكلت قناعات النواة التأسيسية للجمعية الإسلامية، على أساس الفهم الشمولي للإسلام والاشتباك التدريجي مع قضايا المجتمع الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية؛ انطلاقا من المرجعية الإسلامية. 

ثانياـ لقد كان للوعي القانوني المبكر لمؤسسي الجمعية (أحمد الريسوني ومحمد الدكالي وعبد الناصر التيجاني)، دور أساسي في سهولة التأسيس والانتباه المبكر إلى أهمية العمل في إطار القانون وتجاوز غموض المرحلة السابقة، فقد كانوا مطلعين على قانون الحريات العامة من خلال دراسة كل من أحمد الريسوني ومحمد الدكالي بكلية الحقوق بالرباط، ومن خلال اشتغال الأول بالمحكمة الابتدائية بالقصر الكبير والتحاق الثاني بالمدرسة الإدارية الوطنية بالرباط واشتغاله أيضا بالمحكمة الابتدائية، وأيضا من خلال التجربة الجمعوية السابقة للأستاذ عبد الناصر التيجاني، الذي قاد الجمعية الإسلامية بعد الدكتور أحمد الريسوني لعدة سنوات.

ثالثاـ لقد انطلقت الجمعية الإسلامية في عملها من منطلقات دعوية صرفة، على أساس الفهم الشمولي للإسلام، ولم يسبق لها أن تأثرت بمنهج العمل السري، ولذلك فإنها لم تكن بحاجة لنقاشات طويلة قبل أن تنظم عملها في إطار القانون، في الوقت الذي كان بعض الإسلاميين ينظرون بعين الريبة والشك لكل من يعمل في إطار جمعيات قانونية ويتهمونه بالعمالة للنظام.

رابعاـ يحسب للجمعية اهتمامها المبكر بالعمل السياسي وخدمة الشأن العام، وذلك من منظور تدرجي هادئ، كما يحسب للجمعية الإسلامية مواقفها المعتدلة من النظام السياسي، وابتعادها عن أي نزعة ثورية مغامرة لم تكن معها الجمعية بحاجة إلى مراجعات فكرية أو سياسية، وهو ما جعلها تجد سهولة كبيرة في الاندماج في العمل السياسي الحزبي، وتساهم بأطرها بشكل إيجابي في بناء تجربة العدالة والتنمية.

خامساـ أدت شخصية الدكتور أحمد الريسوني وتكوينه القانوني والشرعي واهتمامه المبكر بأصول الفقه ثم بالمقاصد الشرعية، دورا إيجابيا في ترشيد مسيرة العمل الإسلامي بالمغرب، كما ساهم بحكمته وتحرره الفكري في بناء وحدة اندماجية بين فصيلين إسلاميين، ينتميان لمشارب وحساسيات تنظيمية مختلفة، وتجاوز الصعوبات المرتبطة بها، وهي المؤهلات نفسها التي حباه الله بها ليصل إلى العالمية من خلال رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قبل أن يقدم استقالته منه انتصارا لحرية الرأي والفكر والتعبير.

في الحلقة القادمة، نستعرض تجربة جمعية جماعة الدعوة الإسلامية وقصتها مع فكرة التنظيم، بعد تأسيسها على يد الدكتور عبد السلام الهراس، رحمه الله، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. 

 

اقرأ أيضا: إسلاميو المغرب.. مسار الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير


التعليقات (1)
يوسف
الأحد، 20-11-2022 10:45 م
جميعهم أجهل من دواب قريش في العقيدة تدعون بأنهم جماعات و قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق الدعوة و التلبيخ في ولاية الهند و فرقة الإخوان حمير اليهود والنصارى و المجوس كل من خرج من رحمهم