قضايا وآراء

هوية العالم وواجبنا نحوها

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600

الماهية والكيفية والتهديدات والمخاطر والواجب فعله

أهداف المقال:

1- توجيه ميول النخب الثقافية والباحثين والمصلحين إلى النظرة الشمولية لهوية العالم.

2- تعزيز الوعي بالسنن الإلهية الحاكمة لهوية العالم عبر محطاته التاريخية المتتالية.

3- تمكين المصلحين المسلمين حَمَلة الرسالة المحمدية، المسؤولين عن تمكين الرحمة العالمية بهدى الله تعالى الإسلام للناس كافة، برؤية إصلاحية عالمية عن الواجب فعله خلال تلك المحطة التاريخية العصيبة من عمر البشرية.

سلسلة مقالات هوية العالم:

لماذا هوية العالم وليس المجتمع أو الدولة أو الإقليم؟

1- لأننا مسلمون عالميون بحق شهادة التوحيد، ورسالتنا عالمية من يومها الأول حتى نهاية الحياة الدنيا، وبداية الحياة الآخرة عند رب العالمين.

2- لأن هوية غرفة النوم الخاصة وغرف الأبناء الخاصة، والمنزل والمدرسة والنادي والمؤسسة والمجتمع والدولة، أصبحت كلها هوية عالمية واحدة دائمة الاتصال وسريعة التأثر والتأثير.

3- لأن أعداء الله تعالى، المحاربين له ولرسله ولخاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه من المصلحين في العالم، "محَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم" (الفتح) يعملون برؤية وخطط وسياسات طرق وأدوات عالمية متكاملة لإفساد هوية العالم.. حرب على الله تعالى ورسالاته، تحقيقا لمصالح ورفاهية فئة قليلة على حساب إفساد وهلاك وإبادة بقية البشر، بمشروع عالمي موحد مضمونه الفساد للعالمين.

يصبح الحديث الجزئي المعزول عن سياقه العالمي، تخليا عن رسالة ومهمة الله تعالى بالرحمة للعالمين، وتخلفا عن فهم الواقع، واستسلاما للكافرين أعداء الله تعالى، واتباعا وعبادة للشيطان. ومعاذ الله أن يكون أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كذلك

4- عندما يتسلط على قيادة العالم لما يقارب قرنا من الزمان قوة غاشمة تمثل أفكار ومعتقدات الشيطان وتصبح قيادة العالم في يد غير أمينة، بل الشيطان نفسه عدو الإنسانية، ومن ثم يصبح الحديث الجزئي المعزول عن سياقه العالمي، تخليا عن رسالة ومهمة الله تعالى بالرحمة للعالمين، وتخلفا عن فهم الواقع، واستسلاما للكافرين أعداء الله تعالى، واتباعا وعبادة للشيطان. ومعاذ الله أن يكون أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كذلك.

ولتمام وحدة الموضوع وربط الجانب النظري بالعملي الواجب فعله لنكون عمليين بحق، التزاما بقول ربنا في كتابنا القرآن الكريم النور الفرقان الهادي المبين: "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ" (آل عمران)، نلوذ ونتمسك به دائما وخاصة أوقات الفتن وغربة الحق، كما نبه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس" (صحيح البخاري ومسلم)؛ حين تفسد وتبلى هوية العالم، ويصبح الجميع مهددا في ثقافته وقيمه ومعتقداته ويدرك كل مسلم صالح في ذاته، أنه لكي يحافظ على إيمانه وصلاحه الذاتي لا يمكن له ذلك إلا أن يمارس دينه كاملا، وأنه لكي يكون مسلما صالحا بحق لا بد أن يتم إسلامه ودينه، ولا يكتفي بالمشاهدة بل ينزل إلى ميادين الإصلاح المتنوعة ويمارس الإصلاح. ونحن بدورنا نقدم رؤية شاملة وموجزة تمكن الجميع أفرادا وفرق عمل ومؤسسات خاصة ومجتمعا مدنيا وحكومات؛ من فهم مكونات ومفاتيح وأدوات هوية العالم وكيفية العمل والواجب فعله، كل بقدر طاقته واستطاعته "وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" (المطففين).. لكل ذلك سنتناول الموضوع في شكل سلسلة متتالية إن شاء الله تعالى على هذا النحو:

1- ماهية ومكونات هوية العالم.

2- معايير ومؤشرات قياس سلامة وجودة هوية العالم.

3- خصائص هوية العالم.

4- آلية تشكيل هوية العالم.

5- الدور الوظيفي لمعرفة وفهم هوية العالم.

6- المشهد الحالي لهوية العالم في ضوء المزيج النسبي لمكوناته الثمانية.

7- التهديدات والمخاطر التي تواجه هوية العالم وحاضر ومستقبل البشر.

8- فرص وممكنات الإصلاح والتغيير في هوية العالم.

9- الواجب فعله من المسلمين حملة لواء الهداية الربانية، أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.

1- ماهية ومكونات هوية العالم

هوية العالم يقصد بها المشهد العام لمزيج التنوع الثقافي الهوياتي للعالم، ومدى جودته حضاريا وأثره على جودة حياة الناس، من أمن وسلام واستقرار ومستوى معيشة ورفاهية الناس جميعا، وليس لفئة دون فئة، أي مجموع أمن واستقرار ومستوى معيشة شعوب العالم الثالث والثاني والأول الخاص بالدول المتقدمة في شكل متوسط عام للجميع، حيث تعكس مناسيب الأمن والسلام والاستقرار ومستوى معيشة السكان، مدى سلامة وجودة القيم والنظم الثقافية والاقتصادية والسياسية الغالبة.

هوية العالم يقصد بها المشهد العام لمزيج التنوع الثقافي الهوياتي للعالم، ومدى جودته حضاريا وأثره على جودة حياة الناس، من أمن وسلام واستقرار ومستوى معيشة ورفاهية الناس جميعا، وليس لفئة دون فئة، أي مجموع أمن واستقرار ومستوى معيشة شعوب العالم

وقضى الله تعالى في سننه الجارية في العالم أنه يقوم على الاختلاف وتنوع الثقافات والهويات:

- "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ" (الأنعام: 35).

- "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّة وَاحِدَة وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود: 118).

- "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (المائدة: 48).

وهذا التنوع السنني نسبي يمر بدورات حضارية متعاقبة، يضبط بموازين الحق والهداية الربانية التي تجعل الغالب عليه رحمة للعالمين ولو ضل وكفر وانحرف بعضهم، ويختل أيضا لو غلبت عليه قوة الشيطان من كفر وطغيان وفساد وضلال، مع ثبات إيمان وصلاح بعضهم. والدورة الآن لقوى الشيطان ولا بد لها أن تعود لقوى الرحمن.

هوية العالم:

يقصد بهوية العالم: الثقافة العالمية السائدة والمتحكمة في صناعة قرارات الدول الكبرى -ذات التأثير الأكبر في العالم- وما يتبعها ويدور في فلكها من بقية دول العالم، والنظم والقوانين والمبادئ والقيم المسيرة للمؤسسات الدولية، وكذلك قوانين القوة والسيطرة غير المعلنة، ولكنها جارية وفاعلة وحراكها وتفاعلها مع الهويات المحلية التي تسعى للحفاظ على أصالتها وخصوصيتها واستمرارها، والتي تؤثر في نمط تفكير واهتمامات وأولويات وسلوك وأداء وإنجاز سكان الأرض، وعلاقة المجتمعات المتنوعة ببعضها البعض.

المكونات الأساسية لهوية العالم

 

الثقافة العالمية السائدة والمتحكمة في صناعة قرارات الدول الكبرى -ذات التأثير الأكبر في العالم- وما يتبعها ويدور في فلكها من بقية دول العالم، والنظم والقوانين والمبادئ والقيم المسيرة للمؤسسات الدولية، وكذلك قوانين القوة والسيطرة غير المعلنة

تتكون هوية العالم من ثمانية عناصر أساسية:


1- المعتقدات الحاكمة لتفكير واهتمام وقرارات النسبة الأكبر من سكان كوكب الأرض.

2- القيم والثقافات الأقوى عالميا (في ذاتها، وانتشارها وقوة محركاتها ونشرها).

3- اللغات العالمية الرائجة بما تحمله من قوة علمية ورؤية واستعداد وتجهيز للمستقبل.

4- التراث العلمي والثقافي الأكثر رواجا وحيوية وفاعلية وتأثيرا.

5- نظم القيم المحلية القوية الصلبة للأيديولوجيات والقوميات المتنوعة.

6- النظم والقوانين الاقتصادية والسياسية الحاكمة المعلنة وغير المعلنة لقرارات العالم، القوانين الدولية المدونة بالمؤسسات والمواثيق الدولية، قوانين القوة والهيمنة السياسية غير المعلنة وغير المكتوبة، ولكنها حاكمة وجارية.

7- الإنتاج المعرفي المتجدد بما يحمله من تأثير في نمط تفكير وأفكار ومعتقدات وحياة الناس.

8- نتائج التدافع والصراع المستمر بين الهويات المختلفة وما تنتجه من ثلاث نتائج وأشكال: الأول: انتشار وتمدد هويات، الثاني: ضعف وتفكك هويات، الثالث: اندثار وتلاشي هويات.

 

التعليقات (0)