مقالات مختارة

هذه ليست حريات شخصية أيها السادة

ماهر أبو طير
1300x600
1300x600

يريد كثيرون في هذا البلد، أن نقبل الحرية الشخصية وفقا لمعيار محدد يقول إن من حقهم فعل كل ما يريدون حتى لو أدى ذلك إلى شطب هوية البلد الاجتماعية والدينية، وهندستها من جديد.


الأشهر الماضية، كانت لافتة للانتباه، إذ إن تحطيم المعيار الديني والأخلاقي والاجتماعي جار على قدم وساق، بكل هذه النشاطات التي نراها، والتي يراد منها كسر المحرمات، وإعادة إنتاج معايير العيب والحرام والممنوع وغير ذلك، وليس أدل على ذلك من كل هذه الحفلات والمؤتمرات هنا وهناك، والتي تستقطب مئات الآلاف في بلد يعاني من الفقر، فوق أن كل جواره مذبوح.


البلد الذي جنوبه الكعبة وغربه المسجد الأقصى، وتعاني شعوب جواره في الشمال والشرق من التشريد والذبح والقتل والفتن، يتم اخذه إلى مسار جديد، وكأننا ليس لنا علاقة بكل ما يجري.


كنا نظن في زمن ما أن نسخة ما من الإسلام الذي يمكن وصفه بالمتشدد، غير مقبولة، لكننا اكتشفنا أن كل النسخ يراد اخراجها، بما في ذلك النسخ التي توصف بالمعتدلة والناعمة، لصالح تشكيل المجتمع بصورة جديدة، يتم فيها إخراج قيم الدين والعيب والحلال والحرام.


كيف يمكن أن يحتمل العصب العام، رؤية مئات الآلاف ينفقون كل هذه الأموال على حفلات غنائية، وعلى نشاطات مختلفة، تفتقد الى معيار العيب بحدوده الدنيا، في الوقت الذي يعاني الناس من الفقر والحاجة والحرمان، وكأننا امام اعادة انتاج طبقي، والكل حر بماله يفعل فيه مايشاء ما دام المال في جيبه، وليذهب الفقراء والمساكين والمحتاجون إلى جهنم الحمراء؟


هذا فرز طبقي خطير من حيث دلالاته ونتائجه، لأن الفقير حين لا يجد علبة الحليب لابنه، ويشاهد من ينفق وعائلته آلاف الدنانير على حفلة لمطرب عربي، بمعية عائلته، سيصاب بغضب حارق، لا يمكن تبريره بالحرية الشخصية، ولا حرية إنفاق المال كيفما أراد صاحبه أو صاحبته.


والقصة ليست قصة الأردن وحسب، حتى لا نتمرجل على أحوال الأردن فقط، لاننا حين نرى الآلاف يأتون من فلسطين المحتلة 48 لينفقوا أموالهم، ويصرفونها على حفل لمطرب عربي في الأردن في الوقت الذي تتم استباحة المسجد الاقصى، كل يوم، في ذات التوقيت، فمن حقنا أن نسأل عن إحساس هؤلاء ومسؤوليتهم تجاه القدس، والمسجد الأقصى، وإذا ما كانوا يدركون حقا، اين صرنا، وإلى أين نذهب، وأين هي مسؤوليتهم الاخلاقية، دون أن ننكر هنا أن هناك قوى سياسية واجتماعية ودينية في فلسطين المحتلة عام 48، تقف في طليعة الذين يدافعون عن المسجد الاقصى، والقدس، ويدركون مسؤولياتهم، وواجباتهم في ظل هذه الازمات الخطيرة.


غسل الهوية الوطنية والدينية والقومية والاجتماعية، ليس حكرا على الأردن فقط، إذ إن هناك حربا يتم شنها بوسائل مختلفة، من بينها وسائل التواصل الاجتماعي، لإنتاج أجيال جديدة مفصولة عن هويتها، ومعيارها أولوياتها الشخصية التي تتم تغذيتها بتوفر المال لدى هذا أو ذاك، وهكذا يتم اختطاف العالم العربي وتفكيكه، وإخراج الدين وقيمه الاخلاقية من حياة الأفراد.


القصة هنا ليست تطرف كاتب هذه السطور، القصة ترتبط بمحاولات مسح الهوية في كل مكان، وإنتاج طبقات مختلفة، طبقات مسحوقة غير مؤثرة ومغيبة، وطبقات غنية لها اهتماماتها بعيدا عن العناوين الكبرى كالوطنية والقومية والدين والموقف من الاحتلالات، فوق الكلف الطبقية التي لها علاقة بكيفية انفاق هؤلاء لأموالهم مقارنة بفقراء لا يجدون ثمن ابسط احتياجاتهم.


لا يمكن لنا أن نعتبر ما يجري مجرد حريات شخصية، لأن الحريات الشخصية تحولت هنا إلى خنجر في ظهر الغالبية التي تتفرج، ولا تستطيع الاعتراض، ولا وقف هذه التغيرات الكاسحة، وهناك فرق كبير بين الحريات الشخصية التي تحترم الغالبية وخصوصيتها، وقضاياها، وظروفها، وتلك الحريات التي تستفز المجتمع، وتدوس على كل عناوينه وحساسياته ومعاييره وقضاياه.


إن الاعتراض هنا لا يعبر عن انغلاق، لكنه يعبر عن حساسية هائلة تجاه هذه التغيرات، وأيضا فيه إدراك مبكر للكلفة التي ستأتينا على الطريق، شئنا أم أبينا…ولننتظر أيها السادة.

 

 

الغد الأردنية

2
التعليقات (2)
العقل العربي الجمعي المريض
الثلاثاء، 11-10-2022 07:17 م
التصحيح الديني قبل التصحيح السياسي والاقتصادي ان الحقيقة الكبرى التي غفل عنها فقهاء الاسلام قديما وحديثا هي ان الاسلام قد دشّن عصر ما بعد الرسالات، أي عصر صلاحية الانسانية للتشريع لنفسها، وبغير ذلك فان البشرية كانت ستبقى دائما بحاجة الى انبياء جدد. لقد انعزلت أمة العرب عن بقية امم الارض المتحضرة لمئات السنين. وكان من نتائج هذا الانعزال، عجزها شبه التام عن انتاج المعرفة. وكانت الثقافة الدينية الموروثة الخاطئة هي السبب الرئيسي في هذا الانعزال، بسبب التناقضات الكثيرة الموجودة كتب الموروث الديني مع ايات التنزيل الحكيم، مما اثر سلبا في تشكل العقل الجمعي العربي. وكان السبب الرئيسي لذلك التناقض هو قيام ائمة المسلمين الاوائل والمعاصرين)، بنقل اسلوب الحياة الدنيوية للنبي وصحابته، على انه جزء من الدين، واعطوا ذلك صفة القداسة والشموليه والعالميه والابديه. فكان من تنيجة ذلك ان اصبحت المحرمات بين ايدينا بالمئات بل بالالاف بدلا عن اقتصارها على الاربعة عشر محرما المذكورة في كتاب الله. فقول الله تعالى في الاية الكريمه (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به شيئا .... 151/الانعام) يؤكد ان المحرمات محصورة في الايات المذكورة. وأن الله تعالى هو صاحب الحق الوحيد في التحريم. فكل اوامر النبي عليه الصلاة والسلام ونواهيه هي اوامر ونواهي تحمل الصفة المدنيه ضمن نطاق حكمه المدني من مقام النبوه، وهدفها تنظيم الحلال فيما يتعلق بمجتمعه المدني ودولته المدنيه في زمانه فقط، ولا تحمل صفة الشموليه ولا العالمية ولا الابدية، باستثناء ما كان منها يتعلق بشعائر الصلاة والزكاة، حيث امرنا الله تعالى بطاعة الرسول فيهما بشكل منفرد (واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). فهل من المقبول بعد ذلك ان يقال ان كل ما قاله واجتهد به العلماء الاوائل والمعاصرون هو من ثوابت الدين؟ وهل كل تفاصيل حياة النبي الدنيوية اليوميه واجتهادات من أتى من بعده من الخلفاء والائمة هي من ثوابت الدين؟ لقد كاد فقهاء الاسلام الاوائل والمعاصرين ان يؤلّهوا رسول الله. وكان من نتائج ذلك أن طغت محورية الحديث النبوي المنقول، على محورية كلام الله تعالى. واصبح ينظر لاحاديث النبي وتشريعاته على انها وحي ثان مواز للتنزيل الحكيم ومطابق له في القدسية، وربما اعلى منه في بعض الاحيان. واستندوا في ذلك على تفسيرهم للاّية الكريمه "وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى". واعتبروا ان تفسيرهم ذلك لهذه الاية هو تفسير نهائي غير قابل للمراجعة ولا للتصحيح، رغم ان هذا التفسير للآّية الكريمة لم يصدر عن النبي، ولم يرد عنه انه قال ان كل ما يقوله هو وحي من الله. ان معظم كتب الموروث الديني ماهي الا صناعه انسانية بحته، بمعنى انها لاتعدو كونها اجتهادات بشرية في حدود ما سمح به السقف المعرفي في العصور الاولى. اما التشريع النبوي الانساني (الصادر من مقام النبوه)، فقد كان ينحصر في تقييد المطلق او اطلاق المقيد ضمن دائرة الحلال الواسعه. فالنبي معصوم عن الخطأ من مقام الرسالة فقط، وليس من مقام النبوة (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك...) – (ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخره...). ولقد أعطى الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام (وللبشرية من بعده) حق الاجتهاد في التشريع الانساني الدنيوي، دون ان يعطي لذلك الاجتهاد صفة القداسة والشمولية والعالمية والابدية. وكانت تلك هي العلة الكبرى وراء كونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين (أي لا نبي بعده). والا، فان البشرية كانت ستكون دائما بحاجة الى انبياء جدد. وباعطائه سبحانه وتعالى للبشرية ذلك الحق فقد قضى بان محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين. لذلك كله، فأن امة العرب والاسلام في حاجة ماسة اليوم الى قراءة جديدة للتنزيل الحكيم كتلك التي قام بها المفكر الكبير د. محمد شحرور، والتي من شأنها احداث ثورة فكرية دينية شاملة، لتتصحيح القناعات المجتمعيه للعقل العربي. نقول ذلك، مع تسليمنا الكامل بأن كل فكر جديد هو خاضع للقبول او الرفض او التصحيح او التخطئة. ولنتذكر دائما بأنه ليس كل رأي او فكر جديد هو دائما قادم من عدو. وعليه، فاني انصح وبشدة، بالاستماع والاطلاع المتعمق على أفكار هذا العبقري الملهم، لأني أرى فيها حقا احياء للأمة من بعد سباتها الطويل.
رأى
الثلاثاء، 11-10-2022 09:21 ص
الهدف هو خروج قدسية و احترام مفردات الدين و خاصة الثوابت لما مسلسل يقول ممثل ليلى كريم نقرأ الفاتحة خطوبة تقول له فاتحة أم قافلة بمرور الوقت سيتم تكرارها من رجل الشارع هناك عشرات الأشياء مثل ذلك خطة محكمة من عقر غير عربى تنفذ بمال عربى . و الكتاب العرب مشغول بالتفاهات و محاولة إثبات الذات بقدرات محدودة .للأسف لم يعد هناك أحد يستطيع أن يرى الصورة من جميع الجهات دينية و اقتصادية و أمنية .....

خبر عاجل