قضايا وآراء

الدستور الانتقالي في السودان: التفتيت الناعم..

إبراهيم الصديق علي
1300x600
1300x600
(1)
أبدت دول الترويكا ترحيباً مشروطاً بمشروع الدستور الانتقالي في السودان، وقالت في بيان لها يوم 12 أيلول/ سبتمبر الجاري: "إن أي مشروع دستور لا بد أن يضمن تأييد أكبر قاعدة جماهيرية". وقد سارع الفريق أول محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد قوات الدعم السريع، بالترحيب بالمشروع قبل الاطلاع عليه كما ورد في التعميم..

ومن الواضح أن الساحة السياسية مفتوحة على كل الخيارات والاحتمالات في ظل غياب إرادة المضي قدماً.. ولذلك تتكاثر المزايدة على المواقف الضبابية..

لم تتم مناقشة مواد المشروع المقترح، وهو يزاوج بين الإعلان السياسي في مقدمته وبعض مواده وبين الوثيقة الدستورية في تغييبها للإرادة الشعبية والاستفتاء الشعبي، وبين فش غبينة بعض الحزبيين من المغامرين السياسيين..

(2)
لقد رحبت قوى الحرية والتغيير بالمشروع، وهو يحقق كل أهدافها ويرد لها سلطة مفقودة مع إعادة إحكام دستوري، وتفصيل المواد بما يوفر أقسى قدرة على البطش بالآخرين وفق "القانون"، ودون مراقبة أو مراجعة، وحتى المحكمة الدستورية المستقلة (تختار رئيسها وأعضاءها قوى الحرية والتغيير)..
من الواضح أن الساحة السياسية مفتوحة على كل الخيارات والاحتمالات في ظل غياب إرادة المضي قدماً.. ولذلك تتكاثر المزايدة على المواقف الضبابية

وأيدت دول الترويكا (فرنسا وإيطاليا والمانيا والنرويج وهولندا وإسبانيا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية) المقترح باعتباره "معبر في حقل الألغام"..

وهناك ثلاث ملاحظات على دفتر ترحيب الفريق أول حميدتي:

- مجرد إبداء نوايا لفتح "كوة" في حائط مسدود..

- مسايرة للقوى الدولية..

- استباق موقف مجلس السيادة الانتقالي والمكون العسكري..

وفى كل الحالات فإن خطوة الفريق أول حميدتي هو مشروع للتراجع أكثر منه المضي قدماً.. فقد شكك حميدتي في مبادرة الشيخ الطيب الجد (نعرف من وراءها ورؤساء اللجان)، لم ينظر لها كجهد سوداني أو محتوى قابل للقراءة والنقاش، بينما رحب هذه المرة دون اطلاع، فالأمر أقرب للمناورة السياسية..

(3)
وبهذا الموقف، فإن الأطراف متعادلة في بؤس الحال، ولم تعد قوى الحرية والتغيير على ذات وحدتها، فقد خرجت عنها جماعة من الأحزاب والحزب الشيوعي ولجان المقاومة وتجمع المهنيين، وفقدت تأييد الحركات الموقعة على اتفاق جوبا..

وقد تأخر حميدتي في تأييد خطوة انسحاب الجيش من العملية السياسية، وهو الآن يبادر للترحيب بمشروع أكثر مواده موجهة إليه..

فهذه المواقف هي تأكيد على "انسداد الأفق السياسي" أكثر من تحقيق انفراج في أزمة..
لم يعد المجتمع الدولي مستعداً لإسناد جماعة سياسية وأجندة حزبية، بقدر ما أصبح أكثر تفهماً للتعقيدات الراهنة

(4)
من الواضح أن المجتمع الدولي أدرك هذه الحقائق، وقد جاء في بيان الترويكا: "نؤكد ضرورة مشاركة جميع الأطراف السودانية، بما في ذلك الجيش، بشكل بناء في عملية سياسية لاستعادة الانتقال بقيادة مدنية إلى الديمقراطية"، وأضاف البيان: "لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من العمل لضمان قبول أي اتفاق بشأن ترتيب انتقالي من قبل أغلبية واضحة من القوى السياسية والاجتماعية".

لم يعد المجتمع الدولي مستعداً لإسناد جماعة سياسية وأجندة حزبية، بقدر ما أصبح أكثر تفهماً للتعقيدات الراهنة..

(5)
وأفضل الخيارات هو حوار بلا سقف إقصاء يؤسس للمبادئ الكلية دون نظر للجماعات السياسية وصراعاتها، خاصة أن الجميع فقد الزخم الشعبي. وكانت تجربة "قحت" شاهدا على ضعف الكفاءة والخبرة وغياب الرؤية، ولا يمكنها الآن أن تعود للسلطة بهبوط ناعم وفق دستور معيب، وزاد عليها البرهان بتردده وبطء خياراته..
التعليقات (0)