كتاب عربي 21

مدى تأثر الاقتصاد المصري بالأزمة الأوروبية

ممدوح الولي
1300x600
1300x600

في ضوء ارتفاع معدلات التضخم في القارة الأوروبية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وحالة الجفاف الذي ضرب القارة وتسبب في تلف مساحات من المحاصيل الزراعية، وأثر ذلك على تراجع القوة الشرائية للمواطنين، وتوقعات استمرار ارتفاع أسعار الطاقة خلال فصل الشتاء، نتيجة التصعيد مع روسيا ومحاولة فرض سقف سعري على أسعار نفطها، وردها بقطع الغاز الطبيعي عن خط نورد ستريم الواصل لألمانيا والتي كانت تستفيد منه دول أوروبية مجاورة لها.. يصبح السؤال لدى قطاعات الاقتصاد المصري حول مدى تأثر تلك القطاعات بتلك المشاكل الأوروبية، حيث ترى قطاعات مثل الصادرات الزراعية أنها ستتأثر سلبا، ومثل ذلك في قطاع الملابس الجاهزة التي تأثرت سلبا بالفعل، إلى جانب قيام المستوردين الأوروبيين بسداد قيمة الملابس على فترات أطول، وكان قطاع السيارات من أكثر القطاعات تأثرا، نتيجة خفض معدلات الإنتاج في العديد من مصانع السيارات الأوروبية، مما أثر على كميات السيارات الأوروبية الواردة لمصر.

وشهد قطاع الأجهزة الإلكترونية تأثرا سلبيا بارتفاع الأسعار، كما توقع قطاع العقارات توقف مشتريات الأوروبيين، الذين كانوا يفضلون شراء وحدات في المناطق السياحية على البحر الأحمر، وشهد قطاع الكهرباء تباطؤ في بعض المشروعات، بينما ترى قطاعات أخرى أنها ستستفيد من الأزمة الأوروبية مثل قطاع السياحة نظرا لرخص أسعاره، مما يجعله مرشحا كبديل لدى الأوروبيين، وكذلك قطاع تصدير الكيماويات وتصدير الغاز الطبيعي، وتصدير البرمجيات الخاصة بترشيد استهلاك الوقود.

يصبح السؤال لدى قطاعات الاقتصاد المصري حول مدى تأثر تلك القطاعات بتلك المشاكل الأوروبية، حيث ترى قطاعات مثل الصادرات الزراعية أنها ستتأثر سلبا

مشاكل محلية عمقت الأثر السلبي

إلا أن الصورة ليست بهذا التبسيط، فعلى المستوى المصري هناك مشاكل محلية وراء انخفاض نشاط قطاع السيارات، أبرزها قرارات ترشيد الاستيراد وصعوبات الإفراج عن السيارات المستوردة الموجودة في الموانئ المصرية، مما يعني أن الأزمة الأوروبية ليست المسؤولة بالكامل عن مشاكل القطاع، وعندما يشكو قطاع استيراد الأجبان الأوروبية من ارتفاع أسعارها محليا، فجانب كبير من ذلك الارتفاع يعود لانخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي منذ شهر آذار/ مارس وحتى الآن.

وتوقع ارتفاع الأسعار من قبل معيدي التأمين الأوروبيين مع بداية العام الجديد؛ مرتبط بارتفاع تكلفة التعويضات نتيجة زيادة أسعار قطع الغيار في مجال التأمين على السيارات، ومثل ذلك في التأمين الطبي مع ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية، وفي قطاع العقار المصري يمكن أن يكون انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار عامل جذب لمشتريات الأجانب.

وعلى الجانب الأوروبي فإن الصورة ليست قاتمة تماما، فخلال الربع الثاني من العام الحالي كان معدل النمو في دول الاتحاد الأوروبي 4.2 في المائة بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وبلغت نسبة النمو 10.8 في المائة في إيرلندا و7.7 في المائة، و7.1 في المائة بالبرتغال و4.7 في المائة بإيطاليا و4.2 في المائة بفرنسا، وإن كانت قد بلغت 1.7 في المائة بألمانيا.

كما بلغ معدل البطالة في تموز/ يوليو بدول الاتحاد الأوروبي 6 في المائة، وبلغ المعدل 2.9 في المائة بألمانيا، مع ارتفاعه الى 7.9 في المائة بإيطاليا و7.5 في المائة بفرنسا.

وبلغ معدل نمو التوظيف للعمالة خلال الربع الثاني من العام الحالي، بدول الاتحاد الأوروبي 2.4 في المائة بالمقارنة لنفس الفترة من العام الماضي، مقابل نسبة 2.9 في المائة بالربع الأول من العام والتي شهدت نشوب الحرب الروسية الأوكرانية.
يتطلب الأمر التعرف على حجم العلاقات الاقتصادية المصرية الأوروبية، لتحديد مدى التأثر المصري في حالة زيادة تأزم حالة الاقتصاد الأوروبي، حيث تشير بيانات جهاز الإحصاء المصري الى أن العلاقة المصرية بأوروبا خلال العام المالي 2020/2021، تشكل نسبة 33 في المائة من علاقة مصر بالعالم من حيث القيمة،

33 في المائة نصيب أوروبا من المعاملات الدولية

كما يتطلب الأمر التعرف على حجم العلاقات الاقتصادية المصرية الأوروبية، لتحديد مدى التأثر المصري في حالة زيادة تأزم حالة الاقتصاد الأوروبي، حيث تشير بيانات جهاز الإحصاء المصري الى أن العلاقة المصرية بأوروبا خلال العام المالي 2020/2021، تشكل نسبة 33 في المائة من علاقة مصر بالعالم من حيث القيمة، وذلك كمتوسط ما بين نصيب أوروبا في متحصلات النقد الأجنبي لمصر من المصادر المختلفة في العالم والبالغ 27 في المائة، ونصيب أوروبا البالغ 39 في المائة من مدفوعات مصر للعالم.

فقد بلغ إجمالي متحصلات مصر من أوروبا من مختلف الأنشطة، والتي تشمل الصادرات السلعية والخدمية والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة والاقتراض وغيرها 34 مليار دولار، مقابل مدفوعات مصرية لأوروبا لأنشطة مشابهة بلغت 50 مليار دولار، ليصل العجز المصري مع أوروبا لحوالي 16 مليار دولار.

وتوزع ذلك العجز على اثني عشر مجالا اقتصاديا أبرزها الميزان التجاري بين الطرفين وميزان الخدمات، بينما حققت مصر فائضا في خمسة أنشطة؛ أبرزها تحويلات العمالة، واستثمار الحافظة والاستثمار الأجنبي المباشر، والسياحة، والمبالغ الواردة لسفارات الدول الأوروبية في القاهرة.

وشهد الميزان التجاري بين مصر وأوروبا عجزا مصريا بقيمة 15 مليار دولار، كفرق بين قيمة الصادرات المصرية لأوروبا والبالغة 10.4 مليار دولار، والواردات منها والبالغة 25.6 مليار دولار، وهو عجز مزمن يمتد لعقود. كما شهد ميزان خدمات النقل عجزا مصريا بلغ 98 مليون دولار، كفرق بين قيمة خدمات النقل والتي قدمتها مصر للسفن والطائرات الأوروبية على أرضها، وعوائد مرور السفن الأوروبية في قناة السويس والبالغة 871 مليون دولار، وبين خدمات النقل التي قدمتها الدول الأوروبية للسفن والطائرات المصرية، وخدمات توصيل السلع لمصر على متن سفن أوروبية والبالغة قيمتها 969 مليون دولار.

ويأتي انخفاض قيمة الرسوم التي دفعتها السفن الأوروبية العابرة لقناة السويس نسبيا؛ نتيجة كبر حجم التجارة البينية داخل القارة الأوروبية، إلى جانب تجارتها مع دول الأمريكتين وشمال ووسط آسيا والتي لا تحتاج للمرور بقناة السويس.

كما بلغ العجز في ميزان الخدمات الأخرى بخلاف السياحة والنقل أكثر من مليار دولار، كفرق بين متحصلات مصرية بلغت 1.5 مليار دولار ومدفوعات بلغت 2.5 مليار دولار، وذلك للخدمات المالية والتأمينية والترفيهية والتعليمية والصحية والرياضية القانونية والهندسية والتشييد والبناء وغيرها.
يظل السؤال حول النصيب النسبي لأوروبا في قطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة، حتى يمكن توقع مدى التأثر المصري في حالة تدهور الأمور أوروبيا

فائض بالسياحة وتحويلات العاملين

وحققت قطاعات أخرى فائضا لمصر منها تحويلات العمالة، حيث حصلت مصر على مليار و662 مليون دولار من المصريين العاملين في الدول الأوروبية، خاصة من إنجلترا وسويسرا وألمانيا وفرنسا وأيرلندا إيطاليا وهولندا وبلجيكا، مقابل مدفوعات من العمالة الأوروبية العاملة مصر إلى بلدانهم الأصلية بلغت 133 مليون دولار، أبرزها إلى إنجلترا وفرنسا وألمانيا وتركيا وسويسرا، لتحقق مصر فائضا بلغ 1.5 مليار دولار.

وفي النشاط السياحي بلغت قيمة حصيلة السياحة الأوروبية في مصر 466 مليون دولار، بينما بلغت مدفوعات السياحة المصرية في الدول الأوروبية 434 مليون دولار، لتحقق مصر فائضا بلغ 32 مليون دولار فقط.

وفي مجال الاستثمار الأجنبي المباشر حققت مصر فائضا بلغ 1.9 مليار دولار، كفرق بين استثمارات مباشرة أوروبية داخلة بلغت قيمتها 2.6 مليار دولار، واستثمارات مباشرة أوروبية خرجت من مصر بلغت قيمتها 675 مليون دولار.

ويظل السؤال حول النصيب النسبي لأوروبا في قطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة، حتى يمكن توقع مدى التأثر المصري في حالة تدهور الأمور أوروبيا. ففي جانب الموارد الدولارية المصرية كان النصيب النسبي لأوروبا في الصادرات السلعية المصرية 42 في المائة، وفي استثمارات الحافظة الواردة لمصر أو ما نسميه بالأموال الساخنة لشراء أدوات الدين الحكومي المصرية 47 في المائة، وفي الاستثمار الأجنبي المباشر 45 في المائة، بل لقد وصلت النسبة بالمعونات الأجنبية 89 في المائة من العالم.
كما أن مدى التأثر المصري سلبا أو إيجابا مرتبط بتطور الأوضاع في دول القارة، ومدى التصعيد مع روسيا، وتطورات الحرب في أوكرانيا واحتمالات الركود، فإن الأمر كذلك مرتبط بتطورات الأوضاع الاقتصادية بمصر، وحل مشكلة نقص العملات الأجنبية وصعوبات استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الخام، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي

وهو ما يشير إلى توقع تأثر تلك القطاعات بشدة مع زيادة المشاكل التي تواجه القارة العجوز، بينما كانت النسبة أقل كثيرا في قطاعات أخرى، والتي بلغت 15 في المائة فقط بالإيرادات السياحية، وأقل من 12 في المائة من إيرادات خدمات النقل وعائدات قناة السويس معا، وأقل من سبعة في المائة من تحويلات المصريين في الخارج والتي يأتي معظمها من دول الخليج العربي.

وعلى الجانب الآخر والخاص بالمدفوعات فقد بلغ النصيب النسبي لأوروبا من مدفوعات الواردات السلعية 38.5 في المائة، و50 في المائة من استثمارات الحافظة المصرية في الخارج و17 في المائة من مدفوعات السياحة الخارجة من مصر.

وكما أن مدى التأثر المصري سلبا أو إيجابا مرتبط بتطور الأوضاع في دول القارة، ومدى التصعيد مع روسيا، وتطورات الحرب في أوكرانيا واحتمالات الركود، فإن الأمر كذلك مرتبط بتطورات الأوضاع الاقتصادية بمصر، وحل مشكلة نقص العملات الأجنبية وصعوبات استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الخام، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض كبير نسبيا لتغطية جانب أكبر من الفجوة الدولارية الضخمة.

 

 

twitter.com/mamdouh_alwaly

التعليقات (1)
السرقة و النهب هى ازمة مصر الاقتصادية
الإثنين، 12-09-2022 08:54 ص
مصر منذ انقلاب العسكر كلاب الصهاينة فى 1952 و هى فى نهب و سرقة و اختلاس و اهدار لكل مواردها بلا انقطاع ، و إذا قدر الله و أزال هذة الطغمة التى تجثم على انفاس الشعب المصرى الجاهل فلسوف تزدهر مصر و هو ما لا يريده الصهاينة و ازنابهم فى المنطقة