كتاب عربي 21

انتصارات عربية

أحمد عمر
1300x600
1300x600
تعلو صيحات بشائر الانتصار الكاذب على صفحات المعارضة، بأسراب بشائر كاذبة، كفيديو لسيدة مصرية تسب النظام، أو تكشف سرا من أسرار عورته المكشوفة مثل سوأة العنزة، أو فيديو لصعيدي مغترب يتهكم على السيسي، أو يستغيث به، ويذكّره ببيعته.. وفي تونس مظاهرة في شارع الحبيب بورقيبة، أو ذكر تقرير يتباهى بنسبة المقاطعين لاستفتاءات خطيب العرب والعجم والإنس والجان السيد قيس سعيّد، الإلكترونية، وهي مظاهرات غير ذي بال في الصراع الدموي على الحكم.

أما الصفحات السورية فتطرب باعتقال مخبر في ألمانيا، وتدعو إلى الاحتفال بمقابلة الكونغرس الأمريكي لـ"قيصر" مرتديا زي الشتاء في فصل الصيف، أو مقابلة الكونغرس لـ"حفّار القبور"، وكلاهما مقنّعان، كأنهما شخصيتان من فيلمين من أفلام الغموض والتشويق، لكننا في هذين الفيلمين نعرف القاتل ونجهل القتيل.

وفي مواسم الانتخابات الإسرائيلية، نشمّر عن سواعد الدعاء وشدِّ المآزر، رافعين أكف الضراعة، داعين الله أن ينتصر حزب العمال على حزب الليكود، والفرق بينهما كالفرق بين الساطور والسيف. القشة التي تقصم ظهر البعير هي القشة التي تجعله يطير.

هناك انتصارات أخرى تعويضية مثل:

احتفال طائفة أخرى من المعارضين بانتصار فريق مؤمني ليفربول على فريق كفار ريال مدريد. يسوّغ بعض الحكماء الموالاة العربية لفريق ليفربول بوجود لاعب مصري في صفوفه، وقد يستأنس العرب بحكم تماس إن خلا الفريقان الأوروبيان من لاعب عربي، ولو كان حكم ساحة لكان أدعى للفخر.

أحيانا يحاول مفكرون مجدّون انتقاد انصراف العرب من هزائم السياسة إلى انتصارات كرة ليست كرتهم، في ملاعب ليست ملاعبهم، فيشعرون بالذنب وعذاب القدم والضمير، وهم ينتقدون مزج ماء الرياضة بلبن السياسة، ويستهلّون نقدهم بالثناء على هذه اللعبة الرائعة ولاعبيها الأبطال، ويمدحونها، فهي لعبة مقدّسة لا يجوز نقدها ولها معتنقون وأتباع. لا خوف من لاعبي كرة القدم على السياسة عادة.

الأمريكيون يحسنون بالحكايات والقصص العبث بالشعوب، ويحافظون على ناعورة الأمل دائرة، وإن كانت فارغة الدلاء، فهم دعاة الديمقراطية في الكرة الأرضية، ويزقوننا بمسكنات للألم، وهم الذين اخترعوا العلكة لتصريف الغضب.

تلعب بعض مؤسسات أمريكا دور معارضة الدكتاتوريات "الشرقية"، خاصة صحفها، فتدعمها سرا، وتنتقدها جهرا، وتقوم بواجب عزاء الشعب السوري وبثِّ الأمل فيه بزيادة العقوبات على بعض أصحاب المال، فيزدادون مخالب وبراثن. والأمل هذا كاذب، فمن الأمل ما قتل، وبعض الأمل عذاب، فاليأس إحدى الراحتين.

وقد استبشر تونسيون بإضراب القضاة، والذين أعلنوا أنهم يريدون حوارا مع الرئيس التونسي، وقد نجح الإضراب بزعمهم، لكنه لم يثمر بعد حوارا، فالرئيس قد استيقظ من نومه، وانتوى مكافحة الفساد، فبدأ بتنظيف المؤسسات المنتخبة وتجريفها من المنتَخبين. المظاهرات غير ذات بال في موازين القوى، هذه ليست حكومات مدنية حتى يسقطها التظاهر أو الإضراب، فلم يحدث أن سقط نظام عربي بالمظاهرات، وكلها أنظمة عسكرية مسلحة، فحتى مظاهرات مصر لم تسقط مبارك إلا بتخلي الوزغ عن ذيله، الذي وهمنا أنه رأس.

رأت صحيفة غربية أن الاتحاد التونسي للشغل هو الذي يقود المعارضة حاليا، فقد تردّى الحزب الأول (حركة النهضة) إلى الصفوف الخلفية، خوفا من الانتقام، فالحركة تدرك أنها المستهدف الأول، والغنوشي يقتصد في التصريحات. رئيس البرلمان تحوّل إلى ناشط سياسي خجول، يبثُّ أحيانا تغريدات متأخرة تعدُ بالمستقبل المشرق، وتبشر بسقوط الانقلاب بذكر بعض دروس التاريخ ومواعظه وعبره.

من جانب آخر تلحُّ مؤسسات إعلامية غربية على إبراز أسماء معارضين مصريين أو سعوديين أو سوريين ينتسبون إلى تيارات غربية المصدر والمنشأ، مثل التيار الليبرالي الذي يوصف بالعلماني أحيانا، وباليساري أحيانا أخرى، فله عدة أسماء، وأحيانا تتشابه التيارات هذه أو تتطابق، كأنه ليس من مناضلين في السعودية سوى لجين الهذلول أو رائف بدوي، وفي مصر سوى علاء عبد الفتاح، وحسن نافعة الذي سرّح. الإسلاميون، وهم مواطنون فاز حزبهم بالانتخابات، يقبعون في المعتقلات بمئات الآلاف، وحالهم أسوأ بكثير من حال هؤلاء الذين تسود صورهم صفحات الإعلام، ويجتهد الإعلام العربي والعالمي في تعظيمهم وأيقنتهم، والأيقنة كناية عن التقديس.

تضغط الحكومات الغربية لإطلاق سراحهم ضغطا يشبه العناق، وسيخرجون قريبا أبطالا يقودون المعارضة عن بعد، وتظهر صورهم على صحيفة التايم، مثل ظهور اسمي ناشطين حقوقيين سوريين، وقد تسمى بأسمائهم شوارع في واشنطن أو ولايات أمريكية أقل شأنا.

لقد أصبحت مصر مديونة للبنك الدولي بفوائد القروض، أما سوريا، فمدمرة وتحتاج إلى قروض ولا تطولها، وتونس عاجزة عن الحركة، والسعودية تبني قبلة أخرى تشبه "قليس" أبرهة الحبشي، في نيوم.. كان أبرهة تقيّا يحبّ دينه، ويغار من الكعبة.

قبل أيام ظهر رجل على شرفة منزل في غزة وهو يستغيث من حماس وجورها بأمريكا، وقد استنجد بالذئب، أقصى ما يطمح إليه هذا الرجل أن يعيش في رام الله، يأكل ويُهان على الحواجز، ويدعو لعباس (أبي مازن) بطول العمر، كأن حماس هي السبب في البطالة، وليس إسرائيل ومَن وراءها.

كانت سوريا بلا معارضة مثل مصر الآن، أما المعارضة التونسية، فهي معارضة جديدة نقابية، وقد حلّت محل النهضة. إن النظام العالمي بعد أن بدّل أنظمة الحكم في العالم العربي، نجح إلى حد كبير في تبديل المعارضة.

الخلاف القادم سيكون بين معارضة وحكومة، ويكون الخلاف بينهما خلافا عائليا.

هناك نصر لا شك فيه، أو هو صمود بطولي، والصمود نصر في أيامنا، والعدو نووي، كصمود أبي مازن في وجه الغطرسة الإسرائيلية، فلن يسلّم سموأل فلسطين الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة، بل وطالب رئيس وزرائه الباسل العدوَ بتسليم البندقية التي قتلتها حتى يقتص منها، فيعذبها عذابا شديدا، ويقيم عليها الحدّ.

twitter.com/OmarImaromar 
التعليقات (3)
حنفي الغلبان
الثلاثاء، 21-06-2022 01:54 م
قصتنا مع الانتصارات العربية "الفنكوشية " ابتدت سنة 1956 لما حصل العدوان الثلاثي على مصر . الجيش هرب و المقاومة الشعبية هي اللي اشتغلت " الله يرحمك يا شيخ حافظ سلامه" . أمريكا و روسيا هي اللي تصدت للعدوان بإنذارين و الغزاة سابوا مصر . بعد 4 سنين في سنة 1960 ظهرت أغنية "الوطن الأكبر" اللي كتبها أحمد شفيق كامل و غنتها مجموعه من الفنانين و الفنانات الكبار . أنا بصراحة ، كنت عارف إنها كدب بس طربت على الأصوات و الألحان . بتقول الغنوة (وطني حبيبي الوطن الأكبر ** يوم ورا يوم أمجاده بتكبر . وانتصاراته مالية حياته ** وطني بيكبر وبيتحرر . وطني وطني) . و دارت الأيام و مرَت الأيام و حصل انتصار يونيو 1967 الفظيع (!!) فقلت أنا لازم اعمل تعديل على الغنوة يا جدعان ، و بلاش نكدب على روحنا . نسميها "الوطن الأصغر" و نقول (وطني حبيبي الوطن الأصغر ** يوم ورا يوم أحزانه بتكتر . و انكساراته مالية حياته ** و طني بيصغر و بيتعسكر . وطني وطني) – و دمتم !!
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 21-06-2022 10:23 ص
*** كاتب المقالة احمد عمر ، أديب وقصصي سوري، وهو كاتب ساخر له أسلوب مميز وموهبة في الكتابة لا تخطئها عين، انتقل من سوريا إلى تركيا إلى أن حط الرحال في المانيا مؤخراً، ولكن كل ذلك لا يبرر له في تلك المقالة نبرة السخرية اللاذعة والانتقادات التي جاوزت حدود المقبول لثورات الربيع العربي وجهود ثوارها، كلاً في نطاق قدرته، فكمثال لتجاوزاته هنا، فما الذي يعيب الغنوشي زعيم حركة النهضة "في التبشير بسقوط الانقلاب بذكر بعض دروس التاريخ ومواعظه وعبره"؟ أليس في سقوط بن علي وانهيار حكمه وهروبه السريع إلى السعودية لتأويه، عبرة وموعظة يستفاد منها، وهو الذي استبد بحكم تونس واعتقل وعصف بنخبة شعبها وشرد زعمائها، وصال وجال فيها فساداُ مع زوجته وأسرته وعصابته ومؤيديه، ولم يكن أحد يظن سرعة سقوطه ذلك، وتفكك المنظومة الحاكمة المحيطة به؟ وقد حل محله الآن مسخ يتحرك كرجل آلي ويهرف بتفاهات كأنه خيال مآتة قد نصب لإخافة الطيور في مزرعة، وداعميه ومؤيديه يفتقرون لعشر معشار قوة الطبقة البورقيبية العلمانية المستغلة والتي تمتعت بدعم فرنسا الكامل، والطبقة المتفرنسة التي احاطت ببورقيبة وبن علي من بعده، والأمر ذاته ينطبق بحذافيره على مبارك في مصر وحزبه الملقب بالوطني الديمقراطي، والذي كان يضم ملايين الأعضاء وتجذر في الحياة السياسية في المجتمع المصري لما يزيد عن ثلاثة عقود، ثم تفكك وانهار بين ليلة وضحاها، وحل محله جنرال انقلب على رئيسه المدني المنتخب، يستمد قوته من إهدار أموال الشعب المصري على داعميه في الخارج والداخل، وانهياره وانهيارهم معه بات وشيكاُ، ولا يخطئ رؤية حافة الهاوية التي وصل إليها إلا أعمى أو متعامى، ورغم معاناة السوريين الأكبر، فإن جريرة شعبها ليس في خروجهم على النصيري الطائفي، ولكن جريرتهم هي في تشرزمهم وسكوتهم لعقود على بشار وأبيه من قبله، حتى تمكن الفساد والطائفية من التغلغل والتجذر في المجتمع السوري، فإن نجحت أنت في أن تجد لك موئلاً في المانيا، فكن عادلاُ في نقد من تركتهم ورائك من أبناء جلدتك، فإن لم تستطع مد يد العون لهم فدعهم في ما هم فيه، وكن رفيقاُ بهم وناصحاُ أميناُ لهم، وليس ساخراُ منهم، وصبراُ جميلاُ إلى أن يأمر الله أمراُ كان مفعولا، فسنة الله في خلقه أن هؤلاء المستبدين مآلهم الأكيد وإن طال بهم الزمن إلى مزبلة التاريخ التي يقبع فيها أمثالهم مع من كانوا أشد منهم قوة وتسلطاُ، والله أعلم.
معبد الشعرة
الثلاثاء، 21-06-2022 03:28 ص
هل سمعت عن مقام الشعرة المقدس..، فيه شعرة لأحد "الأولياء" في إحدى بلاد "المسلمين" الذي يزار للتبرك بالشعرة و صاحبها... أخشى من مقام للطلقة التي تسببت في قتل الصحفية.. سواءا مقام يهودي أو صوفي لا فرق... رغم قناعتي أن لا فرق جوهري بين الصحفي الناقل لأخبار المعارك و الجاسوس سوى في التخفي و الظهور.. و لكن كما ورد في المقال هنالك دائما من يقف وراء الأيقنة... لقد ترك بعض السلف سنة الأضحية عن أزواجهم لسبب أن البعض أصبح يتباهى بالأضحية... و من هذا المنظور فإخفاء الأعمال الصالحة المراد فيها وجه الله هو خير من إظهارها ، أما التباهي فيها فيحبط أجرها و قد يؤثم المتباهي... فالأعمال بالنيات و لكل إمرء ما نوى.. لا أتابع و لم أعد أحب كرة القدم و لا يهمني شيئ عنها.. عندما أنظر لشباب صغار مثلهم الأعلى و معشوقهم ليس نبيهم و لا أبوبكر و لا عمر و لا أحد من هؤلاء الخلفاء العظام رضي الله عنهم... و إنما "الإمام" (مسي) ' بلا معنى'... أنظر إليهم يركلون الكرة فيما بينهم و الإزقة حولهم تصرخ و تأن من النفايات و القاذورات.. هل من أحد يخبرهم أن إماطة الأذى عن الطريق هو أدنى شعب الإيمان... خطيب الجمعة لم يعد يكترث لهذه "التفاهات" و غير معني بشرح أبسط أيات التوحيد ، و لا بتذكير الناس بأحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم.. فخطبته المقروءة لا يحيد عنها و لا يخرج عن النص قيد أنملة.. كأن مقصلة تنتظره إذا فعل... الإنطباع عن خطبة الجمعة في مساجد دمشق هو أنه غير مسموح توجيه الناس لسنة أو فضيلة قد تساهم في إصلاح شيئ يجب إصلاحه في هذا المجتمع... و العالم الإسلامي بحاجة لإنتفاضة حقيقية على إعتقاداته الفاسدة البعيدة عن شرع الله و البدأ في تنظيف القلب من الشرك و الرجوع إلى الطريق الصحيح..