قضايا وآراء

كيف سيكون وضع الشرق الأوسط إذا انهزمت روسيا؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
بعد مرور أكثر من شهرين، يبدو أن نتائج حرب روسيا في أوكرانيا باتت محصورة في واحد من سيناريوهين: سيطرة روسيا على شرق أوكرانيا أو أجزاء منه، أو هزيمة روسيا وانكفائها للداخل للملمة شتاتها وتفادي احتمالات أكثر خطورة، مثل تفكّك الاتحاد الروسي جراء هول صدمة خسائر الحرب الباهظة، بشرياً واقتصادياً.

هذا يعني أنه جرى كسر حدة الهجوم الروسي بدرجة كبيرة، وانتهت احتمالات تمدد السيطرة الروسية على دول البلطيق وربما بولندا، وأن روسيا هي التي باتت تقع في مجال الاحتمالات السيئة. كما أن بوتين حرق أهم أوراقه الاستراتيجية، التهديد بالحرب النووية، دون الحصول على تنازلات ذات قيمة، وما تبقى لديه من أوراق إذا ما تم استخدامها، مثل قطع الغاز عن أوروبا، فرغم أنها مؤذية للغرب وخاصة ألمانيا التي تؤكد التقارير أن نموها سيتراجع، إلا أنها ستضع الاقتصاد الروسي في مأزق وقد تؤدي إلى هز الاستقرار في روسيا بشكل عميق.

هذه التقديرات قد تكون صالحة في ظل استمرار الحرب لشهر آخر، وأن قيمها مرشحة للتغير، وبشكل حاد لغير صالح روسيا، في ظل ترسخ المقاومة الأوكرانية وتنظيمها وهيكلتها، وفي ظل تنظيم مسألة الدعم الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا، بالتزامن مع تراجع حاد في الروح المعنوية للجيش الروسي ومقتل العشرات من قياداته، وتخبط أجهزة المخابرات الروسية وفشلها في إدارة الحرب، وتفرد بوتين بدرجة كبيرة في القرار العسكري والأمني.
لم تعد تملك روسيا معطيات حقيقية للانتصار في الحرب، بل مجرد رهانات متأسسة على كبرياء بوتين وغروره، وخوف قادته العسكريين من تقديم الموقف العسكري له على حقيقته

بناء على ذلك، لم تعد تملك روسيا معطيات حقيقية للانتصار في الحرب، بل مجرد رهانات متأسسة على كبرياء بوتين وغروره، وخوف قادته العسكريين من تقديم الموقف العسكري له على حقيقته، وحاولت روسيا السيطرة على الحرب من خلال تصغير جغرافيتها وتضييق أهدافها، لكنها رغم ذلك لم تفلح.

وثمة سؤال تطرحه النخبة الروسية اليوم، إذا كان الهدف من الحرب زيادة نسبة سيطرة روسيا في مناطق شرق أوكرانيا. ألم يكن ذلك ممكنا عبر عملية محدودة وبتركيز أكبر وتكاليف أقل بكثير؟ ثم ما طبيعة العقل الإستراتيجي الذي خطط لمثل هذه الحرب؟ كيف يمكن لعسكري متمرس الزج بآلاف الدبابات وعشرات آلاف الجنود في أرض ذات طرقات ضيقة وموحلة ومليئة بالمستنقعات والأنهار والغابات؟

في المقابل، بنت أغلب الأطراف في منطقتنا العربية، موقفها من الحرب على تقديرات بأن روسيا ستنتصر في الحرب لا محالة، وأن هذه الحرب سيكون لها نتائج جيوسياسية نهائية وحاسمة، وأن من أهم هذه النتائج تراجع تأثير الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي وصعود روسيا، مما يوفر خيارات دبلوماسية لمواجهة ضغوط واشنطن وخاصة في مجال حقوق الإنسان.
هزيمة روسيا، إن حصلت، ستضعف هوامش المناورة، التي تمتّعت بها دول المنطقة بدرجة كبيرة، إذ سمح وجود بدائل للعلاقة مع واشنطن، للكثير من النظم السياسية في المنطقة باستغلال هذا الهامش، واللعب على الحبال

المؤكد أن هزيمة روسيا ستنعكس بشكل واضح على منظومة العلاقات الدولية، وستدفع هذه الهزيمة واشنطن إلى إعادة حساباتها ورسم سياساتها بشكل مختلف عما سبق، إذ مما لا شك فيه أن حضور روسيا في منطقة الشرق الأوسط منذ 2015 ساهم في هندسة العلاقات الدولية والأوضاع السياسية في الإقليم الشرق أوسطي٫ وأثر ذلك في بناء شبكات العلاقات بشكل واضح، وكان لذلك تبعات على الصعد الاجتماعية، وحتى التركيبة السكانية في دول مثل سوريا.

هزيمة روسيا، إن حصلت، ستضعف هوامش المناورة، التي تمتّعت بها دول المنطقة بدرجة كبيرة، إذ سمح وجود بدائل للعلاقة مع واشنطن، للكثير من النظم السياسية في المنطقة باستغلال هذا الهامش، واللعب على الحبال. صحيح أن روسيا لم تكن بديلاً عملياً بالنظر لتخلفها التكنولوجي وضعفها الاقتصادي، ولكنها تصلح ورقة مساومة في وجه أمريكا، وأحيانا ورقة لإزعاج أمريكا كلما تمادت في ضغوطها ومطالبها السياسية، وخاصة في مجالات حقوق الإنسان والإصلاح السياسي، التي تعتبرها غالبية الأنظمة السياسية في المنطقة العربية، وفي الشرق الأوسط عموماً، بمثابة حقول ألغام سينتج عن القبول بالسير فيها كوارث مؤكدة.

السؤال الآن: ما هو موقف واشنطن، وما هي سيناريوهات تصرفها في المنطقة في حال هزيمة روسيا في أوكرانيا؟

ثمّة سيناريوهان محتملان لتعامل أمريكا مع الأوضاع في المنطقة، لا يبدو وجود ثالث لهما:
إما تقديم التنازلات لهذه الدول وقبول التعامل الندي معها، وإما إعادة هندسة الحياة السياسية، بما يعني وضع المنطقة على سكة تحولات خطيرة وحالة من عدم الاستقرار، بمعنى إعادة إحياء نسخة جديدة من الربيع العربي، وبما أن للخيارين تكاليفهما، فإن شكل نهاية الحرب الأوكرانية هو الذي قد يرجح أحدهما

السيناريو الأول: استكمال عملية الانسحاب من المنطقة، حيث أكدت الحرب الأوكرانية أن الاستثمار العسكري والأمني الأمريكي في الشرق الأوسط كان استثمارا مضيعاً، ولم تعد تستحق هذه المنطقة انشغال الطاقات الأمريكية بها. ويؤيد هذا السيناريو وجود نخب عريضة في واشنطن تؤيد هذا الاتجاه، وتنادي بالتخلص من صداع الشرق الأوسط إلى الأبد والانفكاك نهائياً عن الارتباط بأزماته ومشاكله، وخاصة وأن الفائدة الأمريكية منه باتت تساوي درجة الصفر في ظل عدم الحاجة لنفطه وغازه.

السيناريو الثاني: عودة الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، لما لها من أهمية كبيرة في مجال الطاقة على الصعيد العالمي، وتجهيزها لتتحوّل إلى بديل عن مصادر الطاقة الروسية في المرحلة المقبلة. لكن هذه العودة لم تعد ممكنة بالشروط السابقة بعد أن عرفت الأنظمة السياسية في المنطقة، من تركيا إلى مصر وبينهما الخليج العربي، طريق التمرد على السياسات الأمريكية، وبالتالي بات من الصعب على واشنطن إدارة سياساتها في المنطقة بالأدوات والأفكار القديمة.

على ذلك، فإن أمريكا باتت أمام خيارين في علاقاتها مع دول المنطقة، إما تقديم التنازلات لهذه الدول وقبول التعامل الندي معها، وإما إعادة هندسة الحياة السياسية، بما يعني وضع المنطقة على سكة تحولات خطيرة وحالة من عدم الاستقرار، بمعنى إعادة إحياء نسخة جديدة من الربيع العربي، وبما أن للخيارين تكاليفهما، فإن شكل نهاية الحرب الأوكرانية هو الذي قد يرجح أحدهما.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)