كتاب عربي 21

الديمقراطية في العالم العربي: مؤشرات التراجع والتحديات المستقبلية

قاسم قصير
1300x600
1300x600
واقع الديمقراطية في العالم العربي خلال السنتين الماضيتين كان محور النقاش والحوار في المؤتمر الذي عقد في بيروت في 20 نيسان/ أبريل الماضي، والذي عقد بالتعاون بين المكتب الإقليمي لأفريقيا وغرب آسيا في المؤسسة الدولية لديمقراطية الانتخابات، والشبكة العربية لديمقراطية الانتخابات والتي يرأسها الأستاذ زياد عبد الصمد، وهو ناشط لبناني في مجال المجتمع المدني والانتخابات والجمعيات الأهلية.

عنوان المؤتمر كان "حالة الديمقراطية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط"، والهدف منه إطلاق ومناقشة التقرير عن حالة الديمقراطية العالمية الصادر عن المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات. ورغم أن التقرير الأساس الذي تحدث عنه المسؤولون في المؤسسة كان حول مؤشرات الديمقراطية والانتخابات في العالم، وتراجع هذه المؤشرات بسبب جائحة كورونا والانقلابات العسكرية في أكثر من دولة، والحرب الروسية الـخيرة في أوكرانيا، فقد تركز النقاش في جلسات المؤتمر حول حال الديمقراطية والانتخابات في العالم العربي.

ومن هنا طرحت إشكالية أساسية حول عنوان المؤتمر، ولماذا الحرص على استخدام مصطلح "شمالي أفريقيا والشرق الأوسط" بدل مصطلح "العالم العربي" أو "الدول العربية"، مع أن المؤتمر لم يتحدث عن الكيان الصهيوني أو الدول الإقليمية كتركيا وإيران.
الإنجازات التي تحققت في السنوات السابقة ولا سيما بعد الربيع العربي قد تراجعت في العالم العربي، وقد شهدنا تطورات سلبية في العديد من الدول العربية، وكذلك على الصعيد العالمي

فماذا في حالة الديمقراطية في العالم العربي؟ وما هي مؤشرات هذه الديمقراطية اليوم بعد أحداث وتطورات الربيع العربي طيلة السنوات الماضية؟ وماذا عن آفاق المستقبل والتحديات التي تواجه الديمقراطية في العالم العربي؟

أجمع المشاركون في المؤتمر على تقديم مجموعة خلاصات حول تراجع الديمقراطية وجودتها في العالم العربي وعلى الصعيد العالمي، رغم بعض مظاهر الانتخابات والديمقراطية في بعض هذه الدول. ومن أبرز المؤشرات التي أشار إليها المشاركون:

أولا: الإنجازات التي تحققت في السنوات السابقة ولا سيما بعد الربيع العربي قد تراجعت في العالم العربي، وقد شهدنا تطورات سلبية في العديد من الدول العربية، وكذلك على الصعيد العالمي.

ثانيا: جودة الديمقراطية تنخفض حتى في الديمقراطيات العريقة، حيث نشهد المزيد من التضييق على الحريات وحقوق الإنسان، سواء بسبب جائحة كورونا أو بعض التطورات والأحداث العالمية.

ثالثا: ارتفاع حالات القمع وأشكال القمع المتعددة في العديد من الدول التي تدّعي الديمقراطية.
الانعكاسات الخطيرة للحرب الروسية على أوكرانيا، والتي تشكل مؤشرا سلبيا كبيرا على صعيد النظام الدولي والعلاقات بين الدول وتراجع دور المؤسسات الدولية، وتقدم الخيار العسكري لحسم الصراعات

رابعا: الانعكاسات الخطيرة للحرب الروسية على أوكرانيا، والتي تشكل مؤشرا سلبيا كبيرا على صعيد النظام الدولي والعلاقات بين الدول وتراجع دور المؤسسات الدولية، وتقدم الخيار العسكري لحسم الصراعات بدل المفاوضات والحلول السياسية.

خامسا: اللجوء إلى الحروب لكسر الديمقراطيات في أكثر من بلد في العالم، مما يشكل مؤشرا خطيرا على الصعيد الدولي.

وعلى الصعيد العربي لفت المشاركون بشكل خاص إلى العودة للأنظمة السلطوية في أكثر من بلد عربي، رغم الانتفاضات والتحركات الشعبية ولا سيما في السودان وتونس، والاستمرار في حالات القمع في العديد من الدول العربية، وفشل معظم التحركات الشعبية سواء في القسم الأول من الربيع العربي (2011-2018) أو في القسم الثاني (2018 – 2020) في تحقيق إنجازات مهمة على الصعيد الديمقراطي، ووجود 14 دولة استبدادية مطلقة في العالم العربي، والتشكيك في نزاهة الانتخابات في معظم الدول العربية التي تشهد انتخابات، وانتشار منظومات الفساد بأشكالها المختلفة، تراجع دور وسائل الإعلام.
العودة للأنظمة السلطوية في أكثر من بلد عربي، رغم الانتفاضات والتحركات الشعبية ولا سيما في السودان وتونس، والاستمرار في حالات القمع في العديد من الدول العربية، وفشل معظم التحركات الشعبية سواء في القسم الأول من الربيع العربي (2011-2018) أو في القسم الثاني (2018 – 2020) في تحقيق إنجازات مهمة على الصعيد الديمقراطي

لكن رغم هذه الصورة السلبية فقد أشار المشاركون إلى وجود بعض النقاط الإيجابية ومنها: استمرار التحركات الشعبية المناهضة للتسلط في أكثر من دولة عربية، وتحرك المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية لمواجهة القمع، وبروز أشكال إعلامية جديدة لفضح الفساد ومواجهة القمع، وتحسن دور المرأة على صعيد الشأن العام.

وإضافة للحديث عن تراجع مؤشرات الديمقراطية التقليدية، فقد لفت بعض المشاركين إلى وجود أزمات خطيرة في الدول العربية تتطلب المعالجة مجددا، ومنها: إشكالية العقد الاجتماعي القائم في بعض الدول العربية وفقدان شرعية الحكم دون وجود بديل حقيقي حتى اليوم، وتراجع مفهوم الانتماء الوطني والشعور بالمواطنة، وتقدم الانتماء الطائفي والمذهبي والقبلي والعائلي، وتعاظم دور الأجهزة الأمنية والعسكرية وتحالفها وتعاونها مع بعض المؤسسات الدينية، ما يجعل من الصعوبة مقاومتها ومواجهتها، وازدياد العوائق أمام المشاركة الشاملة في الديمقراطية خصوصا على صعيد المرأة والشباب، وكل ذلك يؤدي بالمنطقة العربية إلى مراحل سلبية ويفرغها من كل الإنجازات التي تحققت بفضل الربيع العربي.

وقد استعان أحد الباحثين المشاركين لتوصيف الواقع اليوم بمقولة المفكر الإيطالي ـنطونيو غرامشي: العالم القديم انتهى، والعالم الجديد تأخر في الظهور.. وما بين العتمة والضوء تولد الوحوش.

هذه الصورة المرعبة عن واقع الديمقراطية اليوم في العالم العربي وعلى الصعيد العالمي تكشف خطورة المرحلة التي نمر بها والمخاطر التي نواجهها، ورغم بعض المظاهر الديمقراطية التي تنتشر في العالم وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ومساهمة الناس في هذه المواقع، لكن ذلك لا يعني أن العالم بخير. ولعل ما يجري العديد من الدول العربية وفي فلسطين المحتلة وبعض دول العالم، وآخر أحداث الحرب الروسية- الغربية في أوكرانيا والخوف الكبير من تدحرج الأوضاع نحو حرب عالمية جديدة، كل ذلك يجعلنا بحاجة لتفكير جديد في مواكبة التطورات الجارية، والبحث عن الدور العربي في حماية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته وحاجاته الأساسية.
الصدق والمكاشفة والعدل ورفض الازدواجية في المعايير وفي الحكم هي الأساس في أي تفكير جديد للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، سواء في العالم العربي أو على الصعيد العالمي، فهل يلتزم بذلك أتباع الديمقراطية ومن ينادون بها ويدافعون عنها؟

وليس من السهولة الإجابة عن هذه التحديات وتقديم حلول سريعة لأن الأزمة عميقة جدا، لكن الأهم الحفاظ على الأمل بالتغيير، وأن تعود كل المؤسسات التي نشطت في مجال الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان للتحرك مجددا في كل العالم العربي بعيدا عن النظرة الأحادية. فالديمقراطية تكون شاملة للجميع وليس لفريق دون آخر، ومن يدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان يجب أن لا يميز بين حزب وآخر أو مجموعة وأخرى، وأن لا يبرر مطلقا التراجع عن الديمقراطية من أية جهة أتى.

الصدق والمكاشفة والعدل ورفض الازدواجية في المعايير وفي الحكم هي الأساس في أي تفكير جديد للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، سواء في العالم العربي أو على الصعيد العالمي، فهل يلتزم بذلك أتباع الديمقراطية ومن ينادون بها ويدافعون عنها؟ أو أن هناك دولا تنطبق عليها قواعد الديمقراطية ودول لا تنطبق عليها؟

وكل عام وأنتم والديمقراطية بخير في عيد الفطر السعيد.

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (0)