مقالات مختارة

باركنسون بوتين وطلقة السناتور: حين تذهب الحروب بالعقول

صبحي حديدي
1300x600
1300x600

لأنّ شرّ البلية ما يُضحك أحياناً، أو يدفع زاعم البصر والبصيرة إلى أن يضرب كفاً بكفّ؛ بتنا اليوم نقرأ تقارير جادّة، أو هي كذلك لأنها تصدر عن أناس يُنتظر منهم حدّ أدنى من الجدية، تقول إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يُظهر أعراض الإصابة بمرض الباركنسون المبكر.

 

وليست هذه خلاصة طبيب، بل هي اجتهاد البروفيسور غويذيان برينز، مستشار الدفاع السابق لدى الحكومة البريطانية والحلف الأطلسي؛ الذي يعترف، مع ذلك، أنّ قناعته أتت من زوجته المختصة بعلم النفس السريري والتي عالجت مرضى الدماغ طوال 30 سنة.

 

وإلى هذا التشخيص المذهل عن بُعد، يضيف البروفيسور أنّ بوتين يمكن أن يُزاح عن السلطة نتيجة «ثورة الأمهات» الغاضبات على الكرملين جرّاء إرسال أبنائهنّ وبناتهنّ إلى القتال في أوكرانيا، وهذه «ليست مسألة تافهة لأنّ الأمهات هنّ المرجعية الشرعية الوحيدة في النظام الدكتاتوري. وتمرّد الأمهات كان مفتاح سقوط الاتحاد السوفييتي»، كما يقول بالحرف.


الملمّات، فما بالك بالحروب والأرزاء الكبرى، يمكن بالفعل أن تذهب ببعض العقول على شاكلة ما توحي أقوال البروفيسور الهمام، ليس بمعنى الخبل إذْ يمكن أن يهون الأمر هنا ويندرج في خانات مَرَضية بدورها يمكن تفهّمها؛ ولكن في إطار آخر ليس البتة أقلّ حساسية وخطورة، أيّ تعمّد التجهيل والتضليل والخداع المنهجي، تطبيقاً للقاعدة العتيقة التي تقول إنّ الحقيقة هي أولى ضحايا الحرب. إذْ ما الذي تعنيه، حقاً، إشاعات إصابة بوتين بالباركنسون تارة، والسرطان تارة أخرى، أو أيّ مرض آخر؟ وإذا كان الهدف إقناع البشر بأنه فاقد الأهلية عقلياً، جزئياً أو حتى بدرجات عالية، وما يتخذه من قرارات يفتقر إلى الحسّ السليم؛ فماذا بعد: تخويف الناس أكثر، أم شحنهم وتحريضهم، أم تجريد الغزو الروسي في أوكرانيا من العناصر الجيو – سياسة والأمنية والإنسانية وإحاطتها بدل ذلك بالغموض الميتافيزيقي؟


هذا رجل يقترب حثيثاً، إذا لم يكن قد اقترب لتوّه في بلاد الشيشان وجورجيا وسوريا وشبه جزيرة القرم، من شخصية مجرم الحرب؛ الذي يتخذ قراراته لأسباب متعددة متنوعة سالت أحبار غزيرة في وصفها وشرحها وفرزها وتصنيفها؛ والأرجح، العقلاني على الأقل، أنّ اختلال الدماغ وزيغ العقل وغيبوبة المنطق ليست في عدادها، أو ليست بعد في هذا الوارد طبقاً للمعطيات والمؤشرات الكثيرة المتعاقبة. أمر آخر، بالطبع، أن يكون مغامر المزاج، طائش التقديرات، متسرّع القرارات، جشع الطموحات، شره المطامع؛ وخلاصة أخرى، هي من طينة شرّ البلية التي تضحك، أن يكون المرض هو السيّد المتصدّر خلف تكييف كلّ هذه الصفات والبواعث والسيكولوجيات.


وقد يصحّ الافتراض بأنّ عدسة البروفيسور برينز التي تشخّص عن بُعد، أهون من اقتراح السناتور الجمهوري الأمريكي الشهير لندسي غراهام اغتيال الرئيس الروسي عن طريق «بروتوس ما»، نسبة إلى متزعم مجموعة اغتيال يوليوس قيصر. وكان في وسع غراهام، الأقرب إلى راعي بقر منه إلى عضو في الكونغرس، أن يقتبس رئيسه أبراهام لنكن دون سواه، الذي أباح اغتيال الزعماء ممّن تتعذر الإطاحة بهم سلمياً (وشاءت مفارقة التاريخ أن يسقط هو نفسه ضحية طلقات مواطنه جون بوث)؛ قبل اقتباس محاولات الأجهزة الأمريكية اغتيال أمثال فديل كاسترو وشو إن لاي وباتريس لومامبا.


وكان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قد استسهل، ولا حرج على مَن يقول: استحلى، دفع بوتين إلى «المستنقع السوري»، فكان أن عاجلهم الأخير بالسباحة الحرّة في مياه نهر الفرات وشواطئ طرطوس وبحر اللاذقية؛ قبل أن يكبّلهم اليوم بعجز أمريكي/ أطلسي هو الأكبر، والأشدّ حرجاً وإرباكاً منذ أواخر فصول الحرب الباردة. كأنه، المصاب حسب مزاعمهم بالباركنسون والسرطان، أعاد تذكيرهم بالقاعدة الشهيرة: داوها بالتي كانت هي الداء!

 

(القدس العربي اللندنية)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل