قضايا وآراء

كيف تتحوّل حرب إقليمية إلى حرب عالمية؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
يكشف تاريخ الحروب صعوبة، إن لم يكن استحالة، التحكم بمجرياتها وسياقاتها وتالياً نطاقاتها، حيث تتوالد ديناميات عديدة يتغيّر معها الفاعلون وتتطور الأهداف، أو ربما تنحرف عن تلك التي قامت الحرب من أجل تحقيقها. حصل ذلك في أغلب الحروب، والحرب العالمية الثانية خير نموذج على خروج الحدث عن سياقاته ونطاقاته.

تنطوي الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا، على مخاطر التحوّل من حرب بين دولتين جارتين، ما يصح وصفها بالحرب الإقليمية ضيقة النطاق، إلى حرب عالمية، نتيجة انخراط لاعبين خارجيين كثر، أو بلغة أدق، جراء وقوف الغرب خلف أوكرانيا، ما يعقّد إمكانية التوصل إلى حل. ذلك أن التفاوض في هذه الحالة لن يكون محصوراً بين طرفي النزاع، بل هو تفاوض على توزيع القوى في النظام الدولي، وعلى الفعالية الدولية وأدوار اللاعبين في المرحلة المقبلة من عمر النظام الدولي.
 
ومنذ بدايتها، برزت عدة مؤشرات على إمكانية تحوّل الأزمة الأوكرانية إلى حرب عالمية:
 
أولاً: عدم وجود إستراتيجية خروج: ويبدو أن التغييرات التي واجهتها الخطة الروسية في الغزو والعقبات التي ظهرت؛ لم يضعها الكرملين في الحسبان، بدأت بتحويل الغزو إلى حرب متروكة للصدف والمفاجآت، ولم يعد الكرملين يعتمد استراتيجية خروج من هذه الحرب، بعد أن ذهبت تقديراته إلى حسم مبكر، ثم تنصيب نظام موال لروسيا، ثم إعادة العدد الأكبر من القوات الروسية إلى قواعدها في روسيا.
إشكالية عدم وجود إستراتيجية خروج من الحرب تعني تحكّم المقتضيات التي تفرضها يوميات الحرب بصناع القرار السياسي وتحويلهم أسرى ظروف الوحدات القتالية في الميدان، وخاصة إذا كان الخصم بحجم روسيا وبقيادة فلاديمير بوتين الذي رهن مستقبله وتاريخه بهذه الحرب

إشكالية عدم وجود إستراتيجية خروج من الحرب تعني تحكّم المقتضيات التي تفرضها يوميات الحرب بصناع القرار السياسي وتحويلهم أسرى ظروف الوحدات القتالية في الميدان، وخاصة إذا كان الخصم بحجم روسيا وبقيادة فلاديمير بوتين الذي رهن مستقبله وتاريخه بهذه الحرب، وبالتالي فإن طريقة تعاطيه مع مجريات الحرب ستكون محكومة بالنظر إليها من تلك الزوايا.
 
ثانياً: إدارة غير عقلانية: لا تنقص العقلانية الطرف الروسي وحده، أيضاً الغرب يدير الأزمة بالعاطفة، ربما بسبب كراهية بوتين، أو نتيجة الضغط الشعبي المتعاطف مع الأوكرانيين، أو حتى بسبب ضغط الساسة الأوكرانيين على الغرب. وتبرز في هذا الاتجاه قضية التسليح الكثيف لأوكرانيا، وخاصة الصواريخ المضادة للطائرات والدروع، وإعلان الغرب على المنابر دوره في ذلك، بل حتى إيراد كميات الأسلحة وأنواعها وطرق الإمداد التي تعبرها تلك الأسلحة.
 
وفي ظل الخسائر الكبيرة التي تسببها هذه الأسلحة للجيش الروسي، سيجد صانع القرار في الكرملين نفسه مجبراً على التعامل مع هذه الحالة، سواء ضرب طرق الإمداد، أو ضرب مصادر الأسلحة مباشرة في بولندا أو ألمانيا، في حين أنه كان بالإمكان إدارة هذه العملية دون هذا الضجيج الدعائي من قبل الغرب. وحتى لو عرفت روسيا، وهي ستعرف، لكن يبقى الأمر أقل إحراجاً، لأن الإعلان عنه يعني مشاركة الغرب في هزيمة روسيا، وهو أمر يصعب هضمه من قبل الجيش والقيادات السياسية الروسية.
 
ثالثاً: عدم تحديد النقطة الحرجة: أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها لن تنجر إلى حرب عالمية ثالثة، لكن الإجراءات على الأرض تخالف ذلك، فاستمرار آليات التعاطي مع الأزمة يزيد من مخاطر التصعيد إلى مستويات لا يريدها أي من الأطراف، كما أن محاصرة موسكو بحزم قاسية من العقوبات واستمرار الدعم العسكري لأوكرانيا، يؤديان إلى الوصول إلى النقطة الحرجة التي تدفع إلى توسيع نطاق الحرب ومداها.
 
وعلينا أن نتذكر أن الغرب لم يحدد النقطة الحرجة في سياساته القاضية بمحاصرة روسيا بقواعد الناتو، واستمر، دون دواع أمنية ملحة، في ضم جوار روسيا إلى حلف الناتو، وهو الأمر الذي فسّرته روسيا على أنه محاولة لخنقها وعمل عدائي تجاهها.
البديل عن ذلك مبادرة سلمية تقودها واشنطن نفسها تمنح الطرفين ضمانات أمنية وسياسية، وتنزل بوتين عن الشجرة العالية التي صعد عليها، أما ترك المقادير تجري حسب أعنتها فالعالم كله سيخسر

النتائج غير المقصودة للحرب: قد تبدو قضايا من نوع تدمير البنى التحتية وتهجير الملايين مسائل غير مقصودة بذاتها، لكن رتبتها ظروف الحرب، غير أن هذه القضايا من شأنها إشعال حرب عالمية كبرى، وخاصة إذا خرجت عن المنطق، كأن ينزح عدد من السكان يفوق قدرة أوروبا على الاستيعاب، أو يجري تدمير مدن بشكل كامل. وهذا الأمر سيشكّل ضغطاً كبيراً على صناع القرار في الغرب، وقد يدفعهم إلى تطوير أدوات مواجهة لبوتين تساهم في تصعيد الحرب إلى حدود غير متوقعة.
 
ثمّة أمور عديدة باتت تؤشر على أن العالم يقف على عتبة تحوّل الحرب الأوكرانية من حرب إقليمية إلى حرب عالمية، منها انقطاع التواصل بين القطبين الروسي والأمريكي، والتحطيم المقصود للاقتصاد الروسي، والإصرار على تمريغ هيبة الروس في الوحل.
 
ليس المطلوب الرضوخ لبوتين، لكن كيف لنا تصور أن روسيا ستقبل الهزيمة العسكرية في أوكرانيا، وأن بوتين سيعيد حساباته ويقبل بوقف الحرب نتيجة خسائره العسكرية حتى اللحظة. هذا رهان واهم، والبديل عن ذلك مبادرة سلمية تقودها واشنطن نفسها تمنح الطرفين ضمانات أمنية وسياسية، وتنزل بوتين عن الشجرة العالية التي صعد عليها، أما ترك المقادير تجري حسب أعنتها فالعالم كله سيخسر.
 
التعليقات (0)