قضايا وآراء

لبنان وإغلاق باب الترشيحات: هل الطائفة السنية في أزمة؟

محمد موسى
1300x600
1300x600

ومضت الأيام كسرعة البرق، وجاءت المهل الدستورية بسرعة الصاروخ معلنة قرب الانتخابات اللبنانية القادمة على وقع الصواريخ الروسية في أوكرانيا وآفاق الآمال بولادة الاتفاق النووي الإيراني، الأمران اللذان سينعكسان حكما على الواقع اللبناني اقتصاديا وسياسيا وانتخابيا، ولا مفر من الانعكاس المباشر على الأمن الغذائي الذي يتراقص على حافة الموت وربطة الخبز في طريقها إلى 15000 ليرة للربطة الواحدة بعد أن كانت 1500 ليرة قبل الأزمات المتلاحقة، أما غالون الزيت فأصبح يتداول صعودا وهبوطا مع بورصة نيويورك أو مع الصواريخ المتلاحقة على كييف.

وعلى العادة، المواطن البسيط هو من يدفع الفاتورة في بلاد ربما اعتاد مسؤولوها على تحميل الأوادم دائما فواتير موبقاتهم، وآخرها النزاع المصرفي القضائي بين فرنسبنك وجمعية المصارف من جهة، والقضاء وجزء من الدولة في الجهة المقابلة، حيث حتى الساعة لا كابيتال كونترول ولا من يحزنون، وكما يقال باللبناني: "طاسة ضايعة" أو بعبارة أوضح "روح دبر راسك".

أُغلق باب الترشيحات للانتخابات النيابية المزمعة في 15 أيار/ مايو القادم على ما يفوق الألف مرشح، بينهم 155 سيدة تجرأت على خرق المحظور في العديد من الدوائر. والملفت أن نسبة المرشحات بلغت حوالي 15 في المائة، ولكن العبرة هل تتمكن هؤلاء السيدات من الوصول إلى الندوة البرلمانية في زمن أحزاب وفاعليات لا تؤمن كثيرا بدور المرأة الريادي إلا في المناسبات الاجتماعية؟

لقد مضت الترشيحات لكل الطوائف، ولكن للخصوصية السنية بُعدها الخاص في هذه الانتخابات في ظل انكفاءة سنية خطيرة عن النظام برمته، خاصة أن السنة يسمون تاريخيا في لبنان "أم الصبي"، منذ أيام المغفور له رياض الصلح مرورا بصاحب مقولة لا غالب ولا مغلوب المغفور له الرئيس صائب سلام، وصولا إلى رؤساء الحكومات السابقين الشهداء رشيد كرامي ورفيق الحريري صاحب مقولة المسيحي المعتدل أقرب إلي من المسلم المتطرف.

تجري الانتخابات ويحضرها السنة بعيدا عن حضور الأوزان الثقيلة سياسيا، حتى وإن حاول بعضهم الالتفاف من هنا وهناك، ولكن على ما يبدو أن السنة تعبوا من النظام أو ممن يديره في الداخل ومن يحركه في الإقليم في ظل اللا توازن العسكري والسياسي، والذي ربما ينفش ويتأكد صوت وطأته إذا أُبرم اتفاق ما في فيينا.. فحتما لبنان سيكون في جملة انعكاساته الأولية فالاعتراف بالأقوى فقط.

حتما أزمة السنة لم تستجد اليوم مع خروج الرئيس الحريري ولا في انكفاءة نادي رؤساء الوزراء السابقين، إنما سبقتها بزمن. ولا أدل على ذلك من بيان عدم قبول الدعوة لحوار بعبدا منذ أكثر من عامين حينما قال البيان بما لا يقبل الشك: "نحن لم نتأخر يوما، مجتمعين أو منفردين، عن تلبية أي دعوة من هذا القبيل، ولطالما تجاوزنا الكثير من الحساسيات والشكليات للتجاوب مع مقتضيات المصلحة الوطنية، لكن هذه الدعوة، اليوم، والهدف المعلن منها، تبدو في غير محلها شكلا ومضمونا، وتشكل مضيعة لوقت الداعي والمدعوين، في وقت تحتاج البلاد في رأينا إلى مقاربات مختلفة لانتشالها من الأزمة الحادة التي تعيشها، ولاستعادة ثقة المواطنين التي انهارت، والحاجة لطمأنتهم إلى المستقبل بما يؤكد احترام اتفاق الطائف والدستور، وتأكيد القرار الوطني الواحد، ووقف تفلت الحدود، والحرص على استقلالية القضاء عبر الإفراج عن التشكيلات القضائية، كما قررها مجلس القضاء الأعلى، بدل نسف مبدأ الفصل بين السلطات، ووقف الركون إلى تأويل النصوص لاختراع مفاهيم خارجة عن أحكام الدستور والقانون، أو التفتيش عن ثغرات غير موجودة فيه لتدمير ما صاغه اللبنانيون في اتفاق الطائف، من توازن وطني وحرص على النأي بالنفس".

وعليه منذ ذلك الحين يتضح أن السنّة باتوا يشعرون بالقلق على مشاركتهم الوطنية، وقدرتهم في المحافظة على ما يسمى مكتسبات اتفاق الطائف لهم، ومن ثم باتوا يصورون العهد بمواجهة معهم مباشرة أو مواربة. وتجلى ذلك بكلام رئيس الحكومة السابق السنيورة الذي تحدث عن الوضع اللبناني وأزماته المتشعبّة، مؤكدا نظرة متشائمة في ظل غياب أي مؤشرات للتغيير، عادّا أن قبضة حزب الله على الدولة تتعمق، وأن رئيس الجمهورية ميشال عون يعيش حالة إنكار للوضع في لبنان.

ويقول السنيورة: "مرحلة الفراغ الرئاسي كانت أفضل من عهده، بينما تفتقد الحكومة الرؤية والتبصر، ما يجعل لبنان أمام خطر الانهيار". وفي ذلك تناغم مع الرؤية الخليجية التي أعلنها أكثر من مسؤول، مؤكدا مضمون الكلام تماما.


ومن ثم السؤال الواجب في لبنان اليوم في زمن الانتخابات وفي ظل الأزمات التي لم نعد نعرف من أين تبدأ وأين تنتهي: هل بات السنة في مأزق الصلاحيات والتمثيل وضعف المواقع؟ علما أنهم ما شعروا بذلك حتى أيام الحرب وحتى أيام ما قبل الميثاق. فهل هم مأزومون أم الوطن كله مأزوم معهم ومن خلالهم؟ هل لبنان يحتمل الإحباط السني والشعور بالغبن على غرار المعادلة نفسها 1992 مع المسيحيين؟ وهل كلفة ذلك سهلة في جمهورية تكاد تنهار أمام الجميع بفعل المؤشرات الاقتصادية التي لا تحتاج إلى كثرة تحليل؟ هل يملك السنة زمام المبادرة والقدرة في مواجهة تقلص دورهم؟ وهل يملكون القدرة على التعطيل في دولة ملوك الطوائف؟ ومن ثم، هل السنة في أزمة قادة حقيقيين أم إن أزمات المنطقة انعكست عليهم وهنا بيت القصيد؟ هل ضعفهم يعود إلى التخلي عنهم من قبل دول الخليج العربي التي تعتبر بحرهم ومداهم الطبيعي، بفعل ضعفهم في الصيغة الحالية القائمة بعد التسوية الرئاسية الأخيرة؟

إن المؤكد أن لبنان البلد العصي على التقسيم لا يحتمل تحييد طائفة وازنة عن المشاركة في الحكم، في ظل ظروف معقدة على كل الصعد. إن ابتعد السنة بإرادتهم أو تم إبعادهم؛ مقدمة خطرة غير محمودة لتطيير اتفاق الطائف، وقد يشكل ذلك مدخلا لمؤتمر تأسيسي لصيغة حكم جديد غير مضمون لأي كان في قدرته على الحفاظ على وجوده ومكتسباته، مهما امتلك من أوراق في لعبة التوازنات القادمة الممزوجة بوجع اللبنانيين المتعبين، حيث البرادات الفارغة والأمعاء الخاوية والدولار الطائر على بساط الريح؛ في لعبة الأمم التي لن ترحم أحدا في الداخل، خاصة بعد الانهيارات الاقتصادية العالمية الحاضرة مع كوفيد19، والتضخم العالمي والأزمة الروسية الأوكرانية التي تضرب في شتى الأمور الحياتية بلا هوادة وفي كل أرجاء المعمورة.

إن السؤال الجوهري الحاضر بقوة: هل نحن أمام أزمة طائفة بعينها، أم أمام أزمة حكم؟ أم بداية انهيار المنظومة كاملة تدريجيا في لبنان؟ الأكيد أنه إذا كان السنة بخير فالوطن كله بخير والعكس صحيح؟


التعليقات (0)