كتاب عربي 21

حين يهذي شبّيح عن هوى الإسلاميين الغربي.. وهذا الرد

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

منذ وضوح المأزق الأمريكي في العراق وأفغانستان منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وصاحب هذه السطور؛ مثل كثيرين، يبشّر بتراجع أمريكا والغرب، وبـ"التعددية القطبية" التي تفيد المستضعفين من كل لون، ودائما في سياق من التذكير بسنّة "المدافعة" في الكون؛ تلك التي جعلها الله سبحانه وتعالى فضلا منه على العالمين، وليس المسلمين وحدهم.

وفي السياق ذاته، كنا نذكّر دائما بحقيقة أن (الغرب) كان الأكثر استهدافا لأمّتنا (استعمارا واحتلالا وتقسيما ونهبا وعنصرية)، بخاصة في القرنين الأخيرين، بجانب زرع كيان سرطاني (إسرائيل) في قلبها، لتأكيد استمرار شرذمتها والسيطرة عليها.

أستعيد هذه القصة لأنني كلما كتبت تغريدة تتحدث عن مأزق بوتين في حرب أوكرانيا (رغم بقاء قدرته على الحسم العسكري)، وطبعا في سياق من التحليل المحايد؛ يطلع عليّ شبّيح يساريٌ (وليس كل يساريٍّ شبّيح) كي يتهم الإسلاميين (هكذا جملة) بالعمالة للغرب، أو بأنهم "صنيعة الإمبريالية الغربية"، أو أن "هواهم أمريكي أو غربي"، إلى غير ذلك من التعبيرات.

في هذا السياق يبدو من الضروري تحرير مصطلح "الإسلاميين"، حتى نعرف من هم المعنيون بالاتهام أصلا. وإذا فعلنا ذلك، فلن نعثر سوى على القوى والحركات الإسلامية التي بدأت بـ"الإخوان"؛ عشرينيات القرن الماضي، ثم ما تناسل من حركات بعد ذلك؛ على تفاوت في مناهجها.

 

يمكن القول إن الإسلاميين كانوا ضحايا استهداف الغرب وليسوا حلفاء له، وهم من قاوموه أغلب الفترات


عقود بعد ذلك؛ استُهدف فيها الإسلاميون من شتى الأنظمة، وبشتى ألوانها، وبتأمين أو دعم من الغرب.. استُهدفوا من أنظمة تنتسب للتقدمية مثل نظام عبد الناصر ونظامي البعث في سوريا والعراق، واستُهدفوا من أنظمة أمريكية اللون مثل تونس والمغرب. عقود كان الإسلاميون خلالها في حالة ضعف، إلى أن بدأ الصعود مطلع الثمانينيات، ثم الصعود الأكبر مطلع التسعينيات.

هكذا يمكن القول إن الإسلاميين كانوا ضحايا استهداف الغرب وليسوا حلفاء له، وهم من قاوموه أغلب الفترات، باستثناء فاصل محدّد يتمثّل في حرب الأفغان ضد الغزو السوفياتي نهاية السبعينيات، بجانب مواجهة سريعة مع نظام آل الأسد في سوريا، وهنا لم يتصرّف الإسلاميون كتابعين للغرب، بل كانوا يدافعون عن دينهم في مواجهة الشيوعية، وكان طبيعيا أن يقدّموا قلق الهوية على أي معركة أخرى.

نأتي إلى المرحلة الأخيرة، والتي لا يعرف الشبّيحة إياهم سواها، لأن أكثرهم من أجيال جديدة، وهي المرحلة الأهم عمليا في مسار صعود الظاهرة الإسلامية بكل ألوانها.

طوال هذه الفترة؛ كان الإسلاميون هم رأس الحرب في مواجهة الهجمة الغربية، وكان رموز اليسار ينتظرون كلمة في مظاهراتهم الحاشدة ضد الهجمة الأمريكية والغربية، وهم (الإسلاميون) من تصدّوا لهجمة التطبيع بعد "أوسلو"، و"حماس" الإسلامية، بجانب "الجهاد" كانت الأبرز حضورا في الانتفاضة الأولى والثانية (انتفاضة الأقصى) . ثم جاء الغزو الأمريكي للعراق، فتصدّر الإسلاميون مسار المقاومة، وذلك بعد عقد ونيف من ربط أمريكا مصطلح "الإرهاب" بإسلاميين، ومطاردتهم تبعا لذلك..
هل يحتاج الأمر لوضوح أكثر من ذلك؟!

هنا نفتح قوسا كي نشير إلى أننا نتحدث عن الإسلاميين السنّة، كي لا يعتقد البعض أننا نعمِّي المصطلح كي نضمّ الحالة الشيعية، بخاصة حزب الله، الذي لا ينكر عاقل بطولاته في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وهذه رسالة أيضا لبعض مراهقي المحور الإيراني، ممن يتحدّثون أحيانا كأن هذه الأمّة لم تعرف المقاومة إلا بعد ثورة الخميني، مع أن دمها يجري منذ قرون طويلة بلا توقف؛ ضد غزاة وطغاة ومستعمرين (في العراق؛ تعاون أدوات إيران مع المحتل الأمريكي، ويعرف الجميع من قاومه).

نأتي إلى ربط هذا كله بالقصة الأخيرة، أعني الغزو الروسي لأوكرانيا، وقبل ذلك الصراع الأمريكي مع الصعود الصيني الروسي.

 

أولئك الشبّيحة الذين يعاملون بوتين كأنه جيفارا، مع أنه قائد إمبريالي؛ بروحية دينية أرثوذكسية، فلا يستحقون غير الازدراء


هنا تصدر من بعض الإسلاميين عبارات ومواقف قد تشي بتفضيل الغرب على روسيا والصين، وهذه مواقف فردية، وربما قُطرية، ولها سياقها، وليست تعبيرا عن مواقف القوى الإسلامية، بشتى ألوانها.

هي مواقف تأتي كردّة فعل طبيعية على إجرام روسيا في سوريا، وإجرام الصين بحق مسلمي الإيغور (أضف عنصرية الهند في عهد مودي)، وموقفهم جميعا المناهض للربيع العربي، والمنحاز للدكتاتوريات، ولا تأتي كرؤية ثابتة خضعت للنقاش، مع العلم أن للصين وروسيا موقفا سلبيا من الإسلام، وإن على أساس "إمبريالي"، وليس أيديولوجيا، فيما تشكّل المنظومة الغربية خطرا على الإسلام، عبر القيم ستفرضها على المسلمين (وعلى سواهم أيضا) لو تفوّقت، ولم يردعها أحد.

هكذا ننتهي إلى ما انتهينا إليه سابقا في سياق جدل بالغ الأهمية إثر تطورات دولية تاريخية، وهي أن مشهد التعددية القطبية الجديد يستدعي الاستفادة من التناقضات الدولية بروحيّة جديدة، وليس بمنطق الاختيار، كأنها قائمة طعام، سنختار الأحبّ إلينا من بين أصنافها.

أما أولئك الشبّيحة الذين يعاملون بوتين كأنه جيفارا، مع أنه قائد إمبريالي؛ بروحية دينية أرثوذكسية، فلا يستحقون غير الازدراء، تماما مثل مراهقي محور إيران الذين يرون الكون بنظّارة مذهبية يعرف الجميع منطلقاتها.

2
التعليقات (2)
الكاتب المقدام
الأحد، 13-03-2022 01:12 م
*** وما هو المنتظر والمتوقع من فلول الماركسيين وأنصاف الماركسيين، من اتباع الماركسية العلمانيين الملاحدة الذين يدينون بمعظم عقائدها ويخفون كلفهم بمقولة أن الدين أفيون الشعوب، وهم الذين تاجروا بشعاراتها، وأكلوا وشربوا (وتكرعوا وفسوا) من على موائدها، وأصبحوا من حملة الدكتوراة المضروبة من جامعاتها ومعاهدها، والذين تمرغوا في الأموال التي اغدقت عليهم منها، وركعوا تحت أقدام سادتهم في الامبراطورية السوفيتية الشيوعية الغابرة نظير إشادتهم بعظمة قادتها لينين وستالين، ومن جاء بعدهم وسار على دربهم، وظنوا بأن بوتين مجرم الحرب الفاشي سيستعيد أمجادها، بإجرامه في سوريا وليبيا، وأخيراُ في حربه في اوكرانيا التي شنها بوتين ليوطد أركان حكمه في روسيا، وليتمكن في ظل لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، من سحق معارضيه في داخل روسيا، فطمعوا أن يعيدهم بوتين الفاشي إن اتخذوه سيداُ جديداُ مطاعاُ لهم، في خريف اعمارهم إلى ما كانوا عليه ليتمرغوا مرة أخرى في آخر أيامهم في النعيم الذي كانوا فيه في دنياهم الزائلة، وللتذكرة فإن الاتحاد السوفيتي المنهار كان مؤيداُ رئيسياُ للحركة الصهيونية منذ نشأتها، وداعماُ لكميوناتها الاشتراكية المزعومة التي أنشأت على أرض فلسطين المنهوبة، كما أن الدولة اليهودية ما كانت لتنشأ لولا جهود اليهود المتصهينين القادمين إليها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، وهم الذين فتحت لهم الطريق ويسرت لهم السبل بل ومولتهم ودعمتهم الدولة السوفيتية البائدة وورثتها للانتقال إلى أرض فلسطين للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وما زال السفهاء والدهماء من العرب يصدقون شعارات أنصاف الماركسيين هؤلاء وادعائاتهم بأنهم يدعمون الطبقات المطحونة والشعوب الفقيرة المغلوبة على أمرها ويقفون بجانبهم، وهم لا يقفون إلا بجانب أنفسهم، ولا يدافعون إلا عن سلطتهم ومصالحهم الشخصية ومصالح سادتهم، وسيخيب مسعاهم مع سيدهم مجرم الحرب الفاشي بوتين، وسيذهبون قريباُ إلى مزبلة التاريخ التي يقبع فيها أقرانهم، والله أعلم.
رسالة للأخ ياسر
الأحد، 13-03-2022 10:15 ص
حي الله الأخ ياسر ، أسأل الله لك و للأخوة الصادقين الحفظ و السداد و التوفيق لما يحب و يرضى..