قضايا وآراء

لبنان: هل يفوح التطبيع مع رائحة الغاز

محمد موسى
1300x600
1300x600

الثروة الأحفورية للمتوسط الشغل هي الشاغل للعديد من أقطاب العالم والمنطقة، ملعب جديد في صراعات الساحات الإقليمية والدولية، حيث تتداخل كل الصعد بعضها ببعض، فيتداخل السياسي بالاقتصادي بالتنموي بالجيوسياسي بالاستراتيجي، للوصول إلى محصلة واحدة وسؤال كبير: ماذا في لعبة الشرق الأوسط الكبير وفي صلبه دول شرق المتوسط وثوراتها التي لم تنته منذ كلام السيدة كوندليزا رايس عام 2006 عن الفوضى الخلّاقة وحتى الساعة؟ ثم ماذا عن ثروات المتوسط الأحفورية وتحديدا الغاز الطبيعي والمسال؟ وأين الدور العربي؟ واستطرادا ماذا عن الدور الإسرائيلي في كل المتوسط عبر بوابة التحالفات الاقتصادية، التي كان الغاز وسيكون ممرها الأساسي البارحة واليوم وفي المستقبل؟

من هنا تأتي زيارة آموس هوكشتاين إلى لبنان حاملة مقاربات وعروضا جديدة لفك الارتباط، أو لمزيد من الارتباط نحو التطبيع الاقتصادي غير المباشر في لعبة الآبار المشتركة للغاز لإنجاز عملية الترسيم الحدودية العالقة منذ سنوات خلت، وانطلقت مع اتفاق الاطار من عين التينة، التي على ما يبدو واضحة لجهة الليونة المربوطة بالابتعاد عن التطبيع المباشر، بحيث يكون الترسيم المهمة الرئيسية ونقطة على السطر، علما أن الوقائع تؤكد أن في جعبة السيد الأمريكي المفاوض والحكم أكثر من ورقة قد تكون حاسمة على وقع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي برأي السفير شينكر، المعني السابق بعملية الترسيم ومعه البنك الدولي؛ إن الأزمة سببها النخبة السياسية.

لقد صرح هوكشتاين بوضوح: إما معادلة مزيد من إهدار الوقت، وإما مد الأنابيب لاستخراج الغاز قبل العام 2025 وبأسعار عالية على وقع الأزمة الأوكرانية الروسية، وفي ذلك إشارة إلى خطورة ما هو قادم على صعيد خريطة الغاز في شرق المتوسط وفي العالم.

وعليه وبحسب المتداول، فإن طرح الوسيط الأمريكيّ يقوم على استبعاد الخطّ 29، وتثبيت حقّ لبنان في منطقة 860 كلم2 كاملة، ومن ثم فإنّ حقل كاريش يكون لإسرائيل بالكامل، وحقل قانا للبنان بالكامل. وبهذا الطّرح يكون كلٌّ من "خطّ هوف" وخط الـ29 قد صار من الماضي، ولكن هل يكون الثمن تطبيعا مقنعا ضمن الخط الجديد المتعرج؟ هل تفوح رائحة الغاز الممزوج بالتطبيع بحسب الكثيرين؟ وهل أصبح الآن التفاوض على الحقول بدل الخطوط بأشكالها المستقيمة والمتعرجة؟ علما أن الأجواء المحيطة تؤكّد أنّ الجانب اللبنانيّ مُتمسّكٌ برفض صيغة "الاستثمارِ المُشترك بين لبنان وإسرائيل"، في حال تبيّن وجود حقول مُشتركة بعد ترسيم الحدود البحريّة، إلا أنّ الجانب اللبنانيّ أبلغَ الوسيط الأمريكيّ بالاستعداد لاستئناف التّفاوض غير المُباشر مع إسرائيل؛ في حال ذُلِّلَت النّقاط الخلافيّة التي أدّت إلى تجميد المفاوضات منذ أيّار/ مايو الماضي.

من هنا جاء إعلان الوزير السابق إلياس بو صعب بعد لقائه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، أنهما ناقشا نتائج زيارة الوسيط الأمريكي للمفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية اللبنانية، آموس هوكشتاين، وقاما بتقييم للاجتماعات التي تمت، وأين هي مصلحة لبنان، وماهية الخطوات المقبلة لهذه الزيارة، واعتبر بو صعب أن هناك خطوة للأمام في ما قدمه الوسيط، ولكن لا شيء نهائيا بعد، وسنرى كيف ستكون نتائجها، لافتا إلى أن هناك أمورا يجب أن تستكمل داخليا، كما أن هناك أمورا سيقدمها هوكشتاين لاحقا.

وفي الكواليس كلام مفاده أن لبنان الرّسميّ يدرسُ المُقترح الأمريكيّ الجديد، وعليه قد تعود طاولة المُفاوضات للانعقاد مُجدّدا في رأس النّاقورة. وقد وصَفت دوائر الخارجيّة الأمريكيّة لقاءات هوكشتاين بالإيجابية، لكن أكّدت في الوقت عينه أنّه في حال لم يلمس الوسيط الأمريكيّ جدّيّة في إنهاء هذه القضيّة، فعندها قد تنسحب واشنطن من دورها كوسيط، وهذا ما نستبعده لأنه من الواضح أن هناك حراكا في كل منظومة الغاز في العالم، على وقع الأزمة الروسية- الأوكرانية والرغبة الأمريكية في تعطيل "نورد ستريم 2".

ويبدو أن هناك عملا ما للبدء بمشاريع حوض شرق المتوسط، وفي هذا المضمار لا بد من الوقوف عن زيارة الرئيس ميقاتي إلى تركيا مؤخرا، التي سبقتها زيارة وزير الخارجية التركي إلى لبنان، علما أن العلاقات التركية الإسرائيلية فيها الكثير من الانفراجات في الفترة الأخيرة، التي تعوّل أنقرة على تسخيرها بحسب الوزير أوغلو لمصلحة القضية الفلسطينية، وربما فيما بعد دعما لمصالحها الأحفورية التي قد يكون لبنان وغازه أحد عناوينها.

وفي السياق، لا بد من الوقوف عند كلام أمين عام حزب الله الذي قال؛ إنه يرتضي أي حل ترضاه الدولة اللبنانية، وعلى الهامش تشير الكثير من المعلومات من فيينا إلى أن شيئا من الحلول قد يطل برأسه قريبا للمفاوضات الأمريكية الإيرانية، التي قد تكون مدخلا أساسيا لحلول في المنطقة، ولبنان ليس ببعيد عنها.

بكل هذه الأجواء الإيجابية الأمريكية واللبنانية الترحيبية، يبدو لسان حال أمريكيا كمان يقول: الفرصة الآن وإلا أبدا لن تتمكنوا من أخذ ثرواتكم (Its NOW or NEVER).

وعليه، هل الواقع الاقتصادي المزري والحاجة إلى كل دولار فريش للخزينة عبر الثروات الأحفورية يشكل مدخلا لتطبيع مقنع؟... تغيرات المنطقة كثيرة، ولكن واقع لبنان مختلف!

 


الصورة من موقع الجيش اللبناني الرسمي- بتصرف

التعليقات (0)