قضايا وآراء

هَبّيدة الثورة والشرعية!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

الهبيدة، هي فئة من الناس تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الإعلام والسوشيال ميديا، لكنها بينها وبين الحقيقة بوْن بعيد، وهي مفردة عامية، جاءت من الفعل: هبد، وهو في اللغة العربية الفصحى: كسر الهبيد، أي الحنظل، أما في اللغة العامية فمعناه: الإنسان الذي يكذب، أو يصنع من معلومة صغيرة جدا كذبا كبيرا، ويبدو أن بينهما توافقا، فإذا كان الهبد في الفصحى له علاقة بالحنظل وهو المر والمرارة، فالهبيد في العامية هو من يسقي الناس المرار بكذبه، ومغالاته في هذا الكذب، وإن بدا للناس أنه يوهمهم بالحقائق.

والهبيدة لا يخلو منهم زمان ولا مكان، فللنظام والسلطة الغاشمة من يقوم بذلك لها، وما أكثرهم، سواء كانوا إعلاميين، أو مشايخ سلطة، فترى أحمد موسى ورفاقه جنبا إلى جنب بجوار علي جمعة وخالد الجندي، فهو هنا يهبد بدعوى الحفاظ على الوطن، بينما يخدم سلطة ونظاما لا يجني من ورائه الوطن والمواطن سوى المر والعلقم والحنظل.

وعلى الطرف الآخر، نجد باسم الثورة والشرعية، من يقوم بالهبد، تجده ينشط في مواسم، فقبل ذكرى يناير تجد أحدهم يعلن أن مصادره أخبرته بأن القوات المسلحة قد وضعت السيسي في غرفة واحتجزته، والتفاوض على خروج آمن له، وعندما تصر على معرفة مصدر المعلومة، فالإجابة حاضرة: إنها مصادري الخاصة، وليس مطلوبا أن أعلن عنها حفاظا عليها!

وأسوأ أنواع الهبد، هو الهبد الذي يدعو الناس للنزول للثورة والتظاهر، في وقت يعلم فيه القاصي والداني أن النظام لا يسمح بتظاهرة مؤيدة له فضلا عن معارضة، لخوفه أن تنقلب الاحتفالية إلى تجرؤ الناس على التظاهر، ثم يعلو في الهبد، فيعلن أن مصادره في الجيش أو الشرطة تطمئنه أنه لا اعتداء على أحد ولا خوف من النزول، فيعرض حياة الناس للخطر، وهو في أمان تام!!

والمشكلة أن الهبيد يعتمد على حالة الناس النفسية، فيريد بذلك امتطاء هذه الحالة، سواء بحب الاشتهار أكثر، والحصول على المشاهدات والإعجاب على صفحات التواصل الاجتماعي، أو أنه مخترق من أجهزة تريد بذلك تخدير الناس، أو إحباطهم، فالنتيجة واحدة.

النتيجة أن القضية العادلة، تشوه وتخسر، بسبب بعض من يركبون منصاتها، أو يقدمون للناس على منصاتها، لأنه سرعان ما يتم اكتشاف كذبهم، ولأنهم يعتمدون على ذاكرة الناس سريعة النسيان، فليس لديه مشكلة أن يخرج كل فترة بهبد جديد، سواء كان الهبد متعلقا بالثورة، أو بالشرعية وإسقاط الانقلاب.

والحقيقة أن وجود هؤلاء الهبيدة في معسكر، ولو كان معسكر حق، يخسر بهم هذا المعسكر معركته، لأنه يصبح دون أن يدري مثله مثل خصمه، وهو ما نبه إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين أوصى أحد قادته بأن يتقي الله، ويتخلق بالخلق الحسن، فإنه الفرق الذي بينه وبين عدوه، وأنه لو تخلى عن ذلك، لأصبحت الغلبة لعدوه، لأن العدو لا يتحلى بالخلق والإيمان، وعدته وقوته أكبر وأقوى.

 

النتيجة أن القضية العادلة، تشوه وتخسر، بسبب بعض من يركبون منصاتها، أو يقدمون للناس على منصاتها، لأن سرعان ما يتم اكتشاف كذبهم، ولأنهم يعتمدون على ذاكرة الناس سريعة النسيان، فليس لديه مشكلة أن يخرج كل فترة بهبد جديد، سواء كان الهبد متعلقا بالثورة، أو بالشرعية وإسقاط الانقلاب.

 



وليس معنى أنك في معسكر ثورة أو شرعية، أن يبيح لك ذلك: الهبد، أو الافتراء واختلاق الوقائع، أو تخدير الناس بكلام معسول، فلا بد للقضية العادلة من وسيلة محترمة، وكل من يتخذ الهبد وسيلة فهو وأهل الانقلاب سواء، لأن من يستحل ذلك وهو لا يملك سلطة ولا قوة كالانقلاب. معناه: أن أخلاقه تسمح بربح معركة بكل ما يحل ويحرم، وهو هنا انقلابي، لكنه لم يجد فرصته في معسكره، فراح يبحث عنها في مكان يسمح بهبده، أو يغض الطرف عنه.

فالهبيد يجد نفسه، حين يصمت عنه أهل الحقائق، ولكن عندما يتحلون باليقظة وتنبيه الناس لهبده، يرتدع، وقد قام مجموعة من الشباب منذ فترة بعمل حملة بعنوان "مروج مخدرات"، ولكنها لم تستمر، كانت تسهدف كل من يهبد بالترويج لأكاذيب بين الناس، وإن كان ينقصها وقتها كثيرا من الجدية والتحقق، ولكنها توقفت، وهي مهمة أن تعود ولكن بشكل علمي وجريء، لأن الخسائر التي تلحق بمعسكر الثورة بمثل هذه الشخصيات كبيرة.

وللهبيدة سلف في تراثنا، فهم يدعون أنهم يفعلون ذلك من باب التفاؤل والأمل للناس، لكنه كذب ودغدغة عواطف، وهو أشبه بالمخدرات الفكرية والإخبارية، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"، فخرجت طائفة في تاريخنا الإسلامي تزور الأحاديث، وتختلقها، فوضعت ما سمي في علومنا الشرعية بـ الأحاديث الموضوعة، أي إنه لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم، بل اختلقت عليه اختلافا.
 
فلما كشف أحد العلماء واحدا من هؤلاء وحذره بأنه يستحق وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام يبرر عن نفسه بأنه يكذب لرسول الله، ولا يكذب عليه، أي إنه يقول كلاما كذبا، من باب مدحه ومدح الإسلام، ليجمل الإسلام ويحسنه، وأنه بذلك لا يستوي مع من يضع أحاديث من باب الإساءة، وهي حجة فارغة أراد أن يوهم نفسه بها، وهو ما يعني أن الذي يكذب لصالح الحقيقة، أو يكذب ضدها، كلاهما في الحكم سواء، لأن كليهما اتخذ وسيلة محرمة وممنوعة.

[email protected]

التعليقات (0)