كتاب عربي 21

لندن والقاهرة بين رقصتين

أحمد عمر
1300x600
1300x600
بريطانيا ليست كوريا الشمالية التي أصدر رأس نظامها مرسوماً بالحداد أحد عشر يوماً على الزعيم الراحل كيم ايل سونغ، المرسوم يمنع الضحك، ويحظر الابتسام، وشرب الكحول. ولم يذكر المرسوم الكوري عدد التقطيبات الواجب قطبها على الجبين، تحت طائلة الحبس، وقد تتعدى التهمة المتهم إلى ثلاثة أجيال من عائلته.

لكن ثمة شبه طارئ بين بريطانيا وكوريا، فقد ظهر بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني المجتهد، راقصاً في تسريب مصور إلى جانب مغنية تمتشق سيفاً من سيوف أفلام حروب النجوم، قيل إن زمن الرقصة كان عشية موت الأمير فيليب، فأوشك أن يستقيل، فذكّرنا بيومي النعيم والبؤس لدى ملك الحيرة، النعمان بن المنذر بن ماء السماء.

وخرجت مستشارة جونسون باكية بعد تسريب صور لها، فقد بانت عورة موظفي حزب المحافظين الحاكم في زمن الحجر الصحي، والاجتماع عراة من الكمامات، وهذه أسوة غير حسنة للجماهير التي تُمنع من الاختلاط وتُحرم من الحفلات، فذكّرنا بأيام التربية العسكرية والنظام المنضم في الجيش وقيادته الحريصة على لمعان البوط العسكري المقدس. يبدو أن النخبة الحاكمة البريطانية غير مقتنعة بالوباء. الكمامة هي الواقية من سقوط الحكومات والكدمات السياسية.. يا لثارات كورونا.

خرجت مستشارة جونسون السيدة أليغرا ستراثون باكية من منزلها بعد ظهر الأربعاء، وأكّدت للصحفيين أنها ستستقيل على الفور، قالت ودموعها على خديها مثل دموع تيرزا ماي إنها اتخذت قرار الاستقالة لأن الفيديو المسرّب أصبح يشتّت الانتباه عن المعركة ضد كورونا. وكان الفيديو الذي سربه خصوم جونسون أو المخابرات أظهرهم يتجاذبون أطراف الحديث من غير كمامات؛ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. اعتذرت لأنها ظهرت من غير نقاب صحي، لم تلتزم بقواعد العفة الصحية التي فرضت على المجتمع البريطاني. لقد خانت، واحتفلت، والشعب محجور في المنازل والجحور.

تذكّر المتذكرون "شائنة" بوريس جونسون بعد سنة ونصف من وقوعها، ادخروا فعلته "السوداء" ليومهم الأبيض فدفعوه إلى الاستقالة، بعد أن أخرج بريطانيا مثل الشعرة من عجين الاتحاد الأوروبي. ووُصف جونسون في الإعلام البريطاني بأوصاف ونعوت هاجية كثيرة، واتهم بالنفاق، وبأنه عارٌ على حزبه، وتجب معاقبة حزبه معه؛ وإنه الرجل الذي كسر الحداد، لقد قدم الطعام والشراب في مجمع داونينغ ستريت الحاكم لموظفيه!

لقد أودى كورونا بحيوات وثروات وحكومات، إنه الفيروس الملك.

دفاعا عن جونسون سنقول إنَّ الأوربيين بعامة يحبّون عقد الصفقات وأداء الأعمال وهم يأكلون ويشربون، الجميع يتبادلون التهاني في يوم نهاية الأسبوع وكأنه عيد، حتى أننا عرفنا عنهم عرفاً اسمه "غداء العمل"، وأنّ نهاية الأسبوع يوم مقدس لدى الأوربيين. لقد شهدنا مظاهرات في عواصم أوربية ضد الحجر، فالناس تريد أن تحيا وتفرح وتجتمع وتأتلف، يقول المثل: الجنة بلا ناس لا تداس..

وكل ذلك عشية دفن الأمير فيليب، والطوبة تحت رأسه رطبة، واتُهم رئيس الوزراء بعدم النزاهة. تذكّر خصومه صحائفه السوداء، منها أنه اختلق تقريراً صحافياً، وارتكب علاقات عاطفية ملتبسة، واتُهم بأنه رئيس وزراء "عقيم" وفاسد!

لقد زعم أنَّ بريطانيا إن بقيت في الاتحاد الأوروبي فستكون جارة لسوريا والعراق. وتعدّت الاتهامات إلى القتل، فقد أدّت إجراءاته الصحية تحرزاً من كوفيد إلى وفيات، وتذكّروا مواطناً بريطانياً أطلق بالونات حداداً على صديق، فغُرّم بمبلغ كبير، وبثوا لقطة لرئيس الوزراء وهو يرقص على سنجة عشرة مع مغنية سوداء، كل هذا والملكة تودع زوجها الأمير فيليب، حتى إنها ودّعت الراحل في الكنيسة وحيدة محرومة من التعازي ومواساة الأهل والشعب، وإنه عرّض اتحاد البريكست للخطر وخسارة "مستعمرتها" السابقة أسكتلندا، وإنّ مستوى المعيشة الذي وعد بتحسينه لم يتحسن، وإنّ وزيرة الثقافة التي اختارها بريتي باتيل، ورطته في خصومات مع الأقليات، يقصدون المسلمين. لم يبق سوى أن يُتهم بأنه من الجماعة المحظورة؛ الإخوان المسلمين!

لنقل تجاوزاً إن رقصة جونسون أوهنته، وهي رقصة مهذبة قياساً برقصة معلمة الدقهلية، وفارق اختلاف المجتمعين وأعرافهما وجنسي الراقصين فليس الذكر كالأنثى، ومنصبيهما، فثار لها إعلاميو النظام المصري، وفزعوا يغيثون الملهوفة ويدافعون عن فن الرقص، وغضبوا من زوجها الذي طلقها، على إثر بثِّ رقصتها من غير إذنها، وكانت ترقص على عبارة في النيل، تسريب مثل تسريب جونسون لكن كل أنثى في بلادنا رئيسة وزراء، وخرجت تعتذر، فهي معلمة، ونحن نقوم للمعلم ونفهِ التبجيلا، وجدت المعلمة حناناً غير معهود من لدن النظام، حتى إن رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة خرجت تقول إنها ستتعلم الرقص تضامناً مع المعلمة. الرقص فنٌ فرعوني أصيل، ويتوقع مراقبون افتتاح مراكز رقص نكاية بالإخوان.

الفرق الثاني بين خصوم جونسون وخصوم فن الرقص أنّ المدافعين عن فن الرقص يريدون قلب أمة لا قلب حكومة، ثأرا لمعلمة رقصت.

كورونا فيروس استبدادي، يغار عليه الحكام بدعوى الحرص على سلامة الشعب، ويتخذونه ذريعة لحبس الشعب، وهي نفس الذريعة التي اتخذها إعلاميو قيس سعيد منعاً للمظاهرات.

ظاهر الخبر يقول: إن رئيس الوزراء البريطاني مندوباً عن حزب المحافظين استهان بالفيروس الملك فتلهى بالرقص والفرح في زمن الحرب، لكن الأمر يتصل بشأن آخر، فهو رجل متديّن، لقد صرح بذلك، وهو رجل خصب ومكثار أنجب نصف دزينة من الأولاد، فله منهم ستة، خمسة من طليقته، وطفل من زوجته الحالية، وهذا يعارض توجهات الحكومة الخفية التي تحكم العالم وتطالب بحدّ النسل. لنتذكر أن الحكومة التي تضع طاقية الإخفاء شنّت حرباً على الكنيسة في فرنسا، فسربت خبر اغتصاب القساوسة الميامين 330 ألفا من الأولاد في معابد فرنسا، وأمرتهم بالركوع على أقدامهم معتذرين من الضحايا.

أرجو لطبيب الإبراشي النجاة من التهمة، تهمة الإخوان وليست تهمة قتله لأنها أرحم في مصر. وللمرتد عن دين كورونا، جونسون، طفل سابع أشقر مثله.

كل تهمة إلا تهمة أنّه عقيم.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (4)
أحمد
الثلاثاء، 18-01-2022 07:54 م
شكر ابو العبد الحلبي على المعلومات
أبو العبد الحلبي
الثلاثاء، 18-01-2022 01:42 م
بارك الله فيك يا أستاذ أحمد على مقال ممتاز آخر ، و أشكر موقع عربي 21 على أنه يتحفنا بمقالات من النخبة المثقفة في الوطن العربي . اسمحوا لي بتعقيب "علمي متواضع" إكمالاً للفائدة : من المعلومات التاريخية التي جرى ترويجها - مصحوبة بتضليل أو بعدم دقة في البحث و الاستقصاء – (( أن أمريكا قد خرجت من عزلتها الدولية بعد الحرب العالمية الثانية فقط )) . واضح أنها خرجت قبل ذلك للمشاركة في الحربين العالميتين الأولى و الثانية ، و واضح بدرجة أقل أنه حين أعلن الرئيس الأمريكي "جيمس مونرو " المبدأ الذي يحمل اسمه عام 1823كانت بلدان أمريكا الجنوبية "اللاتينية" قد أصبحت حديقة أمريكا الخلفية لأن مبدأه كان في جوهره يمنع أي دولة ، و خاصة دول أوروبا، من التدخل في تلك القارة. اهتمت أمريكا بما يسمى "منطقة الشرق الأوسط" في القرن التاسع عشر . في سنة 1863 ، أنشأت كلية جامعية في بيروت أسمتها " الكلية البروتستانتية السورية " حيث كانت بيروت إحدى مدن سوريا . حين قامت فرنسا "الكاثوليكية" بسلخ غرب سوريا عن وطنه الأم و أنشأت لبنان عام 1920 ، تحول اسم الكلية إلى "الجامعة الأمريكية في بيروت A.U.B" في تلك السنة . لقد كانت تلك الجامعة حاضنة لتعزيز و ترسيخ " فكر القومية العربية" و كان لها إسهام كبير من خلال منتجاتها في إنشاء حزب البعث الذي أوصل للحكم في سوريا و العراق. بدأ الرقص الشرقي "المعتمد على هز البطن أو الوسط بقصد إثارة الغريزة" أولاً في أمريكا في عام 1893 عندما قامت راقصة مجهولة كانت تعرف باسم "مصر الصغيرة Little Egypt " بتقديم رقصات في معرض شيكاغو العالمي و لفتت الأنظار إليها . الحلي و الملابس الكاشفة والإكسسوارات ، التي ترتدي الراقصة منها ، هي أصلاً من تصميم هوليوود و ليس مصر أو الهند . صحيح أنه كان يوجد رقص في زمن الفراعنة لكنه كان ضمن طقوس دينية و هو لا يمتَ بصلة إلى الموجود حالياً . بما أن العرب هم أبطال الاستيراد في العالم ، فقد كان من ضمن ما استوردوه "فن الرقص" !! . خصَت أمريكا سوريا باهتمامها في بدايات القرن العشرين ، فأنشأت في دمشق محفلاً للماسونية يحمل اسم "محفل الشرق" الذي ضم شخصيات كانت مشهورة مثل جميل مردم بيك ، حسني الزعيم ، و حافظ الأسد . كل ذلك حصل قبل الحرب العالمية الثانية و ليس بعدها !
محمد العجلوني
الإثنين، 17-01-2022 09:08 م
دائما مبدع
أكثر من رائع!
الإثنين، 17-01-2022 07:19 م
أولاً، يجب تسجيل الشكر لعربي-21 على إتحاف قرائها بكاتبنا المميز الأستاذ أحمد عمر. ولو قلت إنه رائع، لكررت ما قلتُ من قبل مع أنه حق، ولو قلت إنه رائد من رواد العربية لغةً وأسلوباً لظهر التكرار في وصفي مع أنه صحيح مائة في المائة! نظرته السياسية الثاقبة تتجلي في قوله إن الدفاع عن الراقصة المعلمة قد جاء من أنصار الحكومة والنظام وهذه للأسف هي الحقيقة المرة. كنت في مصر أثناء انتخابات السيسي في السنوات الأخيرة مرتين على الأقل ورأيت بأم عيني أمام جميع لجان (مكاتب) الانتخابات راقصات وراقصين، وقد بدا من همتهم العالية في هذا الرقص أنهم من المدفوعة أجورهم خصيصاً لهذه المهمة رغم أنهم لا يدفعون أجور سائقي سيارات الأجرة الميكروباص البسطاء الذين يجندونهم وسياراتهم بلا أجر من أجل جلب الناخبين البسطاء بالقوة.... وإلّا (وُقعت علي هؤلاء السائقين أشد العقوبات ونُكل بهم أشد التنكيل مع أنهم من بؤساء الناس). وصدق في توصيف حياة الناس في المجتمع الغربي بميلهم الفطري إلى الاحتفال بكل شيء. أذكر ذات مرة أننا سكنا عمارة مبنية جديداً، وقد فوجئنا بعد مرور ثلاث سنوات بدعوة من بعض السكان تدعونا إلى الاحتفال معاً بمرور ثلاث سنوات على شغلنا لمساكننا الجديدة. وأي اجتماع لا من الاحتفال في نهايته بشكل أو بآخر. وأرجو ممن له صلة بمجامع اللغة العربية أن يزكي الأستاذ أحمد عمر ليكون مراسلاً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة توطئة لعضويته به لاحقاً، فهذا أقل واجب علينا تجاهه على سبيل الشكر له والعرفان وتجاه لغته وأسلوبه المميزين.