قضايا وآراء

علاقات خليجية متناقضة يرسمها الإعلام.. وش السالفة؟

ياسر عبد العزيز
1300x600
1300x600

إعلام الخليج قبل وبعد قمة العلا

 

في فجر الخامس من حزيران/ يونيو ٢٠١٧ قررت ثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات والبحرين، ومعها القاهرة! مقاطعة قطر وحصارها برا وجوا، بحجة دعم الإرهاب، والتآمر عليهم، ما يعني نقض ميثاق مجلس التعاون الخليجي. وعلى إثر ذلك سحبت تلك الدول السفراء من الدوحة، وبدأت حروب سياسية واقتصادية يغذيها الإعلام بتعاطٍ أشبه بالإعلام الحربي، وتحول الخطاب الموجه إلى ما يشبه دعم الجيوش وقت الحرب. وهنا لا أستثني طرفاً، وإن كانت الجزيرة، رأس حربة قطر، أكثر تعقلا وتريثا، إلا أن الكل انزلق، وسحب معه الشعوب إلى حيث مربعات السياسة وتناقضاتها من دون مراعاة لقاعدة تشرشل الشهيرة: لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ولكن مصالح دائمة.

وهو ما حدث قبيل وأثناء وبعد قمة العلا في الخامس من كانون الثاني/ يناير من العام المنصرم. فقبيل انعقاد القمة بدأت وسائل الإعلام السعودية تخصيص مساحات واسعة للحديث عن الوحدة الخليجية، وتثمين الجهود الكويتية لإنهاء الأزمة، وأبرز الإعلام السعودي حرص المملكة على وحدة الصف الخليجي. وكان تعاطي قناة العربية لافتا في تغطية قمة العلا، استخدم كل أدواته الفنية لتسليط الضوء على علاقة أرادها أكثر من أخوية بين ولي العهد وأمير قطر. ويبدو أن ميكروفون مخصص قد تم شراؤه ليلتقط، رغم ضجيج صوت محرك الطائرة، تحية ولي العهد لأمير قطر على سلم الطائرة (يالله حيه.. نورت المملكة)، قبل أن يصطحب ولي العهد الأمير الضيفَ في سيارته اللكزس، في حالة إلحاح على المشاهد بأن المقاطعة صفحة انطوت. وفي المقابل تعاطت الجزيرة القمة بشيء من التروي والتمهل، مبرزة الجانب الإيجابي للحدث من دون المحافظة على حالة التوازن بإبراز موقف إيران مما يحدث.

العلاقات الخليجية من التكامل إلى التنافس

لطالما حاولت وسائل الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي إحداث نوع من التكامل لإبراز إنجازات الأسر الحاكمة للخليج، حتى في ظل منافسة لم تكن تؤخذ في أي وقت على أنها محاولة لإزاحة طرف. فقد كان ينظر للمشروعات الإعلامية التي ينفق عليها عشرات بل مئات الملايين، على أنها في إطار طبيعي لتملك كل دولة لأدواتها، ولأن تجربة قطر كانت ملهمة بعد النجاحات التي حققتها من خلال قناة الجزيرة، ذراعها الناعم لخلق شعبية وإيجاد دور كبير لدولة صغيرة الحجم، فسارعت كل من السعودية والإمارات تحديدا، دونا عن باقي دول مجلس التعاون، إلى خوض التجربة، ومنها ما نجح وأثر ومنها ما مات قبل أن يولد رغم الملايين التي أنفقت عليها.

لما تحولت مواقف الدول، تحولت سياسات الإعلام، وعاد الخبراء والمحللون المحسوبون على الأنظمة لتفتح لهم الاستوديوهات، وتفسح لهم المساحات في الصحف من جديد

مع ذلك ظلت هذه الوسائل في محاولة للتكامل وتوزيع الأدوار وتكملتها لخلق وعي خليجي وعربي بقضايا وسياسات ومواقف قادة دول الخليج، لا سيما الثلاثة الأكثر ديناميكية في منطقتهم. فالمحللون والخبراء المحسوبون على الأنظمة، كانوا ضيوفا مفتوحة لهم الاستوديوهات ومساحات الرأي في الصحف والمواقع لتمرير ما يراد تمريره للمشاهد والقارئ العربي عامة والخليجي خاصة. ولا يمكن إنكار أن مجلس التعاون الخليجي شكل حالة نجاح لا يمكن إنكارها في فترة من الفترات؛ ساعدت في إنجاح الاتفاق الضمني أو قد يكون صريحا بين دول الخليج بالدور الذي لعبته وسائل إعلامها.

لكن أثناء وبعد الحصار الخليجي لقطر، تبدل هذا الدور، فمن حالة التكامل التي كانت، إلى حالة انحراف كامل وصلت إلى نوع من العدائية غير المبررة، واتخذت وسائل الإعلام على كلا الطرفين أوضاعا دفاعية، قبل أن تدير فوهات مدافعها الإعلامية صوب الطرف الآخر في فترة امتدت قرابة الأربع سنوات. ولأن تعريف تشرشل للسياسة عبقري، فلما تحولت مواقف الدول، تحولت سياسات الإعلام، وعاد الخبراء والمحللون المحسوبون على الأنظمة لتفتح لهم الاستوديوهات، وتفسح لهم المساحات في الصحف من جديد. على الرغم من ذلك، فإن حالة التنافس لن تنتهي، والتجربة كانت قاسية بما يكفي لكي يتخذ كل طرف حذره ويحافظ على مساحة يمكن من خلالها امتلاك أوراق يلعب بها وقت الحاجة، لذا فلا يمكن أن تعود المياه إلى سابق مجراها بعد أن انحرف النهر عن مساره.

شعوب الخليج تتساءل: وش السلفة؟

في ظل هذه التناقضات التي عاشها الإعلام الخليجي، وما أحدثه من شرخ كبير، سيأخذ الشرخ وقتا بطبيعة الحال ليلتئم بين الشعوب، لأن الخطأ الأكبر من وجهة نظري هو جر الشعوب لهذا المربع المرعب، فلم يفهم من كان يدير ملف الإعلام، أو ربما لم يفهم من وجّهه، أن الشعوب باقية والأنظمة راحلة، وإن كانت لا ترحل في الخليج، فعلى الأقل من يحكمون يرحلون، وبرحيلهم تتبدل السياسات. ولعل من المفارقة أن الأشخاص لم يرحلوا وتبدلت السياسات، وصار من أدار الحرب الإعلامية أثناء الأزمة في موقف لا يحسد عليه.

في ظل هذه التناقضات التي عاشها الإعلام الخليجي، وما أحدثه من شرخ كبير، سيأخذ الشرخ وقتا بطبيعة الحال ليلتئم بين الشعوب، لأن الخطأ الأكبر من وجهة نظري هو جر الشعوب لهذا المربع المرعب، فلم يفهم من كان يدير ملف الإعلام، أو ربما لم يفهم من وجّهه، أن الشعوب باقية والأنظمة راحلة

لعل القارئ يتساءل: لماذا الحديث عن الإعلام الخليجي وإدارته لأزمة حصار قطر بعد أن التأم الشمل ووضع السمن على العسل؟

والحقيقة أن القدر ساقني لأن أشاهد برنامجا على قناة جديدة، على الأقل بالنسبة لي، اسمها قناة الخليج، وتحديدا برنامج "وش السالفة" عن حصاد العام في الخليج. لم يتسنَ لي للأسف التعرف على اسم مقدمه، ويبدو أن الأمر متعلق بأمور تنظيمية أو ربما أمنية، لكن الطريقة التي تعاطى بها البرنامج مع العلاقات الخليجية وتشابكها وتناقضاتها، كان محترفا إلى حد كبير، رغم ضعف الإمكانات، فالبرنامج في تعاطيه للموضوع كان أكبر من تلك القنوات التي ينفق عليها الملايين. فالمشاهد الخليجي والعربي أذكى من أن يوجه بهذه الصورة الفجة التي تقدم في وجبات دسمة على قنوات حملت اسما كبيرا، المشاهد الخليجي والعربي يعرف أن الأزمة لم تحل بعد، وأن أحضان القادة وميكروفونات قنواتهم الحساسة التي تنقل كلمات الإطراء؛ لن تنطلي على المتابع. إذ أن المواقف على الأرض مختلفة، والشتاء لا يزال مستمرا، ومن ثم فإن الثلج لن يذوب ببرنامج حواري أو خبر في نشرة أخبار.

كل التحية لقناة الخليج التي تحاول أن تكون صوتا وضميرا للمشاهد العربي وتنقل بحيادية - ما استطاعت - المواقف وتترك للمشاهد الذكي الحكم، محترمة في ذلك عقل متابعيها ومشاهديها، ومحترمة فوق ذلك خصوصية المشاهد الذي يملك الريموت كونترول في إصدار الحكم بالإبقاء على القناة أو تطليقها وإخراجها من قائمة المشاهدة.

 

التعليقات (0)