صحافة دولية

كيف يهدد تطبيع العلاقات بين أنقرة ويريفان مصالح روسيا؟

روسيا لم تتخذ موقفا تجاه سعي كل من تركيا وأرمينيا تطبيع العلاقات
روسيا لم تتخذ موقفا تجاه سعي كل من تركيا وأرمينيا تطبيع العلاقات

نشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرا، تحدثت فيه عن المفاوضات المقرر عقدها في وقت قريب لتطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هذه المحاولة لتحسين العلاقات بين البلدين هي الثانية من نوعها خلال 15 سنة الماضية، علما أن المحاولة الأولى باءت بالفشل؛ بسبب ضغوط من أذربيجان.

الخطوة الأولى نحو المصالحة

حسب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، انطلق البلدان في الاستعداد لمفاوضات تطبيع العلاقات، ولعل ذلك ما يؤكّده تعيين ممثلين خاصين لهذه المهمة. سيكون نائب رئيس البرلمان الأرميني روبين روبينيان الممثل الخاص لأرمينيا، بينما عينت تركيا سفيرها السابق لدى واشنطن سيردار كيليتش. ويعكس اختيار تركيا الدبلوماسي سردار كيليتش لتمثيلها في هذه المفاوضات مدى جديتها في السعي إلى استعادة العلاقات مع أرمينيا.

فشل "دبلوماسية كرة القدم"

ذكرت الصحيفة أن الاتصالات بين البلدين انقطعت منذ سنة 1993، عقب دعم تركيا أذربيجان في نزاع قره باغ، وغلقها الحدود التركية الأرمينية، وقطع العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد مع أرمينيا. وبعد 15 عامًا من قطع العلاقات، رأى البعض أن إقامة علاقات اقتصادية تتطلب صلحًا، في حين أن البعض الآخر اعتبر الصلح علامة ضعف. مع ذلك، استغل الرئيسان سيرج سركسيان وعبد الله غل حقيقة تواجد أرمينيا وتركيا في نفس المجموعة المؤهلة لكأس العالم، وتبادلا الزيارات.

ساهمت "دبلوماسية كرة القدم" في توقيع البلدين عددا من البروتوكولات لإقامة العلاقات الدبلوماسية، وتطوير العلاقات الثنائية. لكن هذا الود لم يدم طويلا، إذ إن عدم مصادقة البرلمان التركي تحت ضغط باكو على هذه البروتوكولات أدى إلى سحب السلطات الأرمينية الوثائق، وعودة التوتر بين البلدين.

 

اقرأ أيضا: تعيين ممثل خاص رسميا بين أرمينيا وتركيا لتطبيع العلاقات

"من المفيد للغرب طرد موسكو من المنطقة"

تداولت وسائل الإعلام التركية خبرا مفاده أن الغرب يدعم بنشاط التقارب المحتمل بين تركيا وأرمينيا؛ أملا في إضعاف نفوذ روسيا في المنطقة. لكن يبدو أن أرمينيا تنظر بشكل مختلف إلى هذه المبادرة.

نقلت الصحيفة عن الخبير السياسي أرمان مانوكيان، أنه "بسبب خسارة يريفان في حرب قره باغ، يرى الكثيرون أن الوقت ليس مناسبًا لهذه الخطوة. وبالنظر إلى أن كيليتش دبلوماسي محنك، يتساءل البعض عما إذا كان روبينيان قادرًا على الدفاع عن مصالح يريفان. إلى جانب ذلك، تهدف أنقرة وباكو لتنفيذ مشروع "ممر زانجيزور" لربط أذربيجان بإقليم ناخيتشيفان".

من جهته، يرى كبير الباحثين في أكاديمية وزارة الخارجية الروسية فلاديمير أفاتكوف أن تركيا تعمل على تنفيذ أيديولوجية مركز الثقل. وأضاف أفاتكوف: "تحتاج تركيا إلى تشكيل عدد كبير من الممرات وطرق للتجارة والنقل لتربطها بأوروبا والشرق الأدنى والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، من أجل الاقتراب قدر الإمكان من الصين والاندماج في مشروع حزام واحد طريق واحد. لهذا السبب، تحاول أنقرة تنويع طرق الإمداد وحركة البضائع عبر أراضي جنوب القوقاز".

وأضاف أفاتكوف أن "أرمينيا تفصل جغرافيًا تركيا عن أذربيجان؛ لذلك تعتبر مهمة جدًا لأنقرة. ورغم تمكن تركيا من زيادة نفوذها بشكل كبير في أذربيجان وجورجيا، لا تزال أرمينيا خارج هذه الدائرة".

تشاطره الخبيرة السياسية لاريسا ألكسانيان نفس الرأي، معتبرة أن تركيا ستحاول اغتنام الفرصة والحصول على ما لم تنله في حرب قره باغ. وأفادت ألكسنيان: "من المرجح أن تضع أنقرة شروطًا مسبقة ومطالب قد يصعب على الجانب الأرميني الوفاء بها". وبناء عليه، تعتقد الخبيرة أن تطبيع العلاقات الأرمنية التركية أمر غير مرجح على المدى المتوسط، ولا دخل لباكو في ذلك، التي أصبحت تعتمد بشكل كبير على تركيا، خاصة بعد حرب كاراباخ الثانية.

روسيا تلتزم الصمت

أشارت الصحيفة إلى أن روسيا لم تتخذ موقفا تجاه سعي كل من تركيا وأرمينيا تطبيع العلاقات، مع أن هذه الخطوة تهدد مصالحها، على حد تعبير ألكسانيان. وأوضحت ألكسانيان: "أصبح الوضع الجيوسياسي في منطقة جنوب القوقاز معقدًا، حيث فقدت روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي هيمنتها، بينما تعزز النفوذ التركي. ولم تكتف تركيا عند هذا الحد، بل يبدو أنها تحاول توسيع مجال نفوذها ودحر موسكو".

فسّر أفاتكوف غموض الموقف الروسي قائلا: "إن تنفيذ مشاريع البنية التحتية والمصالحة سيعود بفائدة على روسيا، باعتبار أن الأجندة الرئيسية لموسكو في جنوب القوقاز هي تحقيق السلام والأمن والاستقرار. من المهم أيضًا بالنسبة لموسكو إبرام اتفاقية سلام بين أرمينيا وأذربيجان، لا سيما أن علاقات اقتصادية وتاريخية وثيقة تجمع موسكو مع باكو، دون التغاضي عن حقيقة التحالف العسكري السياسي الذي يجمع روسيا مع أرمينيا. مع ذلك، لا يمكن إنكار حقيقة أن تنامي النفوذ التركي في أراضي جنوب القوقاز يهدد مصالح روسيا في المنطقة".


التعليقات (0)