صحافة دولية

نيويوركر: سجون سرية لتعذيب المهاجرين بعلم الاتحاد الأوروبي

مهاجرين في ليبيا- فيسبوك
مهاجرين في ليبيا- فيسبوك

قال موقع "نيويوركر" إن المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط، من ليبيا، يتم التحفظ عليهم في سجون سرية.

وقال الموقع في تقرير ترجمته "عربي21" إن الاتحاد الأوروبي الذي تعب من موجات المهاجرين الأفارقة، أقام نظاما سريا لإلقاء القبض عليهم قبل عبورهم إلى الشاطئ الآخر من أوروبا، وإرسالهم إلى مراكز احتجاز تديرها المليشيات المسلحة، وهذه السجون هي عبارة عن مخازن مؤقتة تقع على الطريق السريع في غوط الشعال، وهو حي فقير تنتشر فيه محلات تصليح السيارات والخردة في العاصمة طرابلس.

وكان المكان في الماضي مكانا لتخزين الإسمنت وأعيد افتتاحه في كانون الثاني/ يناير 2021، ورفعت جدرانه الخارجية ونصبت عليها الأسلاك الشائكة. ويحرسه رجال بزي أسود وأزرق يحملون الكلاشينكوف. وعلى بوابة المخازن لافتة "مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية"، والمكان هو سجن سري لاحتجاز المهاجرين واسمه "المباني". ووصل إليه في الساعة الثالثة من صباح 5 شباط/ فبراير 2021 عليو كاندي، وهو شاب خجول من غينيا بيساو.

وترك المهاجر بلاده قبل عام ونصف لأن مزرعة العائلة لم تعد تنتج ما تحتاجه وكان يريد الانضمام لشقيقيه في أوروبا. وعندما حاول عبور المتوسط على متن قارب مطاطي مع أكثر من مئة مهاجر، اعترضهم خفر السواحل الليبيون ونقلوهم إلى "المباني". ودفعوا جميعا إلى زنزانة 14 التي اعتقل فيها مئتان آخرون. ولم يكن هناك مكان للجلوس ومن كانوا على الأرض غيروا أماكنهم تجنبا للدوس عليهم.

وكتب المهاجرون على الجدران عبارات "الجندي لا يستسلم" و"نتقدم وعيوننا مغمضة". وجلس كاندي في زاوية مزدحمة وبدأ يتحدث بفزع "ما الذي يجب علينا فعله؟". ولم يعرف أحد ماذا جرى لكاندي خارج جدران المباني، فلم يوجه إليه اتهام ولم يتحدث إلى محام.

واستسلم في الأيام الأولى للوضع في السجن الذي تديره جماعة مسلحة تطلق على نفسها "جهاز الأمن العام"، وحرس رجالها ممرات السجن الذي احتجز في زنازينه الثمانية فيه 1,500 مهاجر ومهاجرة. ولم يكن هناك سوى حمام واحد لكل مئة مهاجر، وكان كاندي يبول في زجاجة ويتبرز في الحمام.

ونام المهاجرون على فرش خفيفة، وتداول السجناء النوم عليها في الليل والنهار. وتشاجر المهاجرون حول من له حق النوم في الحمام الذي تتوفر فيه تهوية جيدة. وكانوا يخرجون إلى الساحة مرتين في اليوم، حيث كان يحظر عليهم النظر إلى السماء أو التحدث معا. وقام الحرس، مثل حراس حديقة حيوانات بوضع سطول من الطعام التي اجتمع حولها المهاجرون للأكل.

وضرب الحرس السجناء الذين عصوا الأوامر بما هو متوفر لديهم: مجرفة، خرطوم، سلك أو جذع شجرة. وقال توم مارتن لوثر من الكاميرون الذي نام بجانب كاندي: "كانوا يضربون أي شخص بدون سبب". واعتقد السجناء أن أي مهاجر يموت ترمى جثته خارج جدران السجن في كومة من الطوب والرمل.
وعرض الحرس على المهاجرين الحرية مقابل 2,500 دينار ليبي، أي  500 دولار. وفي أثناء وجبات الطعام كان الحرس يتجولون بهواتف نقالة لكي يتمكن المعتقلون من الاتصال مع أقاربهم. لكن عائلة كاندي لم تكن قادرة على توفير هذه الفدية. وقال لوثر: "لو لم يكن هناك من تستطيع الاتصال به، فما عليك إلا الجلوس".

وقال صلاح المرغني، وزير العدل من 2012 إلى 2014: "قام الاتحاد الأوروبي بأمر فكر به وخطط له لسنوات" و"أقام حفرة جهنم في ليبيا لردع الناس عن التوجه إلى أوروبا". وبعد ثلاثة أسابيع من وصول كاندي إلى المباني، خطط سجناء للهروب وقادها موسى كاروما من ساحل العاج، فقد ترك السجناء بدون السماح لهم بالذهاب للمرافق الصحية حتى فاحت رائحة البراز "وهذه هي أول مرة لي في السجن"، قال كاروما و"شعرت بالخوف" عندما فتح الحرس باب الزنزانة تدافع 19 مهاجرا وصعدوا فوق ظهر الحمام ومنه إلى الجدار الخارجي واختفوا في عدد من الممرات.

ويرى كاتب التقرير إيان أوربيا أن البنك الدولي توقع أن تشهد السنوات الخمسون المقبلة الجفاف وفشل المحاصيل وارتفاع مستويات البحر والتصحر التي ستؤدي إلى تشريد 150 مليون شخص من  عالم الجنوب وتسرع عمليات الهجرة باتجاه أوروبا. وفي عام 2015 وصل مليون مهاجر إلى أوروبا من الشرق الأوسط وأفريقيا. والطريق المفضل للهجرة هو ليبيا ومن ثم البحر المتوسط إلى إيطاليا.

ودعم الزعيم الليبي معمر القذافي فكرة الرابطة الأفريقية وسمح للأفارقة للعمل في بلاده الغنية. لكنه وقع في 2008 "اتفاقية الصداقة" مع رئيس الوزراء الإيطالي في حينه سيلفيو برلسكوني. لكنه استخدم ورقة الهجرة لتهديد أوروبا، ففي 2010 هدد بجعل أوروبا سوداء لو لم ترسل إليه 6 ملايين يورو لمواجهة الهجرة. وبعد الإطاحة به في 2011 انتشرت الفوضى بالبلاد التي صارت تحكم من حكومتين، وانتشر المهاجرون الباحثون عن فرصة للسفر إلى أوروبا.

ومنذ ذلك الوقت تحول البحر المتوسط إلى مقبرة للمهاجرين، ففي 2013 غرق أكثر من 60 مهاجرا قرابة سواحل جزيرة لامبدوسا، جنوب إيطاليا، وكان معظمهم من الأريتريين. وتعامل قادة أوروبا مع الأزمة بتعاطف أولا، وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إن أوروبا قادرة على التعامل مع الأمر. وفي نفس الوقت انتخب ماتيو رينزي الشاب لحكومة إيطاليا وتعاطف أيضا مع الأزمة وقال إنه لو غضت أوروبا الطرف عن "الجثث في البحر" فليس من حقها زعم أنها متحضرة.

ودعم برنامج مير نوسترام في بحرنا، لكن تزايد أعداد المهاجرين واحتياجاتهم أثار المخاوف. ومنح التيار المتطرف سواء حزب البديل في ألمانيا أو التجمع الوطني في فرنسا، مما زاد من مشاعر الكراهية للأجانب وتعرض المهاجرين للانتهاكات. وهو ما دعا ميركل للمطالبة بدمج المهاجرين ودعمت الحظر على البرقع. ولم تنجح خطة رينزي التي كلفت مئات الملايين من اليورو، ولم تكن إيطاليا قادرة على مواصلة بسبب الركود الذي تعاني منه.

وفشلت محاولات اليونان وإيطاليا لتوطين المهاجرين في بلد آخر. ورفضت بولندا وهنغاريا التي تدار بحكومات يمينية السماح للمهاجرين، كما أنها ناقشت النمسا فكرة بناء جدار على حدود إيطاليا. واستقال رينزي في عام 2016 وتراجع عن مواقفه السخية. وقررت أوروبا المضي في السنوات القادمة بمعالجة الهجرة بطرق أخرى بحسب مفهوم وزير الداخلية الإيطالي السابق ماركو مينتيني الذي فهم سوء حسابات رينزي: "لا يمكنك الرد على شعورين قويين" "الغضب والخوف".

وبدأت إيطاليا واليونان ومالطة وإسبانيا بإعادة القوارب الإنسانية، بل وجهت إيطاليا اتهامات لقبطان سفينة. وفي عام 2015 قرر الاتحاد الأوروبي إنشاء "صندوق الإئتمان الطارئ لأفريقيا" والذي أنفق ست مليارات دولار. ويقول الداعمون للصندوق إنه يقدم مساعدات للدول النامية، للسودان كي يواجه كوفيد-19 وغانا كي تستثمر في الطاقة النظيفة.

لكن المعارضين له يرون أن الاتحاد الأوروبي يستخدم المال للضغط على دول أفريقيا كي تحد من موجات الهجرة. وقالوا إن المال استخدم لبناء مركز استخبارات في السودان ودعم تقديم بيانات عن المواطنين الإثيوبيين. ونظر مينتي إلى ليبيا الدولة الفاشلة، لكي تصبح شريكا رئيسيا لأوروبا لمنع تدفق المهاجرين.

 

وسافر في عام 2017 إلى طرابلس وعقد اتفاقية مع الحكومة المعترف بها وأقوى مليشيا فيها. ووقعت إيطاليا التي دعمها الاتحاد الأوروبي مذكرة التفاهم مع ليبيا وأكدت على التعاون في مواجهة موضوع الهجرة السرية عبر ليبيا إلى أوروبا. ووجه أول دعم بنصف مليار دولار عملية الهجوم على المهاجرين.

وقال المرغني، وزير العدل السابق إن الهدف هو جعل ليبيا الطرف الشرير. ويعود الكاتب إلى قصة كاندي الذي ولد في قرية صغيرة بدون طرق أو تغطية للهواتف النقالة، لكنه كان يعرف الفرنسية والإنكليزية ويتعلم البرتغالية على أمل السفر إلى البرتغال. وهو من عائلة مسلمة متدينة، هاجر شقيقان له إلى إسبانيا، وحلم بالهجرة، ولهذا فقد قرر أن يجرب حظه وحمل معه نسخة من القرآن وبعض الملابس، في رحلة طويلة عبر دول الصحراء.

 

ووصل إلى المغرب في كانون الثاني/ يناير 2020، ليجد أن الرحلة مكلفة ونصحه شقيقه بالعودة، لكنه علم أن الرحلة عبر ليبيا هي أرخص فسافر إلى هناك.

ويشير الكاتب إلى رحلته في أيار/ مايو إلى طرابلس للتحقيق في حالة كاندي، حيث كشف عن العلاقة الغريبة التي قامت بين الاتحاد الأوروبي والمليشيات المسلحة، التي اتهم أفرادها بإغراق سفن للمهاجرين، ومع ذلك فقد شاركوا في المحادثات مع المسؤولين الأوروبيين لمواجهة المهاجرين ومنعهم. وعندما وصل إلى ليبيا أخبرته الحكومة الليبية بأنها ستسمح له بالتجول في المباني، ليكتشف أن هذا لن يحصل.

 

وأشار إلى وجود 15 معتقلا للمهاجرين الذين يحق للسلطات اعتقالهم لمدة غير محدودة لدخول البلاد بطريقة غير شرعية. ويعد سجن المباني هو الأضخم من بين هذه السجون. وأخبرت ست نساء منظمة أمنستي هذا العام بأنهن تعرضن للاغتصاب في معتقل شارع الزاوية. ويتم نقل المهاجرين الذين يعتقلهم خفر السواحل إلى واحد من المعتقلات.


ويصف كاتب التقرير كيف قتل كاندي في نيسان/ إبريل هذا العام عندما أطلق حرس السجن النار على سودانيين معتقلين كانوا يحاولون فتح باب زنزانة 4. ثم اعتقال الكاتب في زنزانة بعدما شكت السلطات بأنه يحاول الكشف عن ما حدث في المباني. وقال إن المحققين معه اتهموه بالتجسس لصالح "سي آي إيه" وتشويه سمعة ليبيا.

وبقي مع فريقه في السجن مدة ستة أيام حيث تدخلت الخارجية الأمريكية والمسؤولون الهولنديون. واتهم بأنه قام بمقابلة المهاجرين بطريقة غير قانونية. وبعد خروجهم من السجن وضعوا على طائرة إلى تونس. ويقدم التقرير تفاصيل عن عالم المعتقلات السرية وطريقة معاملة المهاجرين واستخدامهم ضد بعضهم في المعتقلات وعدم احترام كرامتهم الإنسانية مع أن معظم المعتقلين من المسلمين.

التعليقات (1)
مصطفى
الثلاثاء، 30-11-2021 10:51 ص
هكذا يثبت الليبيين انهم من الشعوب التي لا تستحق الاحترام