ملفات وتقارير

مخاوف من سيطرة سعيد على السلطة القضائية في تونس

سعيد احتكر السلطات التنفيذية والتشريعية في انقلاب على الدستور- جيتي
سعيد احتكر السلطات التنفيذية والتشريعية في انقلاب على الدستور- جيتي

"القضاة مستقلون والسلطة القضائية أبدا لن تسمح بأي تدخل ولن تحتكم إلا للقانون"، كان هذا موقفا حاسما من المجلس الأعلى للقضاء منذ الساعات الأولى لإعلان قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو المنقضي وأسماها "إجراءات استثنائية".


غير أن الرئيس سعيد وخاصة في الأيام الأخيرة، بات يتحدث باستمرار عن القضاء، وضرورة "تطهيره"، وأن فيه فاسدين وقضاة غير مستقلين، داعيا وزيرة العدل إلى إعداد مشروع جديد يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، وهو ما فجر مخاوف حقيقية وجدية، من أن الرئيس يعمل على إخضاع القضاء له، وبالتالي الاستحواذ وبصفة مطلقة على كل السلطات بعد احتكاره السلطات التنفيذية والتشريعية.


"لن يمر"


وقال رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر، في تصريح لـ"عربي21": "بات من الواضح أنه سيتم إصدار مرسوم يتعلق بالمجلس، وفي حال كان يقضي بإلغاء المجلس الأعلى للقضاء فإن هذا يعني تدخلا في المرفق".


وأكد بوزاخر أن "إلغاء المجلس يعتبر إلغاء للضمانات الممنوحة للقضاء وللباب المتعلق بالسلطة القضائية في الدستور، وهذا القرار له تأثير مباشر على باب الحقوق والحريات باعتبار أن القاضي هو الضامن للحرية".


وشدد على أن "مؤسسة المجلس هي الضامنة للقضاء والإلغاء يعد خطوة للوراء ومسا في الضمانات الدستورية".


وطالب يوسف بوزاخر بضرورة أن "يكون إصلاح القضاء بطريقة تشاركية".

 

اقرأ أيضا: القضاء التونسي يطالب قيس سعيد بإنهاء التدابير الاستثنائية

بدورها، أكدت الهيـئة المديرة للجمعية التونسية للقضاة الشبان، أن المجلس الأعلى للقضاء "هو المؤسسة الوحيدة التي يحتكم إليها القضاة، وهو ما يمثلهم كأحد لبنات الدولة الديمقراطية، وأن التفكير في حله أو التمهيد لذلك دون أي مبرر ودون أخذ رأي القضاة يوجب على كافة أفراد الشعب التونسي وفي طليعتهم القضاة، مواجهته، لما في ذلك من تقويض لأسس الدولة الديمقراطية".


وطالبت الجمعية السلطة التنفيذية بإطلاعها على القانون قبل اتخاذ أي قرار، وأكدت أن "أي قانون يتعلق بالسلطة القضائية ومهما كانت صيغته، لن يمر ما لم يقبله القضاة".


ودعت الجمعية القضاة إلى "الذود عن استقلالية السلطة القضائية بكافة الوسائل القانونية المتاحة واجتماع كافة الهياكل القضائية في أقرب وقت ممكن في إطار مؤتمر وطني مشترك".

 

 

 

لا للهد والتهديد 


وأكد القاضي أحمد صواب في تصريح لـ"عربي21"، أن "الرئيس سعيد تدخل منذ مدة في سير القضاء عبر التأثير والترغيب وهذا ثابت، فعندما يتحدث الرئيس عن ملفات فهذا يعني تدخلا في القضاء".


واستغرب القاضي صواب، بشدة، ردة فعل القضاة، وقال: "للأسف أن الرد من القضاة وخاصة المجلس الأعلى للقضاء محتشم ومخجل، ولكن الحمد لله أن الرد كان مناسبا من عدد من القضاة وخاصة القدماء البارزين" مؤكدين أنهم أبدا لن يسمحوا "بالمس بالسلطة القضائية ونضالاتها عبر عقود من الزمن".

 

 

 

وشدد القاضي صواب على أنه "لا سبيل إلى المس بالقضاء، ولا رجوع إلى الوراء، والسلطة السياسية التنفيذية لن يسمح لها بالمس بالمجلس الأعلى للقضاء أو ترهيبه" .


من جانبها، قالت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة روضة القرافي، إن "مطالبة الرئيس بإعداد مشروع للمجلس الأعلى للقضاء هو تدخل في القضاء واستقلاليته، فالقضاء المستقل لا تشرع له السلطة التنفيذية بمراسيم أحادية".


وعبرت القرافي الأربعاء، في تصريح إعلامي، عن المخاوف من أن "كل السلطات بيد الرئيس بعد القرارات الاستثنائية، وفي حال صدور مرسوم يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء فهذا خطير، ويمس باستقلالية القضاء ويتدخل فيه".

 

اقرأ أيضا: القضاء التونسي يأمر بإيقاف إعلاميين تونسيين

وكشفت القرافي عن خشيتها من ترهيب القضاة وتخويفهم، ومشاركة عدد منهم في إعداد مرسوم يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء: "اليوم لسنا في دولة قانون"، وفق قولها.


ونبهت إلى تورط بعض القضاة في عملية إعداد المرسوم الجديد، "وهو ما يجعلهم يتورطون في المس بالمؤسسة القضائية التي قد تصبح تابعة للسلطة التنفيذية"، بحسب القرافي.

 

توجه الإخضاع 


ويرى الأكاديمي والباحث زهير إسماعيل، في قراءة تحليلية خاصة لـ"عربي21"، بخصوص حقيقة وجود مخاوف جدية من محاولة الرئيس سعيد التدخل في القضاء والسيطرة عليه، أنه "لا يخفى توجّه الانقلاب الواضح نحو إخضاع القضاء، بعد الإمساك الكامل بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، وغاية رئيس الجمهورية توظيف القضاء لاستهداف الشارع الديمقراطي الرافض للانقلاب والمصرّ على العودة إلى المؤسسات الدستورية والفصل بين السلطات واستقلال القضاء".

 

وقال الباحث إن "الهدف المباشر للرئيس سعيّد من المؤسسة القضائية هو المجلس الأعلى للقضاء، ولم يتردّد في التأكيد على أن القضاء مريض، وأنّ تونس جريحة ومن بين أسباب الجرح العميق هو القضاء، وأعاد الحديث عن تدخّل السياسيين في الشأن القضائي ولا معنى لحديثه هذا، بعد أن أزاح كل السياسيين بحل المؤسسات الديمقراطية من حكومة وبرلمان إلاّ أنّ القضاء استعصى عن تدخلات سعيّد وقاوم توجهه إلى التدخل السافر فيه". 

 

 

وأشار إسماعيل إلى أنه "في أكثر من مناسبة شدّد الرئيس على ضرورة مراجعة قانون المجلس الأعلى للقضاء، وقد لقي هذا التوجه معارضة قوية من القضاة ومنهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء، إلى جانب رأي بعض خبراء القانون الدستوري، ومنهم الأستاذ كمال بن مسعود الذي أكّد على أنّ إعادة النظر في قانون المجلس الأعلى للقضاء لا يكون إلا بعد تنقيح الدستور، وأنّه لا قيمة لمرسوم في هذا الموضوع، فالمجلس الأعلى للقضاء مؤسسة مقرّرة في الدستور ضمن الباب الخامس، باب السلطة القضائية". 


وحذر زهير إسماعيل من أنه "يوجد تهديد جدّي للقضاء من رئيس الجمهورية، ومحاولته بسط سيطرته عليه، كل ذلك في خطاب شعبوي مخادع يحاول إخفاء هذا التوجه الخطير بنفي تدخله فيه وإظهاره مجالا لعبث السياسيين، وقد كان أقصاهم منذ انقلابه عن كل فعل لينصب نفسه حاكما مطلقا، ولكنّه عاجز عن البناء مثل كل انقلاب على الديمقراطية لا يمكنه إلا أن يهدم كل ما تعتقد عليه الناس، وكل ما بنوه من مؤسسات تضمن حريتهم وعيشهم المشترك". 


وختم الأكاديمي والباحث إسماعيل، بالقول: "تلك هي منهجية الترذيل التي توخاها قيس سعيّد ليبرر انقلابه على الديمقراطية. ويستمر فيها اليوم للسيطرة على القضاء للتشويش على مسار تعافيه وضرب استقلاله، ويتوقع أن تتواصل مقاومة القضاة ومؤسستهم لهذا التوجه السلطوي العابث والخطر الجاثم على البلاد".

التعليقات (0)