قضايا وآراء

قراءة في المقاربة الإسرائيلية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان

ماجد عزام
1300x600
1300x600
اهتمت إسرائيل سياسياً وإعلامياً بالانسحاب الأمريكي العشوائي والمهين من أفغانستان لأسباب عدة؛ تتضمن العلاقة مع الراعي والداعم الأمريكي لها على عدة مستويات، ما يعني أن تآكل هيبة أو قدرة الردع الأمريكية ينعكس بالضرورة سلباً على الدولة العبرية، إضافة إلى البعد الجيوبوليتيكي الإقليمي والمتمثل بوقوع أفغانستان في الحوض العربي الإسلامي "الشرق الأوسط" الذي تتواجد فيه فلسطين، وبالتالي وجود تداعيات إقليمية سلبية محتملة على إسرائيل لجهة تزايد التهديدات والأخطار الأمنية المحيطة بها، والأهم ربما بالنسبة للدولة العبرية التداعيات الفلسطينية المباشرة للحدث الأفغاني على الحالة الإسرائيلية في ظل إجماع فلسطيني - رغم بعض التباينات - على مقاربة متشابهة للحدث؛ تتضمن أساساً حتمية زوال الاحتلال الأجنبي وعجز الوصاية الخارجية عن خلق وقائع مستدامة وأبدية على الأرض.

في السياق، كانت محاولة انتهازية لاستغلال الحدث الأفغاني لمصالح حزبية ضيّقة، حيث سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إلى تأكيد صحة وصوابية سياساته المتبعة فلسطينياً وحتى إقليمياً وأمريكياً، ومهاجمة الحكومة الحالية واتهامها بالتقاعس في الدفاع عن مصالح الدولة العبرية، والضعف أمام السياسات الأمريكية، والعجز عن  قول "لا" لواشنطن كما فعل هو، حسب ادعاءاته.
تمثل السبب الأول للاهتمام الإسرائيلي بالحدث الأفغاني بالبعد أو العامل الأمريكي، وتحديداً الدعم أو للدقة الرعاية الأمريكية الشاملة للدولة العبرية منذ نصف قرن تقريباً، بمعنى أن أي انسحاب أو انكفاء أمريكي مماثل قد يطال الدولة العبرية نفسها في المستقبل

تمثل السبب الأول للاهتمام الإسرائيلي بالحدث الأفغاني بالبعد أو العامل الأمريكي، وتحديداً الدعم أو للدقة الرعاية الأمريكية الشاملة للدولة العبرية منذ نصف قرن تقريباً، بمعنى أن أي انسحاب أو انكفاء أمريكي مماثل قد يطال الدولة العبرية نفسها في المستقبل، ما يؤدي إلى انكشافها وانهيارها وزوالها من الوجود في غياب الغطاء الأمريكي السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري والأمني، وقبل ذلك وبعده المعنوي والنفسي.

ولا شك أن إسرائيل متعلقة تماما بالدعم الأمريكي، ومن هذه الزاوية تبدو الدولة العبرية في وضع شبيه بسلطة الرئيس الأفغاني أشرف غني المنهارة، وحتى سلطة سايجون المدعومة أمريكياً التي سقطت في فيتنام  قبل نصف قرن تقريباً.

في السياق الفيتنامي أيضاً؛ كان لافتاً وصف المحلل المخضرم في يديعوت أحرونوت سيفر بلوتسكر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بالعار، وأنه أكبر حتى من عار فيتنام، ما يعني بالضرورة أن العامل الجيوبوليتيكي سيترك آثارا سلبية أكثر على إسرائيل، خاصة أن الانكفاء أو عار سايجون لم يؤثر سلباً، بل عمق ربما - ضمن أسباب أخرى - التأثير الأمريكي في الحوض العربي الإسلامي، بينما العكس صحيح في السياق الأفغاني.
نحت المقاربة الإسرائيلية نحو الخداع الذاتي، وجرى تداول عبارات تطمينية من قبيل أن إسرائيل دولة قوية تستطيع الدفاع عن نفسها وأمنها دون الحاجة للغطاء الأمريكي، وأن هذه الأخيرة لم تقاتل يوماً بشكل مباشر دفاعاً عن إسرائيل، كما فعلت في أفغانستان

بناء على المعطى السابق، نحت المقاربة الإسرائيلية  نحو الخداع الذاتي، وجرى تداول عبارات تطمينية من قبيل أن إسرائيل دولة قوية تستطيع الدفاع عن نفسها وأمنها دون الحاجة للغطاء الأمريكي، وأن هذه الأخيرة لم تقاتل يوماً بشكل مباشر دفاعاً عن إسرائيل، كما فعلت في أفغانستان، علماً أن هذا غير دقيق، وإسرائيل لا تستطيع المكوث والبقاء في المنطقة ككيان استعماري غريب دون دعم القوة الإمبريالية الأولى في العالم. وكما قيل ويقال، وعن حق فإنها في غرفة الإنعاش الأمريكية 24 ساعة طوال الوقت أو أنها حاملة طائرات أمريكية، ما يعني أن التخلي عنها سيغرقها في الرمال الساخنة والمتحركة للمحيط العربي الإسلامي المعادي لها.

هنا لا بأس من تذكّر الجسر الجوي الذي أقامته واشنطن لدعم تل أبيب أثناء حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، بينما كانت الدولة العبرية على وشك الانهيار والزوال، كما عبّر حرفياً وزير الدفاع الجنرال موشيه ديان في الأيام الأولى للحرب.

البعد الثاني في المقاربة الإسرائيلية للحدث الأفغاني يتعلق بالعامل الجيوبوليتيكي في بعديه الإقليمي والفلسطيني، كون تراجع أمريكا وتآكل هيبتها وقدرة ردعها ينعكس سلباً على حلفائها بما في ذلك إسرائيل طبعاً، وإيجاباً على خصومها وأعدائها بما في ذلك أعداء الدولة العبرية أيضاً.

بالمنحى الإقليمي العام، ستتأثر إسرائيل سلباً وستتزايد الأخطار عليها مع تراجع ثقة أصدقاء وحلفاء أمريكا بها، وسعي أعدائها لملء الفراغ، ما يعني نظرياً تزايد الأخطار الإقليمية، وبالتالي استنزاف إسرائيل أمنياً على جبهات عدة.
يوجد احتمال بتكرار الانسحاب الأمريكي في المنطقة العربية، تحديداً في العراق وسوريا، ما يخلق في الحد الأدنى حالة من عدم الاستقرار والفوضى؛ ترتد سلباً على إسرائيل في غياب عناوين سلطوية يمكن الضغط عليها وجباية الثمن أو الأثمان منها

في السياق نفسه، يوجد احتمال بتكرار الانسحاب الأمريكي في المنطقة العربية، تحديداً في العراق وسوريا، ما يخلق في الحد الأدنى حالة من عدم الاستقرار والفوضى؛ ترتد سلباً على إسرائيل في غياب عناوين سلطوية يمكن الضغط عليها وجباية الثمن أو الأثمان منها، كما تفعل تل أبيب الآن تجاه دمشق وبدرجة أقل بغداد.

إقليمياً أيضا، ثمة تداعيات سلبية لعودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في ظل علاقاتها الجيدة مع خصوم إسرائيل، واحتمال التعاون معهم وتزويدهم بتقنيات وتكنولوجيا عسكرية أمريكية متقدمة غنمتها الحركة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

المقاربة الإسرائيلية للحدث الأفغاني تتضمن كذلك تقارير عن عودة قوية لتنظيم داعش "خراسان" بعد الإفراج عن آلاف من مقاتليه من سجن باغرام سيء الصيت - رغم قتل طالبان لقائد التنظيم في السجن - واحتمال انتشارهم في المنطقة، وبالتالي التأثير سلباً على إسرائيل وحلفائها كما هو الحال مثلاً مع النظام المصري في شبه جزيرة سيناء.

ثمة انتهازية إسرائيلية واضحة هنا وسعي للتموضع في قلب ما توصف بالحرب الإقليمية والدولية على الإرهاب، بحيث تنزع هذه الصفة الإرهابية عنها وتلصقها بأعدائها وخصومها بمن فيهم حركات التحرر الوطني الفلسطينية.

فلسطينياً، تضمنت المقاربة الإسرائيلية دعوات لرفض الانسحاب من الضفة الغربية في المستقبل بحجة عدم تكرار المشهد الأفغاني فيها، أي انهيار السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس وملء حركة حماس للفراغ، كما فعلت طالبان في أفغانستان.
تضمنت المقاربة الإسرائيلية دعوات لرفض الانسحاب من الضفة الغربية في المستقبل بحجة عدم تكرار المشهد الأفغاني فيها، أي انهيار السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس وملء حركة حماس للفراغ، كما فعلت طالبان في أفغانستان

إسرائيل لا تتوقف كذلك عن محاولات شيطنة حماس ووضعها مع طالبان في سلة واحدة، علماً أن الاتصالات بين الحركتين لا تعني أبداً التماثل بينهما في ظل التباينات السياسية والجذور الفكرية المختلفة، حتى مع التشابه في القتال ضد الغزاة والوصاية الأجنبية.

ثمة مطالبات إسرائيلية أيضاً بعدم التفكير في عملية عسكرية برية واسعة في غزة تؤدي إلى احتلال عسكري؛ وانسحاب حتمي بعد ذلك قد يخلق مشهداً شبيها بمشهد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وينعكس سلباً على الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وفلسطين بشكل عام.

فلسطينياً أيضاً، تضمنت المقاربة الإسرائيلية للحدث الأفغاني مزاعم لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو عن رفضه عرضا أمريكيا لزيارة أفغانستان لإقناعه بتطبيق النموذج الأفغاني فلسطينياً.

كلام نتنياهو كما العادة تضمن تحريفا للرواية الأصلية واجتزاءها في الحد الأدنى، والحقيقة أن وزير الخارجية الأمريكية السابق جون كيري طرح فكرة التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على أساس حل الدولتين وعودة إسرائيل إلى حدود حزيران/ يونيو 1967، مع تبادل أراض بنسبة صغيرة، وانخراط حلف الناتو ضمن هذا الاتفاق ونشر وحدات تابعة له في منطقة غور الأردن كقوة ضامنة للاتفاق على الأرض، ودعم السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لمساعداتها على حفظ الأمن والاستقرار في الدولة العتيدة.
ثمة إجماع في إسرائيل على التداعيات الفلسطينية لمشهد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، حيث ستعاني إسرائيل كقوة احتلال مدعومة أمريكياً، خاصة مع فهم الفلسطينيين للحدث باعتباره دليلا ساطعا على حتمية زوال الاحتلال الأجنبي

في الجوهر، لم يرفض نتنياهو النموذج الأفغاني بحد ذاته حتى مع أوجه الشبه الفلسطينية، وإنما رفض مبدأ تسوية الصراع بشكل عادل ومعقول، مع قناعة متجذرة ومكابرة بإمكانية إدارته بأقل ثمن ممكن إسرائيلياً، علماً أنه حاول استغلال مرحلة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتصفيته نهائياً عبر خطة الضمّ لثلث الضفة الغربية بما في ذلك غور الأردن، والتطبيع مع الدول العربية في تجاوز لفلسطين وقضيتها.

عموماً، ثمة إجماع في إسرائيل على التداعيات الفلسطينية لمشهد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، حيث ستعاني إسرائيل كقوة احتلال مدعومة أمريكياً، خاصة مع فهم الفلسطينيين للحدث باعتباره دليلا ساطعا على حتمية زوال الاحتلال الأجنبي وعدالة جهاد الشعب الفلسطيني الذي سينتصر وينال حقه الطبيعي في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، ولو بعد حين.
التعليقات (0)