قضايا وآراء

إشارات حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر

رامي حافظ
1300x600
1300x600
صدرت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تم إعدادها على مدار عامين من خلال لجنة برئاسة سامح شكري وزير الخارجية، جاءت في 78 صفحة مقسمة على رؤية ومرتكزات ومبادئ أساسية وأربعة محاور. وجاءت كتابتها على الطريقة الأمريكية وبشكل متعجل، ففي صفحتها 16 و17 تم تكرار البند نفسه في ما يتعلق ببند الحياة والسلامة الجسدية.

الاستراتيجية تجاهلت بشكل ملفت كل المطالب التي تدعو لها الهيئات الأممية والمنظمات الدولية، وكذلك الحكومات الصديقة حول تحسين أحوال وأوضاع حقوق الإنسان في مصر، فقبل انعقاد احتفالية التي صدرت فيها الاستراتيجية في 11 أيلول/ سبتمبر 2021 صدر تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش عن القتل خارج القانون رصدت فيه 755 حالة. وحاولت المنظمة التواصل مع الحكومة المصرية، ولكنها لم تستجب لأسئلة المنظمة، حسبما ذكرت هيومان رايتس في تقريرها.

ضروري هنا وقبل الخوض في الاستراتيجية المعلنة أن نشير إلى طريقة تعامل أجهزة الأمن المصرية مع المحتجزين والمعتقلين السياسيين في الفترة الأخيرة، فلقد أفرج عن عدد من مشاهير المعتقلين مما دعا لتفاؤل حذر لدى العديد من المراقبين، مع أحاديث إعلامية لأصوات مقربة من النظام تتحدث عن طريقة مختلفة في التعامل مع ملف الحريات. أيضا شارك عدد من الحقوقيين من ذوي المصداقية والمعروفين؛ في جلسات لحوار مجتمعي تحت رعاية اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان، أعلنوا عنها وتحدثوا أنهم أدرجوا عددا من المطالب الحقوقية؛ أبرزها إعادة النظر في الحبس الاحتياطي والإفراج عن المعتقلين، وإعادة النظر في ملف الحريات بشكل أعمق وأوسع.

جاءت الاستراتيجية في ظل أجواء مرتقبة وبعد تم تأجيل موعد إطلاقها حسبما أفادت عدة وسائل إعلامية؛ بناء على طلب من الرئيس المصري الذي حضر احتفالية إطلاقها وألقي كلمة فيها. جاءت مخيبة للآمال، فالرئيس عبد الفتاح السيسي، عاد ليهاجم ثورة يناير، وهو الذي يلقي خطابا في يومها للاحتفال بذكراها.

قد تبدو النقاط التي سأذكرها انتقادا للاستراتيجية ومحاولة لإظهار فشل النظام الحاكم، لكن في الحقيقة هي ملاحظات على أداء الدولة المصرية، فحجم الأزمة الحقوقية في مصر أكبر وأعمق من فشل أو نجاح النظام الحاكم حاليا، فهي ممارسات سيئة وانتهاكات على طوال تاريخها في مقاومة كل دعاوي ومحاولات الإصلاح أمام بيروقراطية عتيقة ضاربة في أعماق التاريخ. قد يبدو النظام الحالي هو النموذج الأسوأ لتجلياتها، لكن هذا لا ينفي أنه أوجد الآليات والمؤسسات التي تستطيع تنفيذ رغباته القمعية، سواء كانت بناء على طلبه أو تلميحا بها أو التغاضي عنها أو إغفاله تلك التصرفات.

لذا، ثمة إشارات مهمة حول الاستراتيجية تكشف حجم القصور التي تضمنتها، مما يعني أنني أسعى للتفاعل معها بإيجابية كمحاولة للاستفادة منها، ففي ظل حالة القمع غير المسبوقة، فتعد الاستراتيجية تقدما ملموسا، يجب الاحتفاء به والتفاعل معها بشكل جدي.

الإشارة الأولى وهي توقيت إعلانها كان غاية في الذكاء، ذكرى 11 أيلول/ سبتمبر، المناسبة الأهم عالميا حول ملف مكافحة الإرهاب والتطرف. فبعيدا عن تضمين واستخدام فكرة "الحرب على الإرهاب والتطرف" التي أجادها النظام واستخدمها في إعداده للاستراتيجية، فكان من المهم تصدير صورة رئيس أكبر دولة عربية، التي كان من ضمن رعاياها أحد منفذي الهجوم الإرهابي على برجي التجارة العالمي بنيويورك، فإنه يتحدث عن ضرورة احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وقبول الآخر واحترام المرأة، وكلها بنود تزخر بها الاستراتيجية مع إنجازات حكومية حول هذه الملفات، وهي إشارة سيكون بالطبع لها مردود لساكن البيت الأبيض جوزيف بايدن. والأخير أعلن أن احترام حقوق الإنسان جزء من استراتيجيته في التعامل مع العالم الخارجي.

الإشارة الثانية، تجاهل الملفات الحساسة أو التي فشل فيها النظام الحاكم في مصر، مثل الموقف والأوضاع في سيناء، والجرائم التي ارتكبتها قوات الأمن المصرية على مدار السنوات الماضية. أيضا ملف التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، الذي يتضمن بطبيعة الحال الحديث عن الأحزاب السياسية وقيادتها وتمكينها من التواصل مع الجماهير. فلقد تضمن محور الحقوق المدنية والسياسية 18 صفحة من 78 صفحة هي عدد أوراق الاستراتيجية، وهي عبارة عن جمل إنشائية بلا مضمون، على عكس محوري الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومحور المرأة والطفل؛ اللذين جاءا في 37 صفحة، وتضمنا أرقاما وإحصائيات ومشروعات ومبادرات، والفئات المستهدفة والجهات المعنية لتنفيذها والنتائج التي حققها.

الإشارة الثالثة، حاول النظام من خلال هذه الاستراتيجية الترويج لخطط الدولة ومشروعاتها التي قام بتنفيذها أو التي يعمل عليها، كذلك طرح عددا من ملامح الأفكار التي تهمه في المستقبل للعمل عليها.

بصعوبة بالغة استطعت حصر 11 استراتيجية في مجالات مختلفة، تظهر سعي النظام للوجود في كل مناحي حياة المصريين بغض النظر عن تحقيقه للأهداف المعلنة أو عدم تحقيقها. فأولى مبادئ العمل المدني هي مشاركة الفئات المستهدفة في صناعة القرار، لكن في ظل غياب وسائل إعلام حرة، واعتقال قيادات الأحزاب السياسية واستهداف النشطاء في العمل الأهلي، وتعجيز النقابات العمالية والمهنية، وغياب مجالس محلية منتخبة ذات صلاحيات حقيقية، وذلك بفعل أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة، فهذا يعني غياب منابر قوية وجماهيرية للتواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين العاديين، بل على العكس، تحولت العلاقة بين الدولة والمواطن إلى علاقة السيد الذي يأمر والخادم الذي ينفذ، وهو الأمر الذي تسبب في احتجاجات سابقة، مثل التي حدثت في قانون التصالح في مخالفات البناء.

الإشارة الرابعة سحبت اللجنة الدائمة المشكلة بقرار رئيس الوزراء التي صنعت التقرير، التي كانت لجنة مشكلة سابقا بقرار وزير العدل اختصاصات المجلس القومي لحقوق الإنسان، فالمجلس القومي وفقا لمعايير باريس يتمتع بشيء من الاستقلالية لا تتوافق مع توجهات النظام، وهو أمر غير مرحب به، فكانت لجنة وزارية تعمل وفقا لتوجهات السيد الرئيس الفاهم والعالم بكل شيء.

الإشارة الخامسة، إنشاء لجان تنبثق منها لجان، فقد كانت من المفاجآت وفقا لأوراق الاستراتيجية وجود لجنة في القضاء العسكري لحقوق الإنسان أنشئت في 2018.. متاهة من المؤسسات ذات الاختصاصات المتشابهة، الأمر الذي ينتهي إلى لا شيء، أو كما نرى تدهور في الملفات الحقوقية كافة.

الإشارة السادسة، غياب كامل وواضح لدور جهات إنفاذ القانون، أو بمعنى أدق أجهزة الأمن المصرية التي - وفقا لمشاهدات عديدة - لا توجد لها قواعد في عمليات الاعتقال أو حتى الإفراج عن المعتقلين. وقد اعترفت الاستراتيجية بالعديد من أوجه القصور حول ضمانات المحاكمة العادلة وضرورة رفع كفاءة عناصر الشرطة ورجال القضاء، لكن هذا الاعتراف يصطدم بتوجيهات الرئيس في استخدام القوة الغاشمة أو عدم محاكمة عناصر الأمن ومعاقبتهم على عدم الالتزام بالقانون، وهي تصريحات متلفزة ومتكررة ولا ينكرها أحد بل مصدر لتفاخر.

الإشارة السابعة، إلقاء اللوم على المجتمع. كان من ضمن التقسيمات الفرعية للاستراتيجية ذكر التحديات التي تواجه تفعيل الحقوق الذي تشير إليه ثم الإشارة للنتائج المستهدفة، معظمها إن لم يكن جميعها تشير لقصور الوعي لدى المجتمع أو غياب المبادئ الأساسية حول حقوق الإنسان، كأن الذي اعتقل فتيات "التيك توك" وأفلت المجرمين من العقاب في قضية الفندق الشهير، ورفض إقرار القوانين اللازمة لمعالجة القصور التشريعي، هو المواطن البسيط وليست مؤسسات الدولة!
التعليقات (0)