قضايا وآراء

مؤتمر دول الجوار والرهان الخاسر

ياسر عبد العزيز
1300x600
1300x600

بغداد ومؤتمر دول الجوار وأبعد

مع مطلع الشهر الجاري أعلنت بغداد وبشكل مفاجئ عن مؤتمر يعقد في العاصمة لجمع شمل دول الجوار لإرساء السلام في المنطقة. وتحدد موعد للمؤتمر في الثامن والعشرين من  آب/ أغسطس الجاري، ودُعي له عدد كبير من دول الجوار والدول الشقيقة والصديقة، بحسب وكيل وزارة الخارجية في حكومة بغداد وعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر نزال خير الله، وعنه أنه كان من المنتظر أن يحضر المؤتمر ممثلون عن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وممثلون عن الاتحاد الأوروبي وكذا ممثلون عن الدول العشرين الكبرى، على أن يكون تمثيلهم بصفة مراقب.

وعلى الرغم من أن أجندة واضحة للمؤتمر لم تعلن بشكل رسمي في حينها، إلا أن المعلومات التي ساقها خير الله كانت كفيلة بأن تمنحنا فرصة لفهم المراد من هذا المجتمع، فبالإضافة لما أعلن سابقا من أن المؤتمر لإحلال السلام في المنطقة، أضاف خير الله أن المؤتمر يهدف إلى تأسيس شراكات اقتصادية كبيرة في مختلف المجالات وإعادة الإعمار ومحاربة الإرهاب، وأشار إلى أن هدف الحكومة في العراق بناء شراكات حقيقية مع الدول الإقليمية والعربية والصديقة، مؤكدا أن المؤتمر ليس كسابقاته التي جمعت الدول المانحة لإعادة الإعمار ومساعدة العراق ماديا، بل لبناء شراكات تعاون مشترك.

وهذا يعني أن المؤتمر لم يكن ليبحث القضايا الإقليمية الخلافية، بل كان التركيز على جميع الشركاء معتمدا في ذلك على الحضور الدولي الكثيف المرتقب والذي يشكل بالنتيجة عاملا إيجابيا فيما لو توافقت أطرافه المتضادة بالأساس.

مكاسب يريد الكاظمي جمعها

لعل مؤتمر اليوم الواحد يأتي على غرار سياحة اليوم الواحد، التي تجمع المصطافين لإنعاش الحالة الاقتصادية لمدينة المصيف، ولعل المكاسب التي حاول الكاظمي جمعها من وراء مؤتمر اليوم الواحد الذي يكلف العراق، المنهك اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وأمنيا، كثيرا على جميع المستويات، لكن فيما يرى الكاظمي أن المؤتمر يحقق طموحه، وهو ما يحاول الترويج له من خلال التأكيد إعلاميا على أن العراق يسعى للعب دور مؤثر في حل مشكلات المنطقة، واستعادة مكانته الرائدة على المستوى الإقليمي والدولي. لذلك تجد أن الخطاب المصدر قبيل المؤتمر أن اجتماع هذه الكوكبة الكونية الكبيرة هو فرصة لإعلان العراق عن موقفه الثابت تجاه صراعات المنطقة ورفضه البات بأن يكون ساحة للصراعات أو منطلقا للاعتداء على الدول الأخرى.

خطاب رجل الدولة هذا يستغربه المراقبون على الكاظمي، المتأرجح بين طهران وأمريكا، فالأولى بمليشياتها أوصلته لسدة الحكم في ظرف استثنائي خرج فيه الشارع لإسقاط النظام السياسي الذي أفرزه الاحتلال وركبته طهران، فقدم على أنه وجه جديد غير تلك الوجوه التي يتم تدويرها منذ الاحتلال، والثانية صاحبة القوة الضاربة في العالم والفاعل الرئيسي في رسم سياسته والموجودة على الأرض في العراق.

وعلى المستوى الداخلي، أراد الكاظمي الظهور بمظهر الرجل القوي في المنطقة ورسم هالة له تؤهله للبقاء في سدة الحكم في العراق، بعد أن باتت الانتخابات التي لا يريد لها أن تعقد وإن أظهر غير ما يبطن، قاب قوسين أو أدنى، ما يعني أنه في الغالب سيقول له من أتوا به: شكرا عد من حيث أتيت، لذلك يريد أن يكون موجودا من جديد فيما لو وقعت الواقعة وعقدت الانتخابات.

مقاعد موحدة وأجندات مختلفة

في القاعة الفخمة تراصت المقاعد في دائرية توحي بالسواسية، وإن غاب عنها جل من أعلنت الخارجية العراقية عن حضورهم الجلسة، حتى من حضر غاب عنهم فاعلون مهمون في المنطقة، كالسعودية وتركيا، وكان التمثيل على مستوى وزراء الخارجية، مع ذلك فإن القاعة التي تشابهت في مبناها لم يتشابه الجالسون فيها، فالكل أتى وعنده أجندته..

الرئيس الفرنسي كما الكاظمي يبحث عن عقد عمل، يفتح له آفاق ولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية القادمة في بلاده، لذا فقد استبق الحضور للمؤتمر بيوم ليمكث بعده يوما ليزور كردستان العراق، فالاستثمارات وعقود التشغيل شغله الشاغل، ولعل صفقة سلاح هنا أو هناك قد تجبر الخاطر، وفي ذهنه حلمه بأن يقوم بدور قائد فاعل في العالم ويشكل محاور يقودها بنفسه.

وجاءت دول الخليج على أمل إعادة العراق المختطف ورده إلى محيطه العربي، من الخاطف الفارسي. وتسعى دول الخليج من خلال بعض الاستثمارات أن يكون لها قدم في العراق يتزامن مع التضييق المالي على إيران، فلا زالت كلمات قآني للمليشيات طرف الأسماع تتردد؛ أن طهران رفعت يدها عن التمويل وعلى كل فصيل تدبير موارده، وموارده بالنتيجة باتت تأتي من المكاتب الاقتصادية التي تمص فيها دماء العراقيين. جاءت دول الخليج على استحياء لتجد لنفسها موطئ قدم بعد أن استحوذت إيران على كل شبر في العراق، وتركت الباقي دمارا لا توضع فيه قدم.

أما إيران فقد بعثت وزير خارجيتها ليراقب أداء رجالها، وليراقب بعين طهران عن كثب ما أقدم عليه الكاظمي وإلى أين سينتهي. قد تمرر إيران لفرنسا بعض الصفقات، لكنها لن تسمح بأن يمرر المخطط الأمريكي الناعم بسحب الكاظمي ليكون رجلها في العراق، فهو يعرف جيدا الدور الذي لعبه قآني في وصوله للمنطقة الخضراء.

مؤتمر دول الجوار والرهان الخاسر

في السادس والعشرين من تموز/ يوليو وبعد لقائه الرئيس الأمريكي جو بايدن، أعلن الكاظمي من واشنطن وعلى هامش الحوار الاستراتيجي؛ أن العراق يسعى للعب دور في تقريب وجهات النظر بين الدول المتخاصمة والمتنافسة في المنطقة. ومع مطلع الشهر الجاري شكل الكاظمي لجنة وزارية للتحضير للمؤتمر، وبعث مبعوثيه لدول الجوار لتسليم تلك الدعوات، فيما زار الكويت بنفسه ليدعو أميرها، فأرسل رئيس وزرائه، والذي صرح من هناك تصريحه الشهير الذي أزعج العراقيين.

لكن الشاهد أن الفكرة انطلقت من واشنطن، ما يعني أن مطبخ البيت الأبيض هو الذي حضرها ليقدمها الكاظمي، ولعل الفكرة مبنية على جلوس الأضداد على طاولة واحدة لتقريب وجهات النظر، ومن ثم سحب البساط من تحت أقدام إيران التي تشكل خطرا داهما على المنطقة، بشكل ناعم، بعد أن قرر بايدن الضعيف أن ينكفئ على نفسه ويسحب كل قواته من بؤر الصراع، لكنه في المقابل محاصر باتفاقيات الدفاع مع دول الخليج التي لن تقبل بأي حال من الأحوال ترك أمريكا لها من غير سابق إنذار ولا ترتيب، كما حدث في أفغانستان.

بلكنة أعجمية تلا وزير الخارجية الإيراني كلمة بلاده باللغة العربية، في رسالة واضحة للعرب الجالسين في المؤتمر بأننا نعرف كل شيء في العراق حتى لغته. وفي كلمته قال حسين عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، إن بلاده أول من اعترف بعراق ما بعد الاحتلال وأنها أقامت علاقات تجارية خلال تلك الفترة بما يزيد عن الـ300 مليار دولار، ليؤكد بعدها على أن الرقم يعكس مدى الترابط المتجذر بين البلدين، على حد وصفه. وعلى المستوى الأمني أكد عبد اللهيان على أن بلاده ساهمت في دحر تنظيم الدولة، من خلال دعم المرجعية "الرشيدة" بفتوى الجهاد الكفائي.

كلمة عبد اللهيان قضت على حلم أمريكا التي لم تحضر المؤتمر وأوكلت مهامه للكاظمي، فإيران في كلمتها أكدت للحضور أنها اعترفت بعراق ما بعد الاحتلال ولم تعترفوا، ودعمت اقتصاده ولم تفعلوا، وساندته في تأمين أراضيه من تنظيم الدولة ولم تساندوا، والمحصلة أن العراق لنا ولا مقام لكم.

ولعل الرسالة التي أرسلتها إيران فجر يوم المؤتمر بقصف مواقع للقوات الأمريكية على الحدود العراقية- الكويتية كانت تمهيدا نيرانياً للهيان قبل أن ينسف المؤتمر، ويلملم ماكرون من ورائه صفقات كهرباء وغاز، وشيئا من نذر يسير من صفقات السلاح المكدس ولا تجد من يشتريه.

أما بايدن الرخو وخططه الهشة فقد ذهبا أدراج الرياح، فلا مكان في العالم للحالمين. ولعل زيارة عبد اللهيان للمكان الذي قتل فيه قاسم سليماني لشاهد على ذلك، أما دول الخليج التي صدقت الكذبة وذهبت لبغداد لتحقيق أحلام بايدن، وراهنت على الكاظمي ربيب طهران ومواليها، فقد عرفت أن الرهان خاسر، ولعلها الآن مع كل عراقي حر تترحم على أيام ترامب.

 


التعليقات (0)